باسيل ينحني أمام برّي: ما رأيك بزياد بارود؟

مدة القراءة 5 د

ليس ما هو أصدق إنباء من الكاميرا على غرار بيت الشعر الشهير لأبي تمّام: “السيف أصدق إنباءً من الكتب”. إنّها الصورة التي ظهر فيها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في 17 تشرين الأول الماضي يتسلّم من رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل منحنياً ورقة الأفكار الرئاسية التي أعدّها “التيار” في ذلك الوقت. ما كان لهذه الصورة أن تأخذ طريقها إلى الاهتمام لولا جريدة “النهار” التي نشرت صورة اللقاء في اليوم التالي، وقالت إنّ الصورة قد وزّعها مكتب الرئيس برّي، وهو ما يعني أن لا علاقة لأيّ من مصوّري الصحيفة بها.

ما لم يُروَ عن قصّة الصورة المنشورة الشهر الماضي هو أنّ الرئيس برّي عندما كان يتصفّح الجريدة أبدى “استحسانه الشديد”، وفق تعبير أوساط نيابية التقت رئيس البرلمان. في موازاة ذلك، بدت أوساط قريبة من “التيار” مستاءة من الصورة، وتوقّعت في حينه أن يصدر عن مكتب رئيس المجلس بيان ينفي فيه علاقته بالصورة. لكن مرّ يوم 18 تشرين الأول الماضي وسائر الأيام التي تلته ولم يصدر بيان النفي هذا.

ما لم يُروَ عن قصّة الصورة المنشورة الشهر الماضي هو أنّ الرئيس برّي عندما كان يتصفّح الجريدة أبدى “استحسانه الشديد”، وفق تعبير أوساط نيابية التقت رئيس البرلمان

هل تستحقّ هذه الصورة وقصّتها مثل هذه الإطالة في بلد لديه الكثير من الصور والقصص التي تفوقها أهميّةً؟

هو كذلك، لكنّ التاريخ بين الرئاسة الثانية وبين “التيار الوطني الحر” حافل بالسجالات منذ عقود، بحسب أوساط قريبة من عين التينة، وخصوصاً بعدما جرى انتخاب مؤسّس “التيار” في نهاية تشرين الأول من عام 2016 رئيساً للجمهورية. وبالعودة إلى تلك الجلسة الشهيرة في ذلك اليوم، التي انتهت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، يتبيّن كم كان الودّ مفقوداً بين الرئيس برّي والمرشّح عون، وهذا ما تجلّى في تكرار احتساب أوراق الاقتراع، الأمر الذي أوحى أنّ الجلسة لن تنتهي بوصول عون إلى سدّة الرئاسة الأولى. في كتاب “ميشال عون.. ما به أؤمن” الصادر في بداية عهد الأخير ما يكفي للدلالة على الودّ المفقود بين برّي وعون. يروي العماد عون ما حدث في تلك الجلسة، فيقول: “كنت شديد الهدوء. أدركت على الفور أنّ هناك محاولة لتطيير النصاب بعد عدم مطابقة عدد المقترعين لعدد الأوراق أكثر من مرّة. طلبت من جميع نواب “التيار” الاحتفاظ بهدوئهم، وعدم الردّ على أيّ استفزاز. كنت واثقاً أن لا شيء يمكنه وقف القطار الذي انطلق”.

الزمن الآتي من 17 تشرين

قبل 6 أعوام، عُقدت جلسة كشفت عن الجفاء بين الرئاستين الأولى والثانية. ثمّ جاء زمن ذهب فيه الأصيل (الرئيس عون) إلى التقاعد وبدأ الوكيل (النائب باسيل) مهمّة حجز موقع لـ”التيار” في السلطة. وإذا كانت جلسة الاقتراع في 31 تشرين الأول عام 2016 دليلاً على ماضٍ رحل، فإنّ صورة عين التينة في 17 تشرين الأول الماضي دليل على زمن جارٍ ومقبل.

التاريخ بين الرئاسة الثانية وبين “التيار الوطني الحر” حافل بالسجالات منذ عقود، بحسب أوساط قريبة من عين التينة، وخصوصاً بعدما جرى انتخاب مؤسّس “التيار” في نهاية تشرين الأول من عام 2016 رئيساً للجمهورية

لا شكّ أنّ باسيل يعلم أنّ الزمن عندما كان عمّه والد زوجته في قصر بعبدا لم يعُد على حاله وقد أصبح عون متقاعداً في قصر الرابية. ويعلم أيضاً أنّ كلّ الدروب تؤدّي إلى مقرّ الرئاسة الثانية التي صارت ممسكة بزمام السلطة الوحيدة المكتملة الشرعية، أي البرلمان. عندما قرّر حمل “ورقة التيار للأولويّات الرئاسية” إلى الرئيس برّي الشهر الماضي اختار وفداً موسّعاً من نواب “التيار” لمرافقته كي يسبغ أهمية على زيارته التي لم يخصّ بها أحداً من المرجعيّات سوى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بل أوفد من يمثّله إلى سائر المرجعيّات لتسليمها “الورقة”، وهو ما دفع بعض هذه المرجعيّات إلى رفض استقبال موفدي باسيل. لم يكن خافياً أنّ وريث الزعامة العونية يتعامل بتعالٍ لا يعكس وزنه في الحياة السياسية.

ولمّا كانت عين التينة ولا تزال الممرّ الإلزامي للعبور إلى الاستحقاق الرئاسي، فقد أدرك رئيس “التيار” أن لا بدّ من العودة إليها. وفي المعلومات أنّ باسيل في إحدى زياراته الأخيرة لقطر “وسّط” جهة دبلوماسية وثيقة الصلة بالرئيس برّي كي تنظّم له لقاءً جديداً بين رئيس المجلس وبينه. ووفق هذه المعلومات، المعزّزة ببعض ما انتشر إعلامياً في الآونة الأخيرة، حمل معه باسيل لائحة بأسماء عدد من مرشّحي الرئاسة الأولى كي يقف عند رأي مضيفه فيها. وأضافت هذه المعلومات أنّ باسيل ركّز على اسم الوزير السابق زياد بارود. وهنا سأل باسيل الرئيس برّي: “ما رأيك في اعتماد بارود؟ فإذا كنت موافقاً عليه فبإمكاني أن أضمن موافقة البطريرك الراعي عليه، على أن تتولّى ضمان موافقة السيّد حسن نصرالله؟”. وبحسب هذه المعلومات، ردّ الرئيس برّي على زائره: “لماذا لا تقوم أنت بالسعي لدى السيد نصرالله ما دمت حليفاً له لكي تحصل على موافقته على ترشيح بارود؟”.

ما هو واضح في هذه المعلومات أنّ “الودّ المفقود” ما زال سائداً بين رئيس البرلمان وبين “التيار”. يقول وزير سابق يتمتّع بعلاقات طيّبة مع الرئيس برّي: “يحاول باسيل التشاطر في المكان الخطأ”. ويسأل: “ما دام باسيل يعلم أنّ زعيم تيار المردة سليمان فرنجية هو مرشّح الحزب ومرشّح الرئيس برّي أيضاً، فكيف يقوم بهذه المناورة التي لن تنطلي على عين التينة ولا على حارة حريك؟”.

إقرأ أيضاً: السيّد في الترسيم كالأسد في عاصفة الصحراء؟

بالعودة إلى صورة باسيل منحنياً أمام برّي، فإنّها تدلّ على أنّ وريث عون لن يكون أسعد حظّاً من رئيسه في العلاقة مع الرئيس برّي، وفي الوقت نفسه تكشف كم باسيل مستعدّ للانحناء كثيراً كي يصل إلى ما يصبو إليه ولو أنّه يطلب المستحيل!!

مواضيع ذات صلة

ثلاثة برامج للبنان بعد سقوط حكم “اتّفاق الدّوحة”

أسقطت الحرب الراهنة، من جملة ما أسقطت، حكم “اتّفاق الدوحة” الذي تشكّل بمفاعيل حرب تموز 2006، والموازين التي أرساها في المستوى الداخلي. لم يعد الحزب…

رئيس أميركا الجديد: حليف داود ويشوع.. والمقلاع

“وأعُدّ أضلاعي فيهرب من يدي بردى وتتركني ضفاف النيل مبتعدا وأبحثُ عن حدود أصابعي فأرى العواصَم كلّها زَبَدَا…”. كان محمود درويش يلجأ إلى الحلم عندما…

انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

واشنطن   أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته…

قراءة سياسيّة في أزمة النّزوح… التي ستطول

حرب عامي 2023 و2024 لا تشبه حرب عام 2006 في العديد من الأمور، ومنها الحكومة القائمة وقتها، والحماسة العربية والدولية للبنان، والحجم الأقلّ للحرب وخسائرها….