بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون ومغادرته قصر بعبدا، عاد إلى التداول الحديثُ عن مرحلة ما بعد عون الرئيس. أسئلة كثيرة تدور في خاطر شطر كبير من الناس في الشارع السنّيّ اللبناني الذي انتمي إليه. لذا أودّ أن أتوجّه إلى الرئيس السابق ميشال عون والقاعدة العونية بهذه الرسالة:
انكفاء الدور السني
لماذا تفترضون أنّ السُنّة يريدون إلغاءكم؟ ولماذا تستمرون بابتداع مشاكل مع المكوّن السنّيّ اللبناني؟ هل هي مسألة مزاجية أم تعود إلى جذور وإشكاليات أبعد من ذلك؟
في بدايات عون أو “الضابط ميشال عون”، وحسب مؤرّخي تلك المرحلة، كان الجنرال ضمن فريق الرئيس الراحل بشير الجميّل، وكان لقبه أو اسمه الحركي “رعد”، إبّان المعارك والحروب اللبنانية ضدّ شطر كبير من المكوّن المسلم الداعم للفلسطينيين الذين كان يحلو للبعض تسميتهم “جيش السُنّة”. لكن تلك الحقبة طُويت من تاريخ لبنان باجتياح إسرائيل لبنان صيف 1982، وبدأنا بعدها نلاحظ انكفاء الدور”السنّيّ” السياسي والعسكري، وتُوِّج بالقضاء على التنظيم المسلّح لـ”حركة الناصريين المستقلّين – المرابطون”، ثمّ على الحركات العروبية والإسلامية في طرابلس.
نعم أيّها الرئيس السابق ميشال عون لقد دفع مفتينا حياته ثمناً لحربك العبثية غير المدروسة ضدّ النظام السوري
حروب تحررية مزعومة
بعد ذلك تمّ تعيينك حضرة الجنرال رئيس حكومة عسكرية انتقالية، وكانت مواجهتك الأولى مع رئيس مجلس الوزراء حينذاك، الدكتور سليم الحص. وهنا نريد أن نذكّرك: كيف تنسى أنّ المفتي الشهيد حسن خالد وقف في وجه خصمك، أي النظام السوري الذي قتله. ففي أحد الأيام أدلى سفير الكويت أحمد الجاسم بتصريح على باب دار الفتوى قال فيه إنّ مصدر القصف على بيروت الغربية هو مرابض القوات السورية التي كانت متمركزة في الشطر الغربي من مدينة بيروت. وقد فُهِم هذا الكلام أنّه تحريض من المفتي حسن خالد، فاغتيل بعد ذلك بأيام، على الرغم من كونه المرجع الأعلى للطائفة السنّية.
نعم أيّها الرئيس السابق ميشال عون لقد دفع مفتينا حياته ثمناً لحربك العبثية غير المدروسة ضدّ النظام السوري. وعليك أيضاً ألا تنسى أنّ مئات الجنود السُّنّة غادروا في تلك البحقبة المراكز العسكرية للجيش اللبناني التي كانت تقع في مناطق النفوذ السوري، خاصة في الشمال، للقتال إلى جانبك في حربك التحريرية المزعومة ضد سوريا الأسد.
طوى اتفاق الطائف تلك المرحلة. وعارضتْ أنت ذاك الاتفاق الذي كان نتيجة مساهمة أساسية من شخصية سنّية تبوّأت في ما بعد كرسي الزعامة السنّيّة: رفيق الحريري، الشهيد الراحل.
لم تشرح لنا حتى اليوم لماذا عارضت وتعارض هذا الاتفاق. هل يكمن السبب الحقيقي في أنّ القيّمين عليه لم يزكّوك لرئاسة الجمهورية؟! أنا شخصيّاً لدي الكثير من الملاحظات على اتفاق الطائف. لكن أودّ التحفّظ عن ذكرها لأنّها ليست موضوعنا الأساسي في هذه الرسالة.
جنبلاط الخطأ الكبير
بعد غيابك الطويل، وتحديداً في عام 2005، عدتم من منفاكم في “الهوت ميزون” في فرنسا يا حضرة الجنرال، واستقبلتكم الجموع من الأطياف اللبنانية…
هنا أريد أن أغتنم الفرصة للقول إنني لا أحمّلكم كامل المسؤولية عن ما حدث للبنان بعد عودتكم. زعماء سياسيون كثيرون ارتكبوا أخطاء كثيرة. بداية من وريث زعامة السُنّة، سعد الحريري، الذي وقع تحت سيطرة زعيم الدروز وليد جنبلاط. ويعود السبب الرئيسي إلى أنّ وليد جنبلاط هو من هندس الحلف الرباعي الذي أدّى إلى حصولك على 70 في المئة من أصوات المسيحيين في انتخابات عام 2005 النيابية. وأنت استعملت إنشاء التحالف الرباعي حجّةً لترتمي وتيّاركم في أحضان حزب الله، المتّهم الرئيسي باغتيال زعيم السنّة رفيق الحريري.
ثم إن وليد جنبلاط هو الذي أعلن في مقابلة تلفزيونية انتصار أمين عام حزب الله حسن نصر الله في حرب تموز 2006 الشعواء التي لم يُحسم في الواقع من كان الرابح فيها ومن كان الخاسر. وجنبلاط هو مسبب معركة 7 أيار 2008 التي مهّدت لهزيمة ثانية للسُنّة، ولاتفاق رديء عُرف باتفاق الدوحة.
من المؤسف اليوم يافخامة الرئيس أن تستعيد وعونييك نغمة تصوير المكوّن السنّيّ الذي بدأ يتبرأ من زعامته، كأنّه عدوّ ليس فقط لك وتيّارك، بل للمسيحيين جميعاً
سعد والصهر المدلل
أعود إلى معضلتك ومشكلتك ياخضرة الجنرال مع السُّنّة. لم تدع فرصة إلا واستغللتها للتحريض على المكوّن المكوّن السنّي. ابتدعت المعارك الوهمية، تارة بحجّة حقوق المسيحيين، وطوراً بافتعالك حلف الأقليّات، إلى أن انتُخبت رئيساً للجمهورية اللبنانية بقبول سنّيّ لبناني وبموافقة سنّيّة إقليمية.
وتطوّر الأمر إلى نسج تحالفات بين سعد الحريري ومقرّبين منه وبين صهرك المدلّل جبران باسيل. في تلك المرحلة تدهورت العلاقة بين الحريري والمملكة العربية السعودية، فاحتجزته حسبما ذكر البعض. وتدخّلت يافخامة الرئيس آنذاك لاستيضاح الأمر. ثمّ عاد الحريري إلى لبنان بمساهمة فرنسية. وعادت المناكفات والخلافات بينك وبينه تبرز إلى الواجهة وتستفحل، حتى انفجرت ساخنة بعد انتفاضة 17 تشرين 2019 لأسباب شخصية.
من المؤسف اليوم يافخامة الرئيس أن تستعيد وعونييك نغمة تصوير المكوّن السنّيّ الذي بدأ يتبرأ من زعامته، كأنّه عدوّ ليس فقط لك وتيّارك، بل للمسيحيين جميعاً.
غادر الحريري المشهد السياسي، واستمرّ خلافك مع من يرأس الموقع السياسي السنّي الأوّل. وانتهت ولايتك وخرجت من قصر بعبدا، وعادت تبزغ خلافاتك مع السُنّة!
نسيان رجل المكر
بالله عليك، لماذا تصّر على تصوير السُنّة وكأنّهم أعداء المسيحيين؟! وها أنا أطالب الفاعليات والمرجعيات السنّية بعدم السماح لك بإعادة تحويل هذا المكوّن المؤسّس للميثاق عدوّاً وهميّاً للمسيحيين. وأطالب القيّمين على الشارع السنّي بعدم الردّ عليك وتجاهل تهجّماتك وافتراءاتك على مكوّن رئيسي في هذا البلد. بل أدعو هذه المرجعيات إلى أن تبدأ من جديد، مع من يريد من المسيحيين والشيعة والدروز، العمل على بناء لبنان الجديد. لبنان العدالة والمساواة. لبنان التعدّدية.
وهذا كي يصبح عهدك الرئاسي في خانة الذكرى، لئلا يؤدي التركيز عليه وعليك إلى نكء الجراح، وبعث عداوة وهمية ابتدعتها وجماعتك التي جعلت شغلها الشاغل العمل على شدّ العصب المسيحي بهدف تجميع الناس من حولك. أنت من احترفت حرف الأنظار بلعبة لا تتقن سواها أسلوباً ماكراً لتحقيق المكاسب وخدمة لمصالحك.
إقرأ أيضاً: كلّهم كانوا ضدّه… وخطران اليوم عليه
لذا أعلمك أخيرًا يا فخامة الرئيس أنني أدعو المكوّن السنّيّ إلى المضيّ قدماً في العمل الإيجابي، وعدم التلهّي بصغائر الأمور. ليكون الجهد الأكبر منصبّاً على الخلاص من كلّ الآفات السيّئة والتطلّع إلى بناء غد مزدهر. غد يسوده الاستقرار والبحبوحة، وأن نساهم جميعنا في كتابة مرحلة جديدة لوطننا لبنان.