اغتيال “عقل المسيَّرات” الإيراني في سوريا: بصمات نتانياهو

مدة القراءة 5 د

عادَ بنيامين نتانياهو إلى السّلطة في إسرائيل، وما هي إلا أيّام حتّى اغتيلَ “قائدٌ كبيرٌ” من القوّة “الجوفضائيّة” التّابعة لـ”الحرس الثّوريّ الإيرانيّ” في سوريا بعبوّة ناسفة زُرِعَت على جانب الطّريق قُربَ دمشق، وهو العقيد داود جعفري.

على الرّغم أنّ القرار السياسي لهكذا عملية لا يزال عند رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد، إلّا أنّ الاغتيال في هذا التوقيت يعطي إشارة على السياسة التي ستكون عليها إسرائيل بعد فوز اختلاف نتانياهو بالانتخابات التشريعية.

يحملُ الاغتيال بصمات الموساد الإسرائيليّ. يُعزّزُ هذه الفرضيّةَ اختيارُ سوريا مسرحاً للعمليّة، والشّخصيّة المُستهدَفة داود جعفري، الذي يتربّع على سُلّم “مهمّاته السّوريّة” تثبيتُ قواعد صاروخيّة وشبكةٍ مُعقّدة من الطّائرات المُسيّرة، الانتحاريّة منها والعاديّة، سيكون هدفُها إسرائيل.

يوازي الاغتيال في أهمّيّته وهدفه اغتيال العقيد في فيلق القدس صيّاد خدائي الذي قُتِلَ في إطلاقِ نارٍ شرق العاصمة الإيرانيّة طهران في أيّار الماضي.

الفارقُ اليومَ أنّ “الباسدران” اتّهمَ صراحةً إسرائيل بالوقوف خلفَ اغتيال جعفري، على عكسِ بيانه الذي أصدره عقبَ اغتيال خدائي، الذي اتّهمَ “قوى الاستكبار العالميّ” بتنفيذه.

تجنّبَ حرس الثّورة يومَذاك أن يتّهمَ الموساد الإسرائيلي مباشرةً لأنّ العمليّة التي نُفّذَت في وضحِ النّهار وفي قلب إيران ستكون لها حسابات ردّ إيرانيّة في غاية التعقيد. لكنّ اغتيالَ جعفريّ خارج حدود بلاده يُريحُ “الباسدران” في توجيه اتّهام مُباشر للموساد.

عادَ بنيامين نتانياهو إلى السّلطة في إسرائيل، وما هي إلا أيّام حتّى اغتيلَ “قائدٌ كبيرٌ” من القوّة “الجوفضائيّة” التّابعة لـ”الحرس الثّوريّ الإيرانيّ” في سوريا بعبوّة ناسفة زُرِعَت على جانب الطّريق قُربَ دمشق. وهو العقيد داود جعفري

تشير معلومات “أساس”، التي حصلَ عليها من مصدريْن إقليميَّيْن واسعَيْ الاطّلاع، إلى أنّ جعفري تسلّم مهامه في سوريا بعد انتقال العقيد خدائي إلى إيران، وتشمل هذه المهامّ الإشراف على شحنات الصّواريخ والمُسيّرات التي تصل إلى مطار دمشق الدّوليّ، وتطوير مصانعَ محليّة في سوريا والعراق ولبنان لإنتاج الطّائرات المُسيّرة، خصوصاً الانتحاريّة منها، التي ذاعَ صيتها خلال الأسابيع الماضية في الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة. يُضاف إلى ذلك عمله في نشر دفاعات جويّة إيرانيّة في سوريا.

ماذا في السّياسة؟

يأتي اغتيال جعفري في لحظةٍ إقليميّة مُعقّدة تتضمّن مؤشّرات عديدة لا بدّ من التّوقّف عندها:

أوّلاً: يشهدُ الدّاخل الإيرانيّ حراكاً ثورياً لا يتوقّف منذ مقتل المُواطنة الكُرديّة مهسا أميني على أيدي رجال شرطة الأخلاق التابعة للنّظام. كانَ لافتاً في هذا الحراك تنامي النّقمة الدّاخليّة ضدّ النّظام، وباتَت التّظاهرات الشّغل الشّاغل للأجهزة الإيرانيّة ولحرس الثّورة بعدما تعاظم الحراك من مناطق الأطراف إلى المدن الرئيسية التي يسيطر عليها النظام ونواته الصلبة. عقّدت تحرّكات الدّاخل حسابات الباسدران، إذ انتقلَت أولويّاته الإقليميّة نحوَ إقليم كردستان العراق، الذي يتعرّض لقصفٍ شبه يوميٍّ من قِبَل حرس الثّورة الإسلاميّة، باعتباره مُنطلقاً لإدارة التظاهرات ضدّ النّظام الإيرانيّ.

ثانياً: يأتي الاغتيال بعد أيّامٍ من استهداف ناقلة نفطٍ يملكها رجل أعمال إسرائيليّ في بحر عُمان، عبر طائرة مُسيّرة من إنتاج القوّة الجوفضائيّة لحرس الثّورة الإسلاميّة، التي يُعتبَر العقيد جعفري من أبرزِ ضُبّاطها وخبرائها.

ثالثاً: يترافق الاغتيال مع عودة قويّة، غير مُتوقّعة، لزعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو إلى السّلطة في إسرائيل، مع ائتلافٍ يمينيّ واسع. كان نتانياهو قد أكّد فورَ إعلان فوزه أنّ مُكافحة “التهديدات الإيرانيّة وتوسّعها في المنطقة” ستكون على رأس سُلّم أولويّاته.

رابعاً: قبل أيّام قليلة، صرّحَ منسّق مجلس الأمن القومي الأميركيّ للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، في مؤتمر “حوار المنامة”، أنّ الولايات المتحدة تعمل على بناء بنية تحتية “متكاملة” للدفاع الجوّي والبحري في الشرق الأوسط. وقال ماكغورك إنّ القوات الأميركية “كشفت وردعت تهديدات وشيكة” من جانب إيران. وأضاف أنّ “إيران كانت تستعدّ لشنّ هجوم على السعوديّة. ومن المرجّح أنّ هذا الهجوم لم يحدث بسبب التعاون الأمني الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة، وهو أمر متواصل”.

في الجلسة نفسها، كان مُستشار الأمن القوميّ الإسرائيليّ إيال حولاتا يصفُ إيران بأنّها “التهديد الأمني الأبرز لإسرائيل”.

إقرأ أيضاً: صمد بايدن في الكونغرس… فطلبت إيران موعداً في فيينا

تعني هذه المؤشّرات أنّ المواجهة مع إيران ستأخذ طابعاً تصعيديّاً خلال المرحلة المُقبلة على امتداد جغرافيا الشّرق الأوسط. ولا يعني وجود نتانياهو على رأس الحكومة الإسرائيليّة عكسَ ذلك على الإطلاق.

يطمَح الرّجلُ إلى دفنِ أيّ احتمالٍ لعودة المُفاوضات النّوويّة بين إيران والغرب، وأن يوجّه ما استطاع من ضربات موجعة للوجود الإيرانيّ قربَ الحدود مع فلسطين المُحتلّة، وخصوصاً في الجنوب السّوريّ المُجاور لهضبة الجولان المُحتلّة.

وهُناك… للفعل وردّ الفعل تتمّة.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…