نحن أمام عرب وعرب!
عرب يعيشون ويمارسون مكانة فوائض قوّة المداخيل، وعرب تحت مطرقة ضغوط لا قِبل لهم بها لتأمين الحدّ الأدنى من الاحتياجات.
عام 2023 هو عام كاشف للقوّة من ناحية كيفيّة استخدامها بالشكل الواعي الأمثل، وكاشف لقدرة الآخرين على مقاومة سيف الاحتياجات المُصلَت على رقاب البعض.
في البدء كان النفط، ومازال وسوف يستمرّ لمدّة تراوح بين 30 و50 عاماً مقبلةً، وسيكون عنصر قوّة لمن ينتج ويبيع، وعنصر ضغط وحاجة لمن لا ينتجه ويستورده.
أربعُ دولٍ علينا أن نراقب بعيون خاصة وعقول واعية ما هي بصدده من استخدام فوائض ومداخيل الطاقة لديها: السعودية، الإمارات، وقطر في إنتاج النفط، والجزائر وقطر في إنتاج الغاز.
السعودية هي المنتج الأكبر، واللاعب المؤثّر في احتياطي النفط، والإمارات هي شريك استراتيجي وفعّال في “أوبك بلاس” وصاحبة أوّل مبادرة عالمية وعمليّة في الاهتمام والبحث وإنتاج الطاقة النظيفة.
أربعُ دولٍ علينا أن نراقب بعيون خاصة وعقول واعية ما هي بصدده من استخدام فوائض ومداخيل الطاقة لديها
أمّا قطر فهي صاحبة فوائض كبرى مقارنة بتعداد سكانها، والدولة الثالثة في الترتيب بعد روسيا وإيران من حيث احتياطات الغاز. وما يتسنّى لها من أهمية استثنائية راهناً بلوغ انتاجها مداه الأقصى، لكن على الرغم من ذلك لا يُعوّض عن النقص العالمي.
أمّا الجزائر، فقد أصبحت محطّ اهتمام إيطاليا وفرنسا وألمانيا لأنّها مصدر رئيسي يُعتمد عليه في إنتاج الغاز، وهو ما يرفع من مكانتها في هذا المجال.
الذي يميّز السعودية والإمارات صفات أربع رئيسية:
1- نوعية الإنتاج.
2- حجم الإنتاج.
3- التعامل مع النفط بصفته سلعة استراتيجية تخضع أوّلاً لمعيار تقنيّ في حجم الإنتاج ومعيار التسعير.
4- إنّهما لا تستخدمان البترول بشكل مسيّس يخضع للعقاب السياسي أو الرشوة السياسية، بل تلجآن دائماً إلى تطبيق آليّات العرض والطلب للحفاظ على العلاقة بين المنتجين والمستهلكين بشكل متوازن وعادل.
من هنا يمكن وصف أبوظبي والرياض بأنّهما تمارسان دورهما في “أوبك بلاس” باحتراف، ومن دون تسييس، وبشكل مسؤول جدّاً يمكن الاعتماد عليه في خدمة الاقتصاد العالمي مع الحفاظ بالطبع على مصالحهما الوطنية على أساس أنّ مبيعات النفط مازالت حتى الآن هي المكوّن الرئيسي للدخل القومي لبلادهما.
تتحرّك السعودية الآن بقوّة شرقاً مؤسِّسةً علاقة استراتيجية كانت قد قامت حين باعتها الصين صواريخ “سيلك ورم” بدلاً من الصواريخ الأميركية التي عطّلت صفقتها إجراءات الحصول على أغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي.
تتّجه الرياض الآن عبر تحرّكات جريئة ونشطة نحو سياسة متوازنة تعدّدية لا تقوم على الأحادية المُرتكزة على الغرب بقيادة واشنطن.
لذلك علينا رصد الآتي:
1- إعلان رئيس جنوب إفريقيا رئيس مجموعة “البريكس” (الصين، الهند، روسيا، البرازيل، وجنوب إفريقيا) تلقّي طلب رسمي من وليّ العهد السعودي لانضمام المملكة إلى هذه المجموعة.
2- اتفاقات جدّية مفاجئة للمملكة مع الهند، باكستان، إندونيسيا، وتايلاند، لكنّ أهمّها مع كوريا الجنوبية.
3- بدأت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين سيئول والرياض منذ أكثر من نصف قرن كانت خلالها العاصمة السعودية المصدر الأساسي للطاقة الكوريّة، وكانت كوريا الجنوبية أكبر المقاولين في بناء السعودية الحديثة، وحلّت البضائع وشركات الخدمات الكورية في الصدارة في الميزان التجاري السعودي. والآن قرّرت السعودية استثمار 7 مليارات دولار في تقوية ودعم أكبر مصافي التكرير في كوريا الجنوبية.
وصف الرئيس الكوري الجنوبي “زيارة” الأمير محمد بن سلمان الأخيرة بأنّها تاريخية واستراتيجيّة لبناء وتدعيم الاقتصاد الكوري.
بالمقابل استطاع الشيخ محمد بن زايد بمهارة شديدة أن ينجز اتفاقاً استراتيجياً مع الإدارة الأميركية بقيمة مئة مليار دولار يوفّر الطاقة النظيفة البديلة داخل الولايات المتحدة وفي أكثر من 70 دولة في العالم.
كان الشيخ زايد، رحمه الله، على المستوى الشخصي والإنساني، يكره استنشاق الانبعاثات الضارّة الناتجة عن حرق الغاز، ويرفض أيّ اقتراحات لزيادة المبيعات والدخل من البترول إذا كان ذلك يعني تلويث البيئة.
كان الشيخ زايد بالفطرة ثمّ بالتجارب العمليّة أوّل داعية عربي سابق لزمانه في شؤون البيئة.
بدأت مبادرات الإمارات في الطاقة النظيفة منذ عام 1972، واستُهلَّت بتدعيم هذه الأبحاث والمشروعات من خلال شركة “إدنوك” والعمل الضخم في أبحاث الهيدروجين الأخضر والأحمر وآخرها مشروع “مصدر”.
إنّ علاقات الإمارات بالصين والهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا تاريخية وبدأت مع الاعتماد على العمالة الآسيوية في بناء الدولة الحديثة وفي التبادل التجاري.
إنّ مبيعات النفط والغاز الإماراتية “أيسر” بسبب الموقع الجغرافي البحري الذي يساعد على التصدير إلى آسيا، ومباشرةً إلى أوروبا عبر حركة التفاف طويلة تزيد من تكاليف النقل فترفع من كلفة سعر البرميل.
يذكر التاريخ أنّ أوّل شحنة من الطاقة النظيفة وصلت إلى اليابان في السبعينيات وكانت من دولة الإمارات العربية المُتحدة التي تلبّي 25 في المئة من الاحتياجات اليابانية من الطاقة.
أمن الخليج وسلامته يهمّان دول الشرق الأقصى بالدرجة الأولى لأنّ أكثر من ثلثَيْ واردات النفط والغاز تصلها عبر مضيق هرمز.
بالمقابل تسعى الولايات المتحدة إلى تدعيم المخزون الاستراتيجي لديها وتوسعة مشروعات التكرير والتنقية محليّاً بمساهمة رئيسية من السعودية والإمارات لم تحظَ بالإشادة التي تستحقّها.
أربع متغيّرات استراتيجية لا بدّ من رصدها من الآن إلى المستقبل القريب بالنسبة لعلاقة الرياض وأبوظبي بالعالم:
1- عدم قصر الاعتماد في التجارة والخدمات والتسليح على الغرب وحده وعلى واشنطن وحدها.
2- تدعيم الجسور مع الشرق الصاعد الذي يقوده العملاق الصيني.
3- الدخول في تحالفات تجارية واقتصادية ذات صفة متوازنة ومستقلة.
4- الأهم من ذلك كله أنّ قيمة الدول المنتجة للنفط والغاز هي أنّها دول منتجة للطاقة بالمعنى الكليّ (تقليدية- ونظيفة) وطاقة أحفورية وأخرى بديلة (طاقة هواء، مياه، كهرباء، شمسية، هيدروجين)
إقرأ أيضاً: كيف يدير بن زايد علاقاته مع موسكو وواشنطن؟
مُنتج النفط -الآن- عليه أربع التزامات:
1- توفير الطاقة
2- حسن تسعير الطاقة
3- عدم تسييس قرار الكميات والسعر
4- والأهم التحوّل من منتج برميل نفط أو أنبوب غاز إلى مبادر وموفر لطاقة نظيفة بديلة.
وهنا تكمن قوّة أبوظبي، والرياض الصاعدة اليوم وغداً.
كلمة السرّ للمستقبل هي: .Renewable energy
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@