كتاب عويدات: إيضاح الواضحات في مذكرة عثمان

مدة القراءة 11 د

ثمّة نتيجة واحدة للمعمعة التي رافقت صدور “مذكّرة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان” في شأن تنفيذ مهامّ الضابطة العدلية في قوى الأمن الداخلي عند تعذّر الاتّصال بالنيابات العامّة أو تمنّعها عن إعطاء إشارة قضائية بدعوى الالتزام بالإضراب: “ليس هناك من موقوف اليوم لدى قطعات قوى الأمن من دون إشارة قضائية”.

واقعٌ يؤكّده المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لـ “أساس” متسائلاً في الوقت نفسه: “من يجرؤ اليوم على إلغاء مذكّرة “تُسيسِر” أمور الناس وتضبط الجريمة وتحمي الأمن وتحدّ من تداعيات إضراب القضاة؟”.

فيما بدا تقييداً للمذكرة الداخلية لعثمان أكد عويدات في كتابه أنّ “إجراءات التحقيق مناطة بإشراف النيابة العامة وبالتاليفإن نصّ المادة 40 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا يستقيم إلا بحضور النيابات العامة”

لكن مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وجّه أمس كتاباً إلى اللواء عثمان لتعميمه على مراكز قوى الأمن يعيد التذكير فيه بإجراءات النيابة العامة في الجريمة المشهودة مشيراً في المادة 40 من الكتاب إلى “تذرّع الكثيرين باعتكاف القضاة لعدم القيام بإجراءات التحقيق الأولي في الجرائم المشهودة وغير المشهودة، وهذه الذريعة لا تستقيم كون التعليمات تقضي بالاتصال بالنيابة العامة التمييزية وعليه يقتضي حصر مذكرتكم الداخلية بهذا التوجّه”.

وفيما بدا تقييداً للمذكرة الداخلية لعثمان أكد عويدات في كتابه أنّ “إجراءات التحقيق مناطة بإشراف النيابة العامة وفقاً نصّ المادة 40 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا يستقيم إلا بحضور النيابات العامة”. كما أكد أن “على الضابطة العدلية في الجرائم المشهودة وغير المشهودة التقيّد بإشارة النيابة العامة المختصّة”.

أمّا في حال تعذّر الاتصال بالنائب العام الاستئنافي أو من ينوب عنه، وفي ظل الظروف التي تمرّ بها البلاد “يقتضي الاتصال بالنيابة العامة التمييزية لأخذ إشارتها”.

وشدّد كتاب عويدات على أنّ “التوقيف وجمع الأدلة وغيرها من الإجراءات في الجرم المشهود واجب، كذلك الاتصال والأخذ بإشارة النيابة العامة واجب أيضاً”.

جنبلاط يدعم عثمان

تلقّى أمس اللواء عثمان مؤازرة من رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بإعلان “تفهّمه” لخطوة المدير العام لقوى الأمن الداخلي، “إذ لا يمكن أن تستمرّ هذه الحالة في غياب مرجعية القضاء”. فيما اعتبر النائب وائل أبو فاعور أنّ اعتكاف القضاة “بات يشكّل خطراً على الأمن لا تتحمّل عاقبته أو تُدان عليه قوى الأمن الداخلي”.

من جهة أخرى بَرَز فريق كبير يحمّل القضاء جزءاً كبيراً من المسؤولية عمّا وصلت إليه الأمور بسبب الاستمرار في الاعتكاف أو الإضراب الأطول في تاريخ القضاء على الرغم من “الحوافز” التي قُدّمت للقضاة أخيراً.

“جبهة” مُضادّة

في المقابل، دعت جبهة مضادّة إلى أن يُلغي المذكّرة فوراً مدّعي عام التمييز أو وزير الداخلية أو مجلس شورى الدولة أو عثمان نفسه لعدم قانونيّتها “لأنّ صلاحيّة فتح التحقيق والتوقيف معطاة للنيابات العامّة لا للضابطة العدلية”.

تلقّى أمس اللواء عثمان مؤازرة من رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بإعلان “تفهّمه” لخطوة المدير العام لقوى الأمن الداخلي، “إذ لا يمكن أن تستمرّ هذه الحالة في غياب مرجعية القضاء”

اجتماع عثمان-عويدات

تكفّل الاجتماع بين مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات واللواء عثمان يوم الإثنين الماضي، بناءٍ على طلب الأخير، بجلاء ملابسات قرار عثمان و”توضيحه”، ولا سيّما أنّ المدير العام لم يرسل نسخة من مذكّرة الخدمة إلى مدّعي عام التمييز “الذي نسّقتُ معه مسبقاً قبل إصدار المذكّرة”، وفق تأكيد عثمان.

مع العلم أنه خلال الاجتماع سلّم عثمان مدّعي عام التمييز كتاباً حول التعميم الداخلي الذي أصدره، ما دفع عويدات إلى الردّ بكتاب آخر قيّد مجدداً نطاق عمل الضابطة العدلية.

يقول مطّلعون في هذا السياق إنّ “المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي ليس ملزماً بإرسال نسخة من المذكّرة إلى أيّ جهة قضائية ما دامت تعميماً داخليّاً مرتبطاً بعمل العسكر”.

مذكّرة 8 أيلول

في الوقائع أنّ اللواء عثمان أصدر مذكّرة الخدمة في 8 أيلول 2022 بعد أيام قليلة من بدء إضراب القضاة الذي أثّر بشكل مباشر على عمل الضابطة العدلية المولجة بأعمال التحقيق والتوقيف لتعذّر مخابرة النيابات العامّة والمحامين العامّين والقضاة لأخذ الإشارة القضائية اللازمة أحياناً. لذلك طُرِحت علامات استفهام كبيرة عن أسباب “نبش” المذكّرة في هذا التوقيت وتصوير عثمان “حاكماً بأمره” يدير “دولة بوليسية” من دون ضوابط.

يوضح عثمان لـ “أساس”: “نتيجة حوادث متكرّرة لم يتمكّن خلالها الضبّاط العدليون من الاستحصال على الإذن القضائي بالتصرّف، وبعدما طلعت الصرخة من المخافر بأنّ النيابات العامّة ما عم بردّوا علينا”، أصدرت مذكّرة الخدمة بالتنسيق مع مدّعي عام التمييز استناداً إلى نصوص قانونية واضحة جداً تعكس أصلاً مهامّ الضابطة العدلية ولا تتعارض معها وتتيح عدم تعطيل مسار مكافحة الجريمة، “والأهمّ حثّ العسكر على ممارسة مهامّهم وعدم التحجّج بإضراب القضاة وعدم أخذ الإشارة”.

من يجرؤ؟

لكن ما مصير المذكّرة بعد اجتماع عويدات وعثمان، ورصد توجّه للطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة؟ يردّ عثمان: “يستطيع مدّعي عام التمييز إلغاء المذكّرة، وإذا صدر قرار عن مجلس شورى الدولة بإلغائها فسألغيها، لكن من يجرؤ على إلغاء مذكّرة مستندة إلى نصوص قانونية واضحة، وحصيلتها عدم وجود أيّ موقوف اليوم من دون إشارة قضائية تعطيها النيابات العامّة في المناطق التي لم “تُضرِب” كما سائر القضاة. هذه مسألة مرتبطة بالأمن مباشرة، فليتحمّل المسؤولية كلّ من يتصدّى لضبط الأمن والجريمة ومنع حصول توقيفات قانونية”.

أضاف عثمان: “هناك عملية تضليلٍ كبيرة واستغباء للرأي العامّ، لدرجة تسريب خبر بأنّني تحدثّت عن الجريمة غير المشهودة، وهذا أمر غير صحيح إطلاقاً، لأنّ المذكّرة تشمل فقط الجريمة المشهودة، وتطلب من قطعات قوى الأمن بشكل متكرّر مراجعة القضاء والاستحصال على الإشارة القضائية اللازمة، فالنيابات العامّة موزّعة في كلّ المناطق. وحتى لو لم يكن “النائب العامّ” على السمع أو رفض إعطاء الإذن القضائي،فاللواء المدير العام يتدخّل مباشرة للاستحصال عليها”.

عثمان: صلاحيّات قوى الأمن الداخلي التي تشمل جميع الأراضي اللبنانية والمياه والأجواء الإقليمية التابعة لها، والمحدّدة مهامّها بحفظ النظام والأمن وحماية الممتلكات العامّة والخاصّة والأشخاص وحماية الحرّيات والسهر على تطبيق القوانين

استهداف وتحريض!

هل من استهداف سياسي مباشر لعثمان؟ وماذا عن اتّهامه بخطأ إصدار مذكّرة لا لزوم لها، خصوصاً أنّ النيابات العامّة بقيت شغّالة ولم تلتزم بالاعتكاف؟

يوضح عثمان: “لم أخطِئ ولم أستعجِل، ولا أعرف سبب التحريض والاستهداف الذي أعتبره موجّهاً شخصيّاً ضدّي. ومَن يقف وراء هذه الحملة تنطبق عليه قصّة “هواة الانتقاد ووهم المعرفة”. لكن ما دمت أنا على رأس المديرية فلن أسمح بالمسّ بالمؤسّسة وإضعافها أو منعها من القيام بمهامّها في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي زادها تعقيداً إضراب القضاة”.

وبتبسيط للواقع يقول عثمان: “كنت أمام معضلة كبيرة. إذ تحصل جناية أو جنحة ويتمّ توقيف مشتبه بهم. وأحياناً كثيرة لا تعطي النيابة العامّة إشارة أو يتعذّر الاتّصال بها، فماذا كان يمكن أن أفعل؟ هل أترك الأمن سائباً؟ هذه المذكّرة تحديداً تحثّ العسكر على القيام بواجباتهم المنصوص عنها قانوناً كما في المادّة 40 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنصّ على أن “تقوم الضابطة العدلية في الجريمة المشهودة بالإجراءات التي يقوم بها النائب العامّ عندما يتعذّر عليه مباشرتها بنفسه، وعلى الضابط العدلي أن يراعي في إجراءاته الأصول التي حدّدها القانون للنائب العام عند تولّيه التحقيق في الجريمة المشهودة”. وهذا يعني صراحة أنّنا نحلّ محلّه إلى حين تلبيته لمراجعنا فنلتزم بقراره. وكانت العادة قد درجت في السابق عند حصول جرم مشهود على مخابرة النيابة العامّة وأخذ الإذن قبل التوجّه إلى مكان الجريمة. هذه عادة وليست نصّاً قانونيّاً”.

الشقّ القانونيّ

في الشقّ القانونيّ اتّكأ عثمان على عدّة نصوص قانونية “تشرّع” مذكّرة الخدمة الصادرة في أيلول الماضي. فإضافة إلى المادّة 40 استندت المذكّرة إلى:

ـ المادة 41 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنصّ على أنه “في حال وقعت جريمة مشهودة ينتقل الضابط العدلي فوراً إلى مكان حصولها ويبلّغ النائب العامّ المختصّ بها”. وقد ذكرت المادّة مهامّ الضابط العدلي، تحت إشراف النيابة العامّة، ومنها الحفاظ على الآثار والمعالم والدلائل القابلة للزوال وكلّ الأدلّة وضبط كلّ الموادّ المستخدمة في الجريمة والاستماع إلى الشهود والقيام بالتحرّيات والتفتيش والاستجواب والقبض على من تتوافر شبهات قويّة بارتكابه الجريمة أو إسهامه فيها…

يرى عثمان أنّه “في حال حصول جريمة هل يجب الوقوف مكتوفي الأيدي إلى حين وصول الإشارة (في حال تأخّرت وهذا ما يحصل منذ اعتكاف القضاة) فتضيع فرصة ضبط الأدلّة وتوقيف المتورّطين؟”.

ـ المادة 46 التي نصّت على الآتي: “إذا كان الجرم المشهود من نوع الجنحة التي تستوجب عقوبة الحبس سنة على الأقلّ، فللضابط العدليّ أن يقبض على المشتبه فيه وأن يحقّق في الجنحة تحت إشراف النائب العامّ”.

ـ المادة 217 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي: “يحقّ لرجال قوى الأمن الداخلي توقيف الأشخاص… تلقائياً في حالة الجناية المشهودة والجنحة المشهودة التي تكون عقوبتها الحبس على أن يُعلِموا في الحال المرجع القضائي المختصّ ويتقيّدوا بتعليماته”.

يقول عثمان: “هذا شغلنا اليوميّ وفي مذكّرة الخدمة قلنا إنّه في ظلّ اعتكاف قضاة النيابات العامّة وتعذّر الاتصال بهم من قبل قطعات قوى الأمن الداخلي التي تقوم بمهامّ الضابطة العدلية، ولا سيّما عند وقوع الجريمة المشهودة، الأمر الذي يرتّب تداعيات خطيرة على مسار العدالة لجهة مدّة التوقيف والحفاظ على الأدلّة والمعالم الجرميّة والاستجواب والانتظام الأمني لجهة تفلّت المجرمين من العقاب وضياع الحقوق، وحفاظاً على النظام العامّ، وتحقيقاً للعدالة، وإلى حين زوال الظروف الاستثنائية وورود جواب هيئة التشريع والاستشارات (قضت الاستشارة بالالتزام بتعاميم النيابة العامّة)، لكلّ ذلك أصدرت التعميم الآتي:

ـ أوّلاً: يتولّى الضابط العدلي عند وقوع جريمة مشهودة من نوع الجناية أو الجنحة تستوجب عقوبة الحبس جميع الإجراءات التي يقوم بها النائب العامّ عندما يتعذّر على الأخير مباشرتها بنفسه، ويبادر الضابط إلى التقيّد بإجراءات التدقيق كافّة وفقاً للمادّة 41.

ـ ثانياً: في حال تمنّع النيابة العامّة الاستئنافية عن إعطاء الإشارة القضائية اللازمة أو الرّدّ على الاتصال الهاتفي، ثمّ تعذّر الاتصال بالنيابة العامّة التمييزية، يستبقي الضابط العدلي الشخص المشتبه فيه موقوفاً لديه إلى حين ورود إشارة من المرجع القضائي المختصّ بالترك أو عدمه، على أن يُوثّق هذه الإجراءات بموجب محضر عادي وفقاً للأصول ويضمّنه ساعة ونتيجة الاتّصال بقضاة النيابات العامّة”.

يؤكّد عثمان في هذا السياق: “عدم وجود أيّ موقوف لدينا إلا بناءً على إشارة قضائية قد تتأخّر لكنّها تصدر حكماً”، مشيراً إلى “واقع صعب يُترجَم من خلال اتّصال مئات قطعات قوى الأمن يوميّاً بالنيابات العامّة التي حُصرت بعدد قليل جدّاً من القضاة، فيتأخّر صدور الإشارات القضائية، وهو الواقع الذي حاولنا تفاديه من خلال مذكّرة الخدمة”، متسائلاً: “هل يمكن لكلّ المخافر مخابرة القاضي غسان عويدات أو غسان خوري فقط إذا لم يكن باقي القضاة على السمع أو رفضوا إعطاء الإذن؟”.

صلاحيّات قوى الأمن

يذكّر عثمان بــ “صلاحيّات قوى الأمن الداخلي التي تشمل جميع الأراضي اللبنانية والمياه والأجواء الإقليمية التابعة لها، والمحدّدة مهامّها بحفظ النظام والأمن وحماية الممتلكات العامّة والخاصّة والأشخاص وحماية الحرّيات والسهر على تطبيق القوانين”.

إقرأ أيضاً: باسيل والحزب يتسابقان… إلى معراب

هذا وتضمّنت المذكّرة أمراً بالغ الأهميّة مرتبطاً بشكل وثيق بالمواطن العاديّ، إذ أخذ عثمان ما يوصف بـ “الإشارة المفتوحة” ومن دون الحاجة إلى مراجعة النائب العامّ التمييزي عند تنظيم محاضر الفقدان (هويّة، جوازات سفر، أغراض شخصية…).

وفي هذه الحال تُدوّن في مستهلّ كلّ المحاضر عبارة “بناء لإشارة النائب العامّ التمييزي المسبقة” عند تنظيم محاضر الفقدان ومجمل إجراءاتها، ويُسلَّم أصحاب العلاقة صورة طبق الأصل عنها وفقاً للأصول. وتنفّذ كلّ بلاغات البحث والتحرّي والمذكّرات والأحكام العدلية الواردة مباشرة إلى قطعات قوى الأمن الإقليمية أو بموجب برقيّات مكتب التحرّيات الجوابية، وفقاً للأصول.

مواضيع ذات صلة

لبننة “الحزب”؟

منذ نشأته كانت لبنانية “الحزب” مسألة إشكالية، في الشكل كما في المضمون. والمضمون والشكل هنا متلازمان متساويان في الدلالة والمعنى. اليوم لم يعد من هامش…

“سمفونيّة الأمل” في السعوديّة.. والقوّاس: لعودة لبنان للحضن العربي

“لبنان جريح، وشفاؤه بالعودة إلى الحضن العربي”. هذه خلاصة كلمة رئيسة المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى السوبرانو هبة القوّاس في حفل موسيقي ضخم نظّمته في…

الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (2/2)

في الجزء الثاني من هذه التحية إلى المثقف الراحل الياس خوري، يكتب كلٌّ من: علوية صبح، وواسيني الأعرج، ويوسف المحيمد، وليانة بدر، وطالب الرفاعي، وسمر…

نداءٌ ثانٍ ودائم إلى دولة “النبيه”

هو صاحب الفكرة، حامل القلم، إبرة الميزان، والممسك بخيوط كثيرة. لا تخطئ بوصلة نبيه بري. السياسة عنده احتراف. أحد أبرز صنّاع الاستثناء في التاريخ اللبناني…