يُتوقَّع أن يكون لرئيس مجلس النواب نبيه بري كلمة حاسمة، كما تقول أوساطه، في الجلسة الرئاسية السادسة، يردّ فيها على “مثيري شغب” نصاب الأكثرية عبر تجاوز قاعدة الثلثين الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية، إضافة إلى مسألة جواز تشريع مجلس النواب في ظلّ الشغور الرئاسي، وذلك بعد تدحرج كرة الاعتراض من جانب قوى المعارضة والتغيير.
لكنّ أيّاً من هذه التفاصيل الشكليّة لا تجد لها مكاناً في عمق أزمة الرئاسة التي تنتظر توافقاً خارجياً، قد يطول، لينسحب تقارباً داخلياً يمهّد لدخول “خليفة” ميشال عون إلى قصر بعبدا.
وبالحديث عن التفاصيل الشكليّة لا يُصرَف “تمنّي” رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أن يُنتخب سليمان فرنجية في أيّ سوق رئاسي، وهو لا يشكّل أكثر من زكزكةٍ لجبران باسيل وتودّدٍ لحزب الله.
مصدر مطّلع لـ “أساس”: على الرغم من الحديث المتكرّر عن مساعٍ فرنسية إلى إنهاء الشغور الرئاسي والترويج لمقايضة بين رئاستَيْ الجمهورية والحكومة، فإنّ الأمور لم تتعدَّ حتى الآن إطار جسّ النبض ووضع سيناريوهات افتراضية
يقول متابعون في هذا السياق: “ربّما بات ميقاتي يعلم أن لا مكان له حكوميّاً في مرحلة ما بعد الشغور الرئاسي، وحزب الله تحديداً ليس بوارد التعاون معه مجدّداً، بعدما كان أصلاً ضدّ تقديم سعد الحريري وحسان دياب استقالتهما، ثمّ تقبّل بواقعية سياسية تعيين ميقاتي مجدّداً رئيساً للحكومة بضغط من نبيه برّي”.
في هذا السياق بدا لافتاً حديث قناة “المنار”، ربطاً بمسألة تعثّر وصول الفيول الإيراني إلى لبنان، عن “المصابين بمتلازمة استوكهولم الذين لا يزالون يرفضون الهِبة الإيرانية ويبحثون في قواميس دساتيرهم عن تشريعات وفي خزناتهم المُفلِسة عن السبيل إلى بعض الدولارات لتوفير 10 ساعات كهربائية يوميّاً هي متوافرة بلا تعب من الهِبة الإيرانية”.
التواصل الفرنسي ـ السعودي
من هنا لم تبدأ التمنّيات الداخلية ولا حراك مجلس النواب ولا مداولات الكواليس ولا مشاورات الخارج شقّ الطريق فعليّاً نحو الحلّ الرئاسي-الحكومي. حتى الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لم تكن مصادر مطّلعة قد أخرجته حتى يوم أمس عن إطار التنسيق المشترك قبل انعقاد قمّة العشرين في أندونيسيا، والتعويض عن لقاء قد لا يحصل بين الطرفين في بالي، فيما التشاور الثنائي لا يزال يطغى عليه المنحى الإنساني من خلال الصندوق الفرنسي-السعودي الذي دخل حيّز التنفيذ في تموز الماضي، مع العلم أنّ بيان الرئاسة الفرنسية أشار إلى ربط الحديث عن انتخاب رئيس للبنان ببرنامج الإصلاحات الهيكلية الضرورية للنهوض في لبنان.
واقع الحال أنّ بعض سفراء دول مقرِّرة ومؤثّرة على الملفّ اللبناني يطرحون أسئلة “استطلاعية وتوضيحية” أمام شخصيّات وقيادات لبنانية أكثر ممّا يقدّمون خارطة طريق أو مقاربات جدّيّة لمعضلة الرئاسة. يَحدث ذلك فيما لا تلوح مؤشّرات جدّيّة إلى نتائج المسعى الفرنسي الذي قد يحرّك، برأي البعض، المياه الرئاسية الراكدة.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “على الرغم من الحديث المتكرّر عن مساعٍ فرنسية إلى إنهاء الشغور الرئاسي والترويج لمقايضة بين رئاستَيْ الجمهورية والحكومة، فإنّ الأمور لم تتعدَّ حتى الآن إطار جسّ النبض ووضع سيناريوهات افتراضية، خصوصاً أنّ الموقف السعودي لا يزال هو الأساس في كلّ الحراك الفرنسي، والرياض بالمقابل لا تزال واقفة عند عتبة بيان نيويورك الثلاثي والدعم “المرحلي” لميشال معوّض لعلمها أنّ انتخابه رئيساً يقارب الاستحالة السياسية”.
يُشكّل إظهار فرنجية مرشّحاً “خاص ناص” لحزب الله مصلحةً مشتركةً لكلّ من باسيل وقائد الجيش معاً، وهذا وحده كفيل، برأي متابعين، باستبعاد فرنجية من أيّ تسوية محتملة قد توصل مرشّحاً توافقياً إلى سدّة الرئاسة الأولى
في سياق البورصة الرئاسية داخلياً يُسجّل الحرص الزائد من جانب النائب باسيل على فَصل “جهاده” الرئاسي عن مسار حزب الله الرئاسي، والدليل مناخات القريبين منه وإعلامه اللصيق به الذي يُميّز بين سقف حزب الله الساعي إلى مرشّح من “ضلع” المقاومة ولا يطعنها بالظهر مقدِّماً سليمان فرنجية على جميع المرشّحين، وبين مرشّح قوى التغيير والمعارضة الثابت حتى الآن على ميشال معوّض، وكذلك بين الورقة الرئاسية التي يروّج لها باسيل وتقطع الطريق، بعد تقريشها، على فرنجية وقائد الجيش ومعوّض وأيّ مرشّح من داخل تكتّل باسيل النيابي.
وكما يبدو، يُشكّل إظهار فرنجية مرشّحاً “خاص ناص” لحزب الله مصلحةً مشتركةً لكلّ من باسيل وقائد الجيش معاً، وهذا وحده كفيل، برأي متابعين، باستبعاد فرنجية من أيّ تسوية محتملة قد توصل مرشّحاً توافقياً إلى سدّة الرئاسة الأولى.
مآخذ على فرنجية
في السياق نفسه، يأخذ راصدو فرنجية عليه التزامه الكامل بأجندة الحزب. فعلى الرغم من تصدّره الصفوف الأولى في المؤتمر الـ 33 لاتفاق الطائف برعاية السفير السعودي وليد البخاري، دعا فرنجية صراحة عام 2006، بعد لقائه البطريرك الراحل نصرالله صفير، إلى “تغيير الطائف”، معتبراً أنّ “الظرف حان للوصول إلى الجمهورية الثالثة، لأنّ الظروف التي أتت به تغيّرت، ولأنّ الطائف لم يكرّس المشاركة فعليّاً”، قائلاً بالحرف الواحد “صلاحيّات رئاسة الجمهورية المارونية لم تعد تفي بطموح المسيحيين والموارنة، ونحن نريد مشاركة حقيقية”.
إقرأ أيضاً: سباق الحوارات: الراعي يحاور المجتمع الدولي..
يقول هؤلاء: “موقف فرنجية يومها، بعد نهاية حرب تموز 2006، أتى ضمن إطار استثمار هذه اللحظة السياسية وتفرُّد محور الممانعة بالحلّ وفرض الشروط. وفي هذه المرحلة تحديداً تحدّث هذا الفريق عن مؤتمر تأسيسي وعقد اجتماعي جديد، وتردّد كلام عن فتح نقاش في المثالثة بين باريس وطهران. في هذا السياق عبّر فرنجية عن موقفه وموقف حزب الله. وحين عادت موازين القوى اليوم إلى حدّ معين من التكافؤ عاد الحديث إلى التمسّك بالطائف”.