مرشّحون بين الخيبة والانتظار

مدة القراءة 7 د

يفتح “أساس” اليوم ملفّ رئاسة الجمهورية. بدءًا من مرشّحين “دائمين” لم يحالفهم الحظّ، وصولاً إلى الأسماء المؤهّلة والمرشّحة هذه المرّة، مروراً بالرؤساء الذين حكموا لبنان منذ الاستقلال، وما الذي ميّز عهودهم.

مع مغادرة ميشال عون قصر بعبدا وتعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة تعود رئاسة الجمهوريّة هي المعضلة من دون أن يكون انتخاب الرئيس هو الحلّ. فقد تراجعت صلاحيات الرئيس، لكنّه لا يزال يحتفظ بـ”التوقيع” الذي من دونه لا حكومة ولا صلاحيات لـ”مجلس الوزراء مجتمعاً” كما نصّ الطائف. على الرغم من ذلك تخوض الأطراف الداخلية معركة الرئاسة مستعملة كلّ الوسائل، وأبرزها تعطيل جلسات الانتخاب بفقدان النصاب وتعطيل البلاد معها، وتخوضها الأطراف الإقليميّة والدوليّة المعنيّة بالملف اللبنانيّ حين ترى الوقت مناسباً لها.

ليست المرّة الأولى التي يحلّ فيها الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، وربّما لن تكون الأخيرة. لماذا؟ كيف يُنتخب الرئيس اللبنانيّ بحسب الدستور؟ وكيف يتمّ الترشّح للرئاسة؟ ومن هو الناخب الفعليّ للرئيس؟

مع مغادرة ميشال عون قصر بعبدا وتعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة تعود رئاسة الجمهوريّة هي المعضلة من دون أن يكون انتخاب الرئيس هو الحلّ

1- بحسب المادة 73 من دستور “الجمهوريّة الثانية”، “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد”. قبل الحرب، كان المجلس النيابي يحترم المهل إلا في حالات استثنائيّة. في زمن الوصاية السوريّة كان الرئيس السوري يختار الرئيس لينتخبه النواب ضمن هذه المهلة. بعد العام 2005 طارت المُهل. أصبح الفراغ الذي يفرضه حزب الله وفريقه السياسيّ هو القاعدة، وكان رئيس المجلس يدعو إلى جلسات انتخاب رفعاً للعتب، ولا يُنتخب الرئيس إلا على توقيت القوى الخارجيّة.

2- لا يُوجب الدستور اللبنانيّ إعلان الترشّح رسميّاً وتسجيله لدى المراجع المعنيّة، كما في الانتخابات النيابيّة. إعلان الترشيح يُعلَن في التصريحات، مباشرة أو مواربة، أو بطرح الأسماء أو بالنيّات. يمكن تقسيم المرشّحين إلى أربع فئات:

 1) الزعامات المارونيّة الأساسيّة. فهؤلاء مرشّحون “طبيعيون” للرئاسة.

 2) سياسيون يتمتّعون بشبكة علاقات داخليّة وخارجيّة.

 3) قادة الجيش.

 4) شخصيات أكاديمية أو فكريّة أو ناشطة في الشأن العامّ.

يُطرح بعض الأسماء إمّا لحرقها أو للمناورة بها، ثمّ يُصار إلى تصفيتها من قبل القوى الداخليّة والخارجيّة.

3- اعتاد اللبنانيون أن لا يكون الرئيس اللبناني “صناعة” لبنانيّة، بل نتيجة تقاطعات غربية – عربية. قبل الاستقلال كانت فرنسا الناخب الأول. بعده لعبت بريطانيا دوراً، لكنّ الولايات المتحدة الأميركيّة أصبحت الناخب الأكبر، إضافة إلى مصر وسوريا والسعوديّة كلٌّ في مرحلة. منذ العام 2007، أصبحت إيران ناخباً للرئيس اللبنانيّ بفعل قوّة حزب الله.

على مدى تاريخ الجمهوريّة كان هناك مرشّحون دائمون للرئاسة لم يحالفهم الحظ، فرحلوا عن هذه الدنيا ومعهم حسرتهم. أبرزهم هؤلاء:

بعد ثلاثة أو أربعة عقود، سيُكتب عن أسماء أخرى كانت مرشّحة دائمة للرئاسة، لكنّها لم تفُز. هذا إذا ما بقيت جمهورية ورئاسة بعد ميشال عون الذي أبى إلّا أن يدمّر كلّ شيء قبل أن يرحل

العميد مرشّحاً تاريخيّاً

منذ العام 1952 بدأ طرح اسم ريمون إدّه للرئاسة. يروي أنّه في العام 1958 دعا السفير الأميركيّ روبرت مكلنتوك نفسه إلى الغداء على طاولة العميد. وعند دخوله ناداه “مستر بريزيدانت”. لكنّ برقية مستعجلة تبعته تقول: “لا تعطِ أيّ وعد بالرئاسة للسيّد إدّه. فقد اتّفق السفير روبرت مورفي مبعوث الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور مع الرئيس عبد الناصر في القاهرة على اختيار الجنرال فؤاد شهاب رئيساً”. في الواقع هذا الاتفاق تمّ في شباط 1958، وكُلّف بوضع تفاصيله السفير الأميركي في القاهرة ريمون هير ومحمد حسنين هيكل، صديق عبد الناصر.

عاد اسم العميد وطُرح في 1970 و1976. ثمّ اختار المنفى في فرنسا إثر تعرّضه لمحاولة اغتيال. ومن هناك راح يردّد قوله الشهير: “لينسحب السوريون والإسرائيليون أوّلاً وبعدها أعمل رئيس”. في العام 1988 أدرج البطريرك نصرالله صفير اسمه في لائحة الخمسة ربّما لعلمه أنّ السوريين لن يقبلوا بها، لكنّه رأس “مأتماً رئاسيّاً” له.

ميشال إدّه: “الرئاسة وصلت لتحت المنخار”

شخصية سياسيّة ومثقّف. كانت حظوظه كبيرة في العام 1982. زاره بشير الجميّل قبل الانتخابات بأيام، بحسب ما روى لمقرّبين، وقال له: “Cette fois ci c’est à moi” (هذه المرّة إنّها لي). لذلك قال له الياس سركيس فيما بعد: “مرقت الرئاسة من تحت منخارك”، فالأميركيون اختاروا بشيراً.

عاد اسم ميشال إدّه وورد في العام 1988، إلى جانب أسماء رينيه معوّض، وبيار الحلو، والياس الهراوي ومانويل يونس، في “لائحة المسيحيّين” التي سلّمها الجميّل وجعجع إلى القائم بأعمال السفارة الأميركية في بيروت حينئذٍ إدوارد كروكر لتسليمها للسوريّين. وفي العام 1998 طرح رفيق الحريري اسمه على السوريين. ثمّ طُرح من جديد في العام 2007 في اللائحة التي قدّمها البطريرك صفير للفرنسيين بناء على إصرار الموفد الفرنسي جان كلود كوسران. إلا أنّ إدّه لم يفُز إلا برئاسة الرابطة المارونيّة.

بالأمس طرح التغييريون اسم نجله سليم على الرغم من رفضه خوض الاستحقاق.

حميد فرنجيّة مات قهراً

هو أحد رجالات الاستقلال. شغل عدّة مناصب وزاريّة، وكان نائباً دائماً في البرلمان بين عامَيْ 1934 و1960. ترشّح ليكون الرئيس الثاني بعد الاستقلال. أتاه النواب مهنّئين عشيّة الاستحقاق. وحلم ليلاً بلقب “فخامة الرئيس”. وفي الصباح انقلبت المعادلة الإقليميّة لغير صالحه. تقاطعت مصالح بريطانيا وسوريا عند كميل شمعون. فهو كان سفيراً في لندن. وكان قد أعطى الرخصة للحزب السوري القومي (حين كان وزيراً للداخلية في 1944) الذي يدعمه أديب الشيشكلي (وربّما ينتمي إليه) ويؤمن بعقيدته الوحدويّة. انتخب نواب بيروت وطرابلس كميل شمعون بإيعاز من السوريين. وصوّت له كمال جنبلاط “نكاية” ببشارة الخوري الذي كان يفضّل حميد فرنجيّة، على الرغم من أنّ هذا الأخير حضر مهرجان دير القمر الذي نظّمه جنبلاط ضدّ الدستوريّين وألقى خطاباً فيه.

بعد العام 1960 انسحب حميد فرنجيّة من الحياة السياسيّة وانتقلت زعامة العائلة إلى شقيقه سليمان فرنجية الذي فاز بالرئاسة في العام 1970، وأورث الزعامة لحفيده سليمان المرشّح اليوم للرئاسة.

مات حميد فرنجية قهراً على رئاسة لم يفُز بها، وعلى زعامة لم يستطع توريثها لنجله قبلان. أمّا نجله سمير فرنجية فخاض الشأن العامّ ليس من باب الزعامة العائليّة إنّما من منطلق الثقافة السياسيّة وشبكة علاقاته الوطنيّة.

جان عبيد لم يبلغ بعبدا إلا مهنّئاً

استمرّ التداول باسمه للرئاسة حتى وفاته. لكنّ المرّة الوحيدة والجدّيّة التي طُرح فيها اسمه كانت بعد اغتيال رينيه معوّض (تشرين الثاني 1989). اصطحبه الرئيس رفيق الحريري بطائرته إلى الشام. طَلب منه السوريّين “قبع” ميشال عون المعتصِم في قصر بعبدا. رفض قائلاً: “لا أقبل الرئاسة على دم”.

إقرأ أيضاً: اقتناص الرئاسة يقابلها تشدد الرياض

طُرح اسمه مجدّداً في العام 1998، لكنّ بشّار الأسد، الذي كان يستعدّ لتسلّم الحكم، اختار إميل لحود. ثم طُرح اسمه قبل التجديد لهذا الأخير في العام 2004، لكنّ الأسد رفضه بسبب علاقاته الجيّدة بالمملكة العربيّة السعوديّة.

بعد ثلاثة أو أربعة عقود، سيُكتب عن أسماء أخرى كانت مرشّحة دائمة للرئاسة، لكنّها لم تفُز. هذا إذا ما بقيت جمهورية ورئاسة بعد ميشال عون الذي أبى إلّا أن يدمّر كلّ شيء قبل أن يرحل.

في الحلقة الثانية غداً:

عندما كان السلف… يسلّم الخلف

مواضيع ذات صلة

العسكر في بعبدا: “حكمة سليمان” والدمار العوني الشامل

انتهت ولاية إميل لحود إلى الفراغ الذي فرضه حزب الله وميشال عون، الحليفين الجُدد حينها. سبقه اعتصام قوى 8 آذار (مع أنصار عون) في وسط…

العسكر في بعبدا: اللواء والأميرال

“أساس” ينشر تباعاً مقالات ومقابلات عن ملفّ رئاسة الجمهورية، بدءًا من مرشّحين “دائمين” لم يحالفهم الحظّ، وصولاً إلى الأسماء المؤهّلة والمرشّحة هذه المرّة، مروراً بالرؤساء…

من “سليمان الجدّ” إلى “سليمان الحفيد”

“أساس” ينشر تباعاً مقالات ومقابلات عن ملفّ رئاسة الجمهورية، بدءًا من مرشّحين “دائمين” لم يحالفهم الحظّ، وصولاً إلى الأسماء المؤهّلة والمرشّحة هذه المرّة، مروراً بالرؤساء…

“مخايل الضاهر أو الفوضى”.. الأصحّ: “عون أو الفوضى”

“أساس” ينشر تباعاً مقالات ومقابلات عن ملفّ رئاسة الجمهورية، بدءًا من مرشّحين “دائمين” لم يحالفهم الحظّ، وصولاً إلى الأسماء المؤهّلة والمرشّحة هذه المرّة، مروراً بالرؤساء…