في اللغة الصينية تتألّف كلمة الأزمة من كلمتين متلازمتين: الأولى هي الخطر، والثانية هي الفرصة.
وبموجب هذه الثقافة أصبحت الصين على ما هي عليه اليوم.
في كانون الثاني 2008 تعرّضت الصين لمآسٍ بسبب شدّة العواصف الثلجية، فقد توقّفت حركة المواصلات العامّة بين المقاطعات، وتوقّفت حركة القطارات والطائرات، فأدّى ذلك إلى شلل الحياة العامّة.
وفي آذار انفجرت الاضطرابات العنصرية في مقاطعة التيبت ضدّ الصينيين وامتدّت إلى الأقاليم المجاورة.
وفي نيسان اصطدم قطاران للركّاب، فقُتل حوالي مئة شخص.
وفي أيّار ضربت الصينَ هزّةٌ أرضيّة بقوّة 7.9 على مقياس ريختر أدّت إلى مقتل 69 ألفاً واختفاء 17 ألفاً آخرين تحت الأنقاض، وإلى تشريد خمسة ملايين.
كان لبنان ينعم بالاستقرار والازدهار. وهو ما تنعم به سنغافورة اليوم، وهو ما فقده لبنان حتى هبط إلى مستوى الدولة الفاشلة
وفي حزيران هطلت أمطار غزيرة استمرّت أيّاماً متواصلة وتسبّبت في فيضانات وانهيارات وأدّت إلى تشريد مليون و600 ألف مواطن.
انطلقت الصين من تحت أنقاض هذه السلسلة من الكوارث لتعيد بناء مجتمعها، وأصبحت الآن، أو كادت، القوّة الاقتصادية الأولى في العالم.
ليست الصين حالة نادرة في ذلك، إذ خرجت بولندا من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية شبه دولة، تقاسمها الروس والألمان وألغيا وجودها.
بعد الحرب نبضت من جديد وأعادت بناء اقتصادها المدمَّر ونجحت في رفع مستوى الدخل الفردي عشرة أضعاف ليصل إلى 16 ألف دولار.
حتى فيتنام في أقصى شرق آسيا التي احتلّها الأميركيون وخاضوا فيها لسنوات طويلة حرباً مدمّرة بعد الحرب المدمّرة الأولى التي شنّتها عليها فرنسا قبل أن تنسحب منها من دون اتفاق، خرجت من الحربين ضدّ فرنسا والولايات المتحدة حطاماً متناثراً. فحقولها مزروعة بالألغام المضادّة للأشخاص والآليّات، ومصانعها محروقة ومدمّرة، ومؤسّساتها متآكلة. لا شيء من مقوّمات الدولة. أمّا الآن فتقدّم فيتنام نفسها نموذجاً للدولة الناهضة في شرق آسيا، صناعياً وزراعياً واجتماعياً. أقامت مرافئ جديدة ومصانع جديدة ودخلت عالم القرن الواحد والعشرين من بوّابته الواسعة، ومشروعها الحالي هو إلغاء الفقر.
في دراسة للأمم المتحدة تُصنَّف 39 دولة فقط دولاً متقدّمة. ومعظم هذه الدول كانت متقدّمة قبل الحرب العالمية الثانية في عام 1945. غير أنّ الأسرة الدولية تتألّف من 195 دولة، منها ما هو في طريق النهوض والتقدّم، ومنها ما انهار تحت ضربات الفساد وسوء الإدارة والتدبير، ومنها لبنان، بل إنّ لبنان يشكّل حالة خاصة في أسباب الانهيار وفي نتائجه على نحو لم يُعرَف له مثيل إلا في عدد ضئيل جداً من الدول الإفريقية.
سنغافورة تتعلّم ممن لبنان..
في الخمسينيات من القرن الماضي عندما انفصلت سنغافورة عن ماليزيا وأعلنت نفسها دولة مستقلّة، كان أوّل عمل قامت به إرسال وفد إلى بيروت لدراسة التجربة اللبنانية والتوقّف أمام أسباب نجاحها. ذلك أنّ موقع سنغافورة مشابه لموقع لبنان من حيث المساحة الجغرافية وعدد السكّان والثروات الطبيعية، ومن حيث طبيعة العلاقات مع جيرانه.
لو يُوفد لبنان بعثة إلى سنغافورة لدراسة تجربتها في النجاح، فسوف يعود بما عادت به البعثة السنغافورية من لبنان في الخمسينيات من القرن الماضي
في ذلك الوقت كان لبنان ينعم بالاستقرار والازدهار. وهو ما تنعم به سنغافورة اليوم، وهو ما فقده لبنان حتى هبط إلى مستوى الدولة الفاشلة.
ولكنّ الفشل ليس حالة دائمة. وهناك نماذج دولية تؤكّد القدرة على الخروج من الفشل، وحتى من التلاشي، إلى الازدهار والقوّة، ومنها بولندا في أوروبا، وفيتنام في آسيا.. والصين في العالم.
في عام 2007 كانت الأسرة الدولية تتألّف من 110 دول. في ذلك الوقت نجحت 107 منها في رفع معدّلات الدخل الفردي لمحاربة الفقر. كان لبنان واحداً من تلك الدول. إلا أنّ الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 عرقلت تلك المسيرة. ولكن بعد أقلّ من عقد من الزمن استأنفت الدول النامية نهضتها وواصل لبنان انحداره وانهياره. لم يكن العيب في نظامه بل في بعض رجاله ممّن كانوا مؤتَمنين على العمل بما يفرضه هذا النظام من شفافية ومحاسبة. “زادت الطين بلّة” سلسلة الاعتداءات التدميرية الإسرائيلية، واتّساع الهوّة بين اتّخاذ القرار الوطني وصنّاع هذا القرار. وهكذا قبل أن يفقد لبنان عطف وتعاون إخوانه وأصدقائه، فقدَ قراره وفقدَ نفسه.
إقرأ أيضاً: الدول المريضة: D.N.A اللبنانيين فينيقيين من أصول عربية
الآن لو يُوفد لبنان بعثة إلى سنغافورة لدراسة تجربتها في النجاح، فسوف يعود بما عادت به البعثة السنغافورية من لبنان في الخمسينيات من القرن الماضي. الخلاصة كانت:
ـ داخلياً: العمل على التنمية الداخلية بأمانة وشفافيّة.
ـ خارجياً: فكّ الارتباط بصراعات المنطقة.
لم يكن هذا الدواء السنغافوري عذباً. وفي الواقع لا يوجد دواء عذب لأيّ مرض، فكيف إذا كان المرض سرطانيّاً كما هو في لبنان اليوم؟