من عادات اللبنانيين الشائعة إلقاء بعض الصفات على بعض البلدان. كأن نسمّي فرنسا “الأمّ الحنون”، هي التي انتُدِبَتْ لحكم لبنان، كاحتلال مقنّع وذي شرعية أممية، لأكثر من 25 عاماً. واصطلحنا على تسمية سوريا بـ”الشقيقة”. هي التي احتلّت بلادنا وروّعتنا أكثر من 27 عاماً، تحت حكم “نظام الأسد”.
هذه الشقيقة رفضت استقبال وفد الرئيس ميشال عون، برئاسة النائب الياس بوصعب، للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية، بعد إنجاز الاتفاق نفسه مع إسرائيل. على الرغم من أنّ عون “حجّ” إلى سوريا، في الطريق التي أوصلته إلى بعبدا، وحالف الأسد، ولم يسأله عن مئات المعتقلين اللبنانيين، من جنوده ومناصريه، في سجون الأسد وأقبية تعذيبه.
اتصل عون بالرئيس السوري بشار الأسد، وأعلن من بعبد موعد زيارة الوفد اللبناني برئاسة بو صعب إلى دمشق للبدء بالمفاوضات “الأكثر سهولة”. لكن قرّر الأسد إلغاء الزيارة وسحب يده من التفاوض المزعوم إلى “موعد يُحدَّد فيما بعد”. وذلك على طريقة “الزمان والمكان المناسبين”.
تشترط دمشق على بيروت لترسيم الحدود البحرية الشمالية أن تنال من لبنان أكثر ممّا نالته تل أبيب منه
فما هي الأسباب السورية؟
– كما لم يكن لبنان حرّاً في التفاوض مع إسرائيل، وكان عليه الانصياع لكلمة السرّ الآتية من طهران والعمل بموجبها في تسريع الخطوات أو إبطائها، كذلك كانت دمشق التي يجب عليها أخذ نوايا موسكو بعين الاعتبار، وتوقيت خطواتها على إيقاع الكرملين لا على إيقاع ميشال عون وفريقه ورغبتهما بالتفاوض والـ”Deadline” المرتبط بانتهاء ولاية عون نهاية الشهر الماضي، وهو لا يعني سوريا في شيء.
– تعتبر موسكو أنّ إيران نالت حصّتها من الثروة الباطنية، ونالت موطئ قدم في شرقيّ المتوسّط من جرّاء انسحاب الشركة الروسية نوفوتيك من كونسورتيوم الشركات المنقّبة عن النفط والغاز، وحلول الدوحة حليفة طهران مكان الشركة الروسية، وضمانها مصالح إيران وحزب الله في الثروة البحرية اللبنانية.
– توزيع المغانم في ثروة لبنان النفطية دفع روسيا إلى إبعاد طهران عن الحصول على أيّ امتياز إضافي مقابل الشاطئ السوري، ولا سيّما أنّ إيران نالت بعض المشاريع في البرّ السوري، وخاصة في صناعة التعدين والبتروكيميائيات وغيرها.
“الدور التركي” بدل الإيراني
– لا ترغب موسكو بإجراء ترسيم بحريّ بين سوريا ولبنان بحيث لا تتأثّر علاقتها بتركيا التي تعترض على كامل الترسيم في شرقي البحر المتوسط، سواء مع اليونان أو قبرص أو مصر أو ليبيا أو إسرائيل، وأخيراً أدرجت لبنان في القائمة الاعتراضية. فما زالت موسكو تحافظ على دور تركي، سواء في شمالي سوريا أو في شمالي العراق، وعلى آخر وسيط في أوكرانيا، وثالث في مراقبة اتفاق تصدير الحبوب مع الأمم المتحدة، ورابع مستجدّ ومتزايد في تحويل الغاز الروسي إلى تركيا لبيعه في أوروبا على أن تكون تركيا الوسيط في هذه العملية من جرّاء العقوبات الغربية، بعدما كانت كازاخستان قد سبقتها إلى ضخّ الغاز عبر تركيا إلى أوروبا منتزعة من موسكو احتكارها لسوق الغاز في القارّة العجوز.
تفرض سوريا شروطاً سياسية، فهي تتطلّع إلى تقوية مرشّحها لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية. وتريد في حال انتخابه إهداء الترسيم لـ”فخامته” لا أن تكلّل عهد ميشال عون المنقضي بهذا الإنجاز
– تشترط دمشق على بيروت لترسيم الحدود البحرية الشمالية أن تنال من لبنان أكثر ممّا نالته تل أبيب منه. فأطماع سوريا في المنطقة الاقتصادية الخالصة تصل إلى المياه المقابلة لجنوبي مدينة طرابلس اللبنانية وتمسّ البلوكين 1 و2 اللذين حدّدهما لبنان. وبكلّ صراحة تنوي دمشق ترسيم الحدود البحرية بناء على مفاعيل جزيرة أرواد وما يجاورها من جزر، فيما رفض لبنان اعتماد تل أبيب جزيرة تخليت في ترسيم الحدود.
– إضافة إلى ذلك تفرض سوريا شروطاً سياسية، فهي تتطلّع إلى تقوية مرشّحها لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية. وتريد في حال انتخابه إهداء الترسيم لـ”فخامته” لا أن تكلّل عهد ميشال عون المنقضي بهذا الإنجاز، فقد تجاوز هذا العهد السنوات الستّ وهو يحرجها “لفظياً” من خلال طلب إعادة المهجّرين إلى ربوع سوريا.
إقرأ أيضاً: الترسيم مع سوريا… أصعب من إسرائيل
– تستعمل سوريا ورقة ترسيم الحدود لابتزاز أيّ حكومة عتيدة ستتشكّل في لبنان بعد انتخاب رئيس الجمهورية المقبل.
مع كلّ ما سبّبه نظام الأسد للبنانيين من مجازر ومآسٍ وويلات، كم كان موهوماً من ظنّ أن الترسيم معها “أسهل”.
*كاتب لبناني مقيم في دبي
لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@