مصافحة المونديال.. السيسي وإردوغان وبينهما تميم

مدة القراءة 6 د

قبل شهر أعلن وزير الخارجية المصري توقُّف “المحادثات الاستكشافية” مع تركيا، وفشلت بذلك جولتان سابقتان من المباحثات ناقشتا العلاقات بين القاهرة وأنقرة، والوضع في ليبيا وسوريا وشرق المتوسّط. وقبل أيّام كانت المصافحة التاريخية بين الرئيس عبد الفتّاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، في مفاجأة تامّة للمراقبين.

 

لن أصالح

منذ الثورة المصرية 2013 وسقوط نظام “جماعة الإخوان المسلمين”، والرئيس التركي في حالة تقارب الانهيار. فلقد أصبح مسكوناً بالجماعة إلى الحدّ الذي أضرّ كثيراً بمصالح بلاده.

كان تقدير المعارضة التركيّة وبعض أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم أنّ إردوغان يقدّم الإخوان على المصلحة الوطنية، وأنّه مشغول أكثر ممّا ينبغي بتنظيمٍ داخل مصر لا يستحقّ كلّ هذا الاهتمام وكلّ هذه التضحيات.

كان إردوغان، الذي رفع “علامة رابعة*” أكثر من مرّة، يخصِّص جزءاً مهمّاً من خطبه السياسية، حتى تلك التي في المحافل والمنظّمات الدولية، للهجوم على النظام المصري والدفاع عن الجماعة، حتى إنّه في إحدى خطبه خارج تركيا خصَّص 40 دقيقة من خطابه الذي استغرق 50 دقيقة للهجوم على النظام المصري.

تطوّرت العلاقات المصرية القطرية في العام الأخير على نحو مفاجئ. فقد عيّنت القاهرة سفيراً فوق العادة لدى الدوحة

في الأعوام الممتدّة من 2013 إلى 2019 كان إردوغان يكرّر في كلّ مناسبة أن لا مصالحة مع النظام في مصر، ولا لقاء مع الرئيس السيسي مهما حدث. وفي حديثٍ له في شباط 2019 قال إردوغان للمحطّة التلفزيونية “سي إن إن تورك”: “جوابي لمن يسأل: لماذا لا تقابل السيسي؟ أنا لا أقابل شخصاً كهذا على الإطلاق”. بعد شهر واحد، وفي خطاب له في أنقرة، انتقد إردوغان حضور الدول الأوروبية إلى مصر من أجل المشاركة في المؤتمر العربي الأوروبي الذي عُقد في شرم الشيخ، وقال: “سعوا إلى الصلح بيني وبين السيسي. لن أتصالح مع السيسي أبداً”.

لم يقف الأمر عند التصريحات، بل قام إردوغان باستخدام حقّ الفيتو داخل حلف الناتو لمنع مصر من المشاركة في بعض الشراكات مع الحلف.

 

من المقاطعة إلى المونديال

حين كنتُ مستشاراً للرئيس السابق عدلي منصور فوجئنا في الرئاسة المصرية بأوّل رسالة تهنئة مكتوبة وصلت إلى الرئيس. كانت الرسالة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكان اللافت فيها تحيّة الجيش المصري بقيادة الفريق أول عبد الفتّاح السيسي، وخصّصت الرسالة فقرة كاملة للثناء على القوّات المسلّحة والقائد العامّ.

لم تكن الأمور بعد ذلك كما كانت في تلك الرسالة، إذْ سرعان ما وقفت قطر وإعلامها ضدّ الثورة والدولة في مصر، ولم يعد يشغل الدوحة في كلّ العالم سوى إعادة جماعة الإخوان إلى السلطة.

في عام 2014 سحبت مصر سفيرها لدى قطر، بعدما انتقدت قطر وضع القاهرة جماعة الإخوان على لائحة الإرهاب، وفي عام 2015 سحبت قطر سفيرها بعدما اتّهمها مندوب مصر لدى الجامعة العربية بأنّها تدعم الإرهاب.

في عام 2017 كانت ذروة الموقف العربي من السياسة القطرية، حين قامت مصر والسعودية والإمارات والبحرين بمقاطعة قطر، وهي المقاطعة التي استمرّت أربع سنوات حتى عودتها في “قمّة العلا” بالسعودية عام 2021. وبعد “قمّة العلا” مباشرة وصل وزير المالية القطري إلى القاهرة عبر الأجواء السعودية لافتتاح فندق سانت ريجينسي-القاهرة الذي تمتلكه شركة “ديار” القطرية. ولاحقاً انعقدت مباحثات مصرية قطرية حكومية رفيعة المستوى.

تطوّرت العلاقات المصرية القطرية في العام الأخير على نحو مفاجئ. فقد عيّنت القاهرة سفيراً فوق العادة لدى الدوحة، وفي شهر حزيران 2022 استقبل الرئيس السيسي الشيخ تميم في القاهرة، وبعد ثلاثة أشهر استقبل الشيخ تميم الرئيس السيسي في الدوحة، وقبل أيّام حضر السيسي الافتتاح القطري لمونديال 2022، حيث نجحت جهود الشيخ تميم في تحقيق المصافحة التاريخية.

تبدلّت تصريحات إردوغان تجاه السعودية والإمارات، من العداء التامّ إلى التصالح والتعاون من جديد، ثمّ تعدّلت لاحقاً المواقف التركية تجاه القاهرة

إردوغان يستدير 180 درجة

كانت العلاقات بين القاهرة والدوحة أسهل في عودتها من العلاقات بين القاهرة وأنقرة. لم يسبق للرئيس السيسي أو الشيخ تميم تبادل الهجوم في أيّ وقت. وهو ما يختلف عن الوضع مع إردوغان. فعلى الرغم من عدم ذكر الرئيس المصري لاسم الرئيس إردوغان في أيّة مناسبة، فإنّ الرئيس إردوغان استهدف الرئيس السيسي والنظام المصري منذ سقوط جماعة الإخوان.

استدار الرئيس إردوغان 180 درجة، وراح يغازل القاهرة في العامين الأخيريْن تمهيداً للمصالحة بين البلدين. في عام 2020 كانت البداية تجاه مصر والسعودية والإمارات، حين أدرك إردوغان أنّه لا يمكنه البقاء في عداء مع القاهرة أو الرياض أو أبوظبي بأيّ حال.

تبدلّت تصريحات إردوغان تجاه السعودية والإمارات، من العداء التامّ إلى التصالح والتعاون من جديد، ثمّ تعدّلت لاحقاً المواقف التركية تجاه القاهرة.

في صيف عام 2021 قال إردوغان: “مصر ليست دولة عاديّة بالنسبة إلى تركيا، ونأمل تعزيز العلاقات معها. لدينا إمكانات كثيرة للتعاون مع مصر في نطاق واسع من المجالات من شرق المتوسط إلى ليبيا”، ثمّ أضاف: “أعرف الشعب المصري جيّداً، وأكنّ له كلّ المحبّة”.

في صيف 2022 أعلن إردوغان أنّ “المباحثات مع مصر متواصلة عند المستوى الأدنى، وليس هناك ما يمنع من ارتقائها إلى المستوى الرفيع”. ثمّ في مناسبة لاحقة أشار إلى أنّ “الشعب المصري شعب شقيق، ولا يمكن أن يكون هناك خصام معه”.

الإخوان بعد المصافحة

عودة إردوغان هي عودة براغماتية أمْلتها المصلحة التركية، فالتضخّم وضعف الليرة والوضع في ليبيا وشرق المتوسّط استدعت تلك العودة. الميزان التجاري بين مصر وتركيا يتجاوز 5 مليارات دولار على الرغم من الخلاف، وهناك طموح تركي إلى تعزيزه. لكنّ الهدف التركي الأهمّ من العودة هو إعادة ترتيب أوراق أنقرة في شرق المتوسّط، بعدما خسرت كثيراً جرّاء خلافاتها مع مصر.

بعد “مصافحة المونديال” قال إردوغان لوسائل الإعلام: “مطلبنا الوحيد من مصر أن يقولوا لمن يتّخذ مواقف معادية ضدّنا في شرق المتوسّط إنّنا نريد إرساء السلام في المنطقة”.

أصبحت جماعة الإخوان في تركيا في وضع أصعب. ففي أعقاب المصافحة قامت بتغيير أسماء منظّماتها وجمعيّاتها، فغيّرت الجماعة أسماء “جمعيّة رابعة” و”برلمانيون ضدّ الانقلاب” و”طلاب ضدّ الانقلاب”، وراح بعضهم يخطّط للانشقاق عن جماعة إخوان إسطنبول والفرار إلى إخوان لندن، وهذه قصّة أخرى.

إقرأ أيضاً: تحرّك السيسي خليجيّاً أنقذ مصر من كارثة!

 

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

 

*علامة رابعة هو شعار تمت تسميته نسبة إلى ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، استعمله مؤيدو الرئيس المصري محمد مرسي للإطاحة به، وظهر بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في آب 2013، لهذا سمي باسم رابعة. وهو عبارة عن يد مفتوحة ما عدا الإبهام، وترسم تلك اليد بلون أسود على أرضية صفراء.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Almoslemani@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…