من بين قادة العالم يحضر الرئيس الأميركي جو بايدن ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قمة المناخ العالمي (بدأت في 6 الجاري وتستمرّ حتى 18 منه) في شرم الشيخ المصرية. وفيما يبحث المؤتمر مسائل تتعلّق بالغازات الدفيئة ورفعها حرارة الأرض، وأثرها على اقتصادات الدول وتسبُّبها بالفيضانات والتصحّر والهجرة وانتشار الأمراض والأوبئة، يبحث أيضاً العلاقات الدولية التي تنعكس بتفاصيلها على سلسلة الإمدادات بالسلع والبضائع وتوتّر العلاقات الجيوسياسية.
هل يزول الفتور؟
إلى جانب البُعد البيئي للمؤتمر، يسيطر على القمم الجانبية التي تُعقَد خلاله الطابعان السياسي والاقتصادي.
في هذا السياق يردّد الإعلام الأميركي الحديث أخباراً عن احتمال لقاء بايدن بالأمير محمد بن سلمان مطوّلاً، على هامش اجتماعات المؤتمر، للتباحث في مواضيع عدّة تتعلّق بأسعار النفط والغاز، وكيفيّة تأمين سلاسل الإمداد في العالم، ودور كلّ من واشنطن والرياض في إرساء الاستقرار والتوازن في المجالات كافّة.
كان بايدن قد بدأ ولايته بفتور علاقة البيت الأبيض بالسعودية ووليّ عهدها. لكن بايدن زار السعودية قبل أشهر. ويُستخلص اليوم من نبض الإعلام الأميركي أن اللقاء الثنائي بين الرئيس الأميركي والأمير السعودي يرجّح حصوله على هامش المؤتمر.
مع انقضاء الانتخابات الأميركية النصفية، من الطبيعي أن يتخلّى بايدن عن الطروحات غير البراغماتيّة التي فرضتها ضرورات الحملة الانتخابية
من الطبيعي في هذا اللقاء أن تعرض المملكة وجهة نظرها، ولا سيّما أنّ مساهمتها في اجتماعات منظّمتَيْ “OPEC” و”OPEC +” أدّت إلى الاستقرار والتوازن في أسواق النفط العالمية والحدّ من الانخفاض الحادّ في الأسعار التي تهاوت غداة الحرب الروسية على أوكرانيا. وهذا ما شكّل خطراً داهماً على الاقتصاد العالمي عامة، وعلى اقتصادات الدول المنتجة خاصة. ولو حصل ما أراده الأميركيون لكان هدّد توزيع الإنتاج العالمي من السلع والموادّ الخام وأصاب سلاسل الإمداد بالشلل وأوقف برامج الدول الاستثمارية في مجالات الطاقة البديلة التي تحدّ من حرارة الأرض. وهذه من صلب ملفات المؤتمر.
عالم مأزوم
لا شكّ أنّ بايدن قد سمع بتعرّض سلاسل إمداد الغذاء للاضطراب من جرّاء إغلاق المرافئ الأوكرانية، وتدنّي تصدير الرقائق الإلكترونية من الصين وتايوان، واضطرار الإدارة الأميركية والكونغرس إلى إقرار استثمار 50 مليار دولار لتشجيع إنتاج الرقائق على الأراضي الأميركية وعدم الاعتماد على استيرادها من الخارج. هذا فضلاً عن احتكار روسيا سوق الغاز في القارّة الأوروبية والتسبّب في أزمة طاقة على مشارف فصل الشتاء، إضافة إلى أزمة الدواء المخدِّر الضروري لإجراء الجراحات في مستشفيات العالم قاطبة بعد منع طالبان زراعة الأفيون في أفغانستان ومنع تصديره، وتهديدات نظام الملالي الإيراني المستمرّ والدائم بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة البحرية ومنع تدفّق النفط والغاز عبره إلى العالم، وسعي طهران إلى السيطرة على مضيق باب المندب حيث تمرّ 14 في المئة من التجارة العالمية.
هكذا بات جليّاً أنّ سياسة احتكار أيّ سلعة تنعكس سلباً على الاقتصاد العالمي في ظلّ توزيع مجالات الإنتاج الدولي، وتسبِّب الاضطرابات والقلاقل. بيد أنّ الحكمة السعودية التي تجلّت في مواقفها داخل منظّمتَيْ “أوبك” تسمح باستمرار تدفّق النفط إلى العالم من خلال التوازن بين الأسعار المعقولة والطلب العالمي. فلم يصل معدّل ارتفاع أسعار برميل النفط إلى معدّل ارتفاع أسعار الغاز الأميركي التي تضاعفت 80 مرّة خلال الأشهر الثمانية الأخيرة والتي كبّدت أوروبا أموالاً طائلة لدرجة امتعاض القادة الأوروبيين منها علناً في وسائل الإعلام .
لا يصحّ توجيه تهمة الاحتكار إلى السعودية، وانتقاء المملكة لتوجيه سهام محاربة الاحتكار، وهي دولة واحدة من أصل 23 دولة منضوية تحت لواء منظّمتَيْ “أوبك”
توازن سعودي
في المقابل حافظت المملكة السعودية على سياستها المتوازنة في استمرار الإمداد بالنفط مقابل سعر معقول للبرميل، وفي استثمار مليارات الدولارات في الطاقة البديلة التي تنتج الكهرباء من الطاقة الشمسية وبواسطة الهيدروجين، وخصّصت استثمارات لإنتاج الطاقة النووية المدنية ولبناء عدّة مصانع للألواح الشمسية المتطوّرة. وقد خفض ذلك الانبعاثات المضرّة، إضافة إلى تخصيصها أكثر من 500 مليار دولار للوصول إلى البيئة الخضراء وإلى إقليم بيئي متعافٍ.
لكن لا يصحّ توجيه تهمة الاحتكار إلى السعودية، وانتقاء المملكة لتوجيه سهام محاربة الاحتكار، وهي دولة واحدة من أصل 23 دولة منضوية تحت لواء منظّمتَيْ “أوبك”، في حين أنّ أميركا هي أكبر منتج وأكبر مصدّر للغاز في العالم. وهي التي فرضت على أوروبا الاستغناء عن مصادر الغاز البديلة.
مسؤولية بايدن عن رفع الأسعار
من المعلوم أنّ الرئيس بايدن في أوّل يوم له في البيت الأبيض وقّع 19 قراراً تنفيذياً، وكان على رأسها منع رخص التنقيب عن النفط وخفض عددها، ووقف العمل بخطّ أنابيب “كي ستون” الممتدّ من كندا إلى جنوبي الولايات المتحدة، وفرض ضرائب مستحدثة على شركات التنقيب، ومنع استخراج الفحم الحجري وعدم التصرّف بالستوك الجاهز. ولم تبنِ أميركا منذ الثمانينيات محطّات تكرير جديدة للحدّ من أزمة البنزين التي تفاقمت بسبب سياسات حزب بايدن الديمقراطي.
مع انقضاء الانتخابات الأميركية النصفية، من الطبيعي أن يتخلّى بايدن عن الطروحات غير البراغماتيّة التي فرضتها ضرورات الحملة الانتخابية. ومع انقضاء الاستحقاق الانتخابي وضرورة مسايرة الاتجاهات اليسارية والبيئية والإيرانية في الحزب الديمقراطي، سيجد الرئيس الأميركي أنّ من خدم البيئة عن حقّ، ومن استثمر في بيئة خضراء، ومن دعم بسياسته الحكيمة استمرار تدفّق سلاسل الإمداد، ومن صوّت في الأمم المتحدة ضدّ روسيا وحربها على أوكرانيا، ومن دعم كييف بمبلغ 500 مليون دولار، ومن يقف بحزم ضدّ إغلاق المضائق والتأثير على الملاحة البحرية والتجارة العالمية… إنها المملكة العربية السعودية .
إقرأ أيضاً: بايدن رفع أسعار النفط وليس السعودية
على الرغم من كلّ الحملات الإعلامية الأميركية ضدّ وليّ العهد وضدّ الرياض والتهديد بتطبيق القانون الأميركيNOPEC على المملكة، استمرّت السعودية بتأكيد الشراكة مع الولايات المتحدة.
لكن اليوم بعد انقضاء الانتخابات النصفية، يحتاج بايدن إلى السعودية، تحت عنوان أنّ العلاقة الاستراتيجية لا تكون من طرف واحد، وأنّ العلاقة بين دولتين تكون في اتجاهين.
*كاتب لبناني مقيم في دبي
لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@