“ثلاثيّ حمساوي – إيرانيّ” ينفّذ انقلاباً داخل الجماعة الإسلاميّة

مدة القراءة 7 د

في تاريخ الدولة العثمانية، ولا سيّما بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، أزمنة كان فيها السلطان ضعيفاً، والحكم الفعليّ بيد الصدر الأعظم، وأزمنة أخرى كان الاثنان فيها ضعيفَيْن، والسلطة بيد ثلّة من أصحاب الرُتب الرفيعة.

المثال على ذلك الأكثر رسوخاً في الذاكرة كان في السنوات الأخيرة من حياة الدولة العليّة، حينما تربّع على عرشها السلطان محمد رشاد (1909-1918)، بعد خلع أخيه السلطان عبد الحميد، وكان مجرّد واجهة ليس له من الأمر شيء. وكذلك الصدور العظام الذين كان يتمّ تغييرهم باستمرار، بما جعلهم على هامش التاريخ. أمّا السلطة فقد قبض عليها الثلاثيّ الشهير: أنور، وطلعت، وجمال. وللأخير مكانة بارزة في تاريخنا نالها بإعداماته الشهيرة التي جعلت اسمه مقروناً بصفة “السفّاح”: جمال باشا السفّاح.

هذا المثال بكلّ ما يختزنه من ذكريات مريرة لتهاوي آخر إمبراطوريات الإسلام السنّيّ، نستطيع إسقاطه على الجماعة الإسلامية في لبنان. بالطبع هي ليست دولة ولا ذات حضور سياسيّ وازن. وبالكاد تمكّنت خلال العقود الثلاثة الماضية من حفظ مكان لها على هامش السلطة. بيد أنّها التنظيم السياسي السنّيّ الأكثر عراقة في لبنان، ولديها انتشار في كلّ مناطق الوجود السنّيّ، من عكّار شمالاً حتّى شبعا جنوباً. وفي الوقت نفسه هي جزء من تنظيم إسلاميّ عالميّ هو تنظيم الإخوان المسلمين الذي يقترب من ذكرى تأسيسه المئويّة.

ليس قرار الجماعة الإسلامية عمليّاً وفعليّاً بيد الأمين العامّ محمد طقّوش ولا المكتب السياسي ولا مجلس الشورى

الثلاثيّ الإيرانيّ

ليس قرار الجماعة الإسلامية عمليّاً وفعليّاً بيد الأمين العامّ محمد طقّوش ولا المكتب السياسي ولا مجلس الشورى. ليس كلّ هؤلاء سوى قيادات يتمّ تحريكها من قِبَل ثلاثيّ يقبض على قرار الجماعة، ويمضي في تنفيذ انقلاب أبيض، وربّما أسود، غايته الانتقال من يمين تركيا وقطر، إلى التموضع على يمين حزب الله.

يتكوّن هذا الثلاثيّ المدعوم من يحيى السنوار رئيس إقليم غزّة في حماس، الذي قام بانقلاب مشابه داخل الحركة نفسها، من:

الشيخ دانيال بصبوص، وهو دكتور في الشريعة الإسلامية، وموظّف في دائرة العمل الخيري التابعة لحركة حماس، ومنسّق العمل الخيري بين مؤسّسات حركة حماس والجماعة الإسلامية.

مقداد قلاوون، المسؤول عن جهاز الأمن في الجماعة، والموظّف في حركة حماس.

عصام خشّان، القياديّ في “حماس” المقيم في لبنان، الذي يتولّى الإشراف على العمل الخيريّ للحركة.

 

إخراج “الثلاثيّ التركيّ”

انطلاقاً من تعهّده لحزب الله بإبعاد الجناح التركي عن مفاصل القرار في الجماعة، قام هذا الثلاثي بإخراج الثلاثيّ الآخر: نائب بيروت عماد الحوت، والأمين العام السابق عزّام الأيّوبي، ومرشّح الجناح عينه للأمانة العامّة الشيخ أحمد العمري، من دائرة التأثير والقرار. لكنّهم اضطرّوا إلى اختيار الأيّوبي لتمثيل الجماعة في تأبين المرشد العامّ للإخوان إبراهيم منير بسبب منصبه الرفيع في التنظيم الدوليّ.

أكثر أركان الثلاثيّ الانقلابي إثارةً للجدل هو مقداد قلاوون، إذ يعتبر مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا قدوته، ويحاول تقليده والسير في ركابه. لكنّ الصفّ القيادي في الجماعة يراه شبيهاً لصفا، بمعزل عن الموقف من الأخير. وقد استهجن بعضهم قيامه بزيارات مناطقية وتوزيعه المناصب في المكتب العامّ عليهم، الأمر الذي حدا بهم إلى الرفض.

ربّما ستحاجج القيادة الجديدة بأنّ تركيا والإمارات قاما بالتصالح مع الأسد، وأنّ السعودية قريبة من ذلك. لكنّ الفرق أنّها دول لها مصالح، ولن تفعل ذلك بالمجّان

البداية من الأسد

ثمّة حدثان يدلّلان على الانقلاب الذي يجري داخل أروقة التنظيم. الأوّل هو اعتذار النائب عماد الحوت عن عدم تلبية دعوة السفير السعودي وليد البخاري إلى مأدبة العشاء، التي جمعت النوّاب السُنّة، ما خلا بعض حلفاء حزب الله الذين لم تُوجَّه إليهم دعوات بالطبع.

يتناقض هذا الفعل مع كلّ المسار الذي انتهجته الجماعة في السنوات الفائتة، ومحاولاتها التي لم تنقطع للانفتاح على المملكة السعوديّة والدول الخليجية والعربية. لم يكن الحوت يريد التغيّب، ولا سيّما أنّه زار السفير السعودي سابقاً وشارك في الاحتفال الذي أقامه في ذكرى اغتيال المفتي حسن خالد. لكنّ الضغوط الشديدة التي تعرّض لها من القيادة الجديدة، ومن ورائها الثلاثيّ الإيرانيّ إيّاه، جعلته يعتذر في اللحظات الأخيرة، متذرّعاً بأسباب شخصية، لكنّ الرسالة وصلت.

أمّا الثاني فهو زيارة وفد قيادي من حركة حماس دمشق، ولقاؤه طاغيتها. قوبِلت تلك الزيارة باستهجان واسع في الجسد التنظيمي، فبادر الثلاثيّ الانقلابي إلى استصدار فرمان من الأمين العامّ يُلزم الجميع بـ”الصمت المقدّس”. وهذا ما يذكّرنا بالتنظيمات الحديديّة، حيث الخيارات الكبرى ليست محلّ نقاش، ومحصورة فقط بـ”الباب العالي”.

اللافت أنّ قلاوون كان في عداد وفد “حماس”، وقد سبق له أنْ زار دمشق. وعندما سُئل عن زيارته كان جوابه أنّه ذهب إلى هناك بصفته عضواً في “حماس” مكلّفاً بمهمّات أمنيّة.

منذ أسابيع قليلة اتّخذ المكتب العامّ، الذي هو بمنزلة حكومة الجماعة، ويتكوّن من الأمين العامّ ونائبَيْه ومسؤولين مركزيّين عن كلّ القطاعات داخل التنظيم، قراراً بالانفتاح على بشّار الأسد. لكنّه لم يوضع موضع التنفيذ، بل تمّ تحويله إلى مجلس الشورى للتصديق عليه، مذيَّلاً بتذكير الأعضاء بضرورة الاعتصام بحبل الصمت، والحرص الشديد على عدم تسرّبه إلى الإعلام.

ربّما ستحاجج القيادة الجديدة بأنّ تركيا والإمارات قاما بالتصالح مع الأسد، وأنّ السعودية قريبة من ذلك. لكنّ الفرق أنّها دول لها مصالح، ولن تفعل ذلك بالمجّان. أمّا الجماعة فماذا لديها لتعطيه للأسد؟ وماذا ستكسب منه في المقابل؟

 

المستفيد الأكبر

هذا السؤال سبق أنْ أثاره رئيس “حماس” في الخارج خالد مشعل، المعارض لخطوة التصالح مع الأسد، في اجتماعات القيادة العليا لـ”حماس”، انطلاقاً من أنّ الأخير لم يعد لديه ما يمنحه. بيد أنّ زيارة الأسد ما هي إلّا خطوة أخرى لتعبيد الطريق نحو حزب الله، وتوثيق عُرى التحالف معه. فهو الذي فرض ذلك على “حماس”، وأيضاً على الجماعة، ويبدو أنّه يُنزل هذه الزيارة في منزلة المطْهر الذي تحدّث عنه دانتي في “الكوميديا الإلهية” للتطهّر من الخطايا والذنوب قبل العبور نحو جنّته.

وإذا كان قرب “حماس” من حزب الله قديماً ومعروفاً، فالأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الجماعة الإسلامية التي تراوحت علاقتها به، منذ اندلاع الثورة في سوريا، ما بين الفتور الأقرب إلى القطيعة، وتنسيق الحدّ الأدنى. ولذلك يشكّل تحالفها معه انقلاباً على كلّ سياساتها، منذ صعود نجم “العدالة والتنمية” في تركيا. ويأتي هذا الانقلاب في توقيت حسّاس جدّاً بسبب تزامنه مع الانقسامات التي تضرب أوصال التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وتُضعف قدرته على التدخّل والحؤول دون نجاح الانقلاب.

إقرأ أيضاً: “الحرس الثوري” يقبض على “الجماعة الإسلامية”

تظنّ القيادة الجديدة للجماعة، وبالتحديد الثلاثي المخطِّط للانقلاب، أنّ حزب الله سيفتح لها أبواب السلطة والنفوذ، إنْ لم يكن في النيابة والحكومة، فعلى صعيد البلديّات والإدارات العامّة التي قلّما كان لها حضور فيها. لكنّهم واهمون لأنّ المستفيد الأكبر هو الحزب نفسه الذي سيكسب منابر ومؤسّسات منتشرة في كلّ المناطق السنّيّة، لم تعرف الجماعة يوماً كيف تقرّشها رصيداً سياسياً، وهو بخبرته واحترافيّته سيحوّلها إلى سلاح فتّاك يخترق به الساحة السنّيّة لتدجينها ثمّ تفتيتها.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…