يفضح بندان من أصل ثمانية بنود على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة اليوم الإثنين “العقل اللا مسؤول” الذي تدير من خلاله السلطة السياسية دفّة تقرير مصير اللبنانيين:
– الأول: مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم رقم 9014 الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقّتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة (الكابيتال كونترول).
– الثاني: اقتراح القانون المتعلّق بالصيد المائي وتربية الأحياء المائيّة في لبنان.
لا قواسم مشتركة بين البندين، لكنّ الخفّة واللامسؤوليّة والتواطؤ في التعاطي مع هذين القانونين (كمِثال)، من ضمن سلّة لا تنتهي من القوانين المهمّة والمصيرية، تَعكس الرغبة بإبقاء شعبٍ بأكمله تحت رحمة سياسات تتفنّن في إبقائه متربّعاً على عرش الشعوب الأكثر تعرّضاً للتنكيل وهدر مقدّراته الذاتية و”دفنه” تحت تاسع أرض.
كابيتال كونترول… الفضيحة تتألّق
بعد أكثر من ثلاث سنوات على السرقة الموصوفة لودائع اللبنانيين، إثر أحداث 17 تشرين الأول، لا يزال مشروع قانون الكابيتال كونترول، المفترض أن يحمي المودعين، “يعلّ” داخل مجلس النواب بعدما تحوّل إلى كرة يتقاذفها أهل القرار أمام أعين المجتمع الدولي.
يقول خبير ماليّ لـ “أساس”: على الرغم من كلّ التأخير المتعمَّد لا يزال الكابيتال كونترول حاجة وضرورة لوقف نزف تهريب الأموال والجريمة المرتكَبة بحقّ المودعين، وهو مطلب إصلاحي دولي أساسي
في هذا الوقت أبدَعَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في إصدار تعاميم بهلوانية، والمصارف مُغطّاة من الحاكم، في تطبيق قيود قاسية وغير شرعية واستنسابية على السحوبات أفقدتها أكثر من 90% من قيمتها، فيما لم تتوقّف حتى الآن حركة تدفّق الودائع بالدولار إلى الخارج للمحظيّين وأصحاب النفوذ والـ PEP’S من دون أيّ ضوابط أو رادع.
باختصار، ما حصل منذ ثلاث سنوات في لبنان، بالتواطؤ بين قوى سياسية ومصرفية، وبضغط من سلامة، هو تضافر جهود هؤلاء لـ “تفشيل” الكابيتال كونترول و”تلغيمه”، وليس إقراره، بما خدم مخطّط “ترانسفير” الأموال إلى الخارج منذ إقفال المصارف لمدّة أسبوعين عام 2019، وهو الأمر الذي لا يزال قائماً حتى الآن بإشراف “مَصرف الدولة” وحاكم قرّر أن “يَحلب” قانون النقد والتسليف حتى آخر بند بما يتيح له تبديد أموال اللبنانيين، عبر الدعم غير المدروس وتغطية تهريب الأموال إلى الخارج.
واجهت المنظومة الحاكمة الكابيتال كونترول بوقاحة لا توصف، فيما كان ملايين “البؤساء” يستجدون فتات رواتبهم ومخزون عمرهم من الليرات والدولارات مذلولين أمام أبواب المصارف. بَلَغ الإجرام حدّ إقرار قانون الدولار الطالبي في مجلس النواب من دون أن تلتزم به المصارف.
مسلسل تطيير القانون
يلتقي النواب اليوم لمناقشة مشروع القانون بعدما “هُرّب” أكثر من مرّة بهدف تطييره: المرّة الأولى حين سَحبه وزير المال السابق غازي وزني عن طاولة حكومة حسّان دياب في آذار 2020، وحين فُركِشت أيضاً الصيغة التي تقدّم بها نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي نهاية عام 2021، وحين أسقط مجلس النواب صفة المعجّل المكرّر عن قانون تقييد السحوبات والتحويلات (تقدّم به تكتّل جبران باسيل) وأحاله برّي إلى اللجان في أيّار 2020، ومرّة على أبواب الانتخابات النيابية حين وَرَد بصيغة مشروع قانون أقرّته حكومة نجيب ميقاتي وجرى تطييره مجدّداً في مجلس النواب بذريعة وروده من دون خطّة الحكومة للتعافي المالي ومشروع إعادة هيكلة المصارف، مع اتّهام ميقاتي بتعديل الخطة الحكومية.
وبين حركة الشارع الاعتراضية على قانون “غايته حماية المصارف وردّ الدعاوى القضائية عنها”، وبين استعراضات نوّاب الأمّة عشيّة الانتخابات، طار الكابيتال كونترول مجدّداً، فيما لم يقُد مسعى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد الانتخابات إلى مكان، وخصوصاً مع اتّهامه بأنّه مع زميله إبراهيم كنعان يقودان معركة حماية أصحاب المصارف لا المودعين.
التأخير لا يُلغي ضرورة الإقرار
في ظلّ الشغور الرئاسي، وحكومة سقفها تصريف الأعمال “بالمعنى الضيّق”، ومجلس نواب ينتظر “تعليمة رئاسية” لانتخاب ساكن بعبدا الجديد، وصندوق نقد دوليّ لم يرَ إنتاجاً على مستوى القوانين الإصلاحية حين كانت المؤسّسات شغّالة، فكيف بالأحرى في “عهد الفوضى والشغور”، فهل يمكن في كلّ هذه الظروف تمرير الكابيتال كونترول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ودائع اللبنانيين وضبط حركة ما بقي من رؤوس الأموال وإعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات؟
يقول خبير ماليّ لـ “أساس”: “على الرغم من كلّ التأخير المتعمَّد لا يزال الكابيتال كونترول حاجة وضرورة لوقف نزف تهريب الأموال والجريمة المرتكَبة بحقّ المودعين، وهو مطلب إصلاحي دولي أساسي يُفترض أن يكون قد أُنجز عند البدء بإقراض الـ IMF الدولة لتمويل الاستثمارات”، مضيفاً “لكن مع طبقة سياسية كهذه لا شيء مضمون. المرجّح أن لا تُقَرّ سلّة الإصلاحات في مرحلة بالغة الغموض، حتى مع تأكيد الرئيس نبيه برّي أنّ مجلس النواب سيشرّع في هذه المرحلة ولن يكتفي رئيسه بالدعوة إلى جلسات انتخاب رئيس للجمهورية”.
يقول مصدر متابع لهذا الملفّ: “النفط والغاز يحتاجان إلى شركات عالمية وعقود طويلة الأجل، والأهمّ إلى استقرار أمنيّ كان غير متوافر بسبب عدم ترسيم الحدود البحرية
المزارع السمكيّة
في البند رقم 8 على جدول أعمال اللجان اليوم يوجد اقتراح قانون متعلّق بالصيد المائي وتربية الأحياء المائية في لبنان (المزارع السمكيّة).
يعود عمر القانون إلى عام 2014، وكان يمكن مع إقراره قبل عقود أن يفتح “البحر اللبناني” أمام مشروع إنتاجي يجعلنا نقتصد في شراء الأسماك من الخارج بالعملة الصعبة، لا بل يسهّل تصدير الأسماك إلى دول المنطقة والعالم بدلاً من استيرادها، وبالتالي يزيد من الدخل القومي ويحافظ على الأمن الغذائي الذي بات مهدّداً اليوم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة.
يقول مصدر متابع لهذا الملفّ: “النفط والغاز يحتاجان إلى شركات عالمية وعقود طويلة الأجل، والأهمّ إلى استقرار أمنيّ كان غير متوافر بسبب عدم ترسيم الحدود البحرية، لكنّ الثروة السمكية “الضائعة” تطلّبت طوال العقود الماضية قراراً سياسياً فقط يوفّر التشريع اللازم لإصدار التراخيص لكلّ مستثمر يريد الاستثمار في المياه البحرية اللبنانية التي تشكّل ضعف مساحة لبنان، إن من أجل استزراع الأسماك أو الصيد خارج المياه الاقليمية، أي في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية”.
يضيف المصدر: “مع إقرار الترسيم يجب على الدولة تشجيع الاستثمار في القطاع البحري لاستغلال هذا المسطّح المائي الذي يمتدّ ما بين 50 إلى 70 ميلاً بحريّاً من شمال العريضة إلى الناقورة جنوباً، حيث يمكن إقامة مزارع السمك والصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللذان يُدخِلان الدولارات إلى البلد ويشغّلان اليد العاملة ويوفّران للمواطن ما يحتاج إليه من منافع الأسماك والمأكولات البحرية الصحيّة بدلاً من استيرادها من الخارج ووضعها على موائد اللبنانيين بأسعار خيالية”.
ويشير المصدر إلى أنّ “مناطق لبنان البحرية التي يمكن الصيد فيها تضمّ مربّعاً تبلغ مساحته 2.4 كلم مربّع (خلف النقطة 20). وهذا المربّع يُشكّل نقطة أمنيّة حسّاسة تمسّكت إسرائيل بعدم التنازل عنها (لأنّها مطلّة على الجانب الإسرائيلي) كي تُبقي على خط رأس الناقورة والنفق السياحي منطقة متنازعاً عليها مع لبنان.
مردود سريع
لغايات سياسية ولحماية أصحاب الاحتكار من المستوردين وتحت حجّة حماية صغار صيّادي الأسماك، تمنّعت الدولة قصداً عن إقرار هذا القانون الذي ينظّم الاستثمار في الثروة السمكية في المياه البحرية اللبنانية، وإذا كان هناك سبب آخر فليُعلِم المسؤولون الشعب اللبناني به.
إقرأ أيضاً: الكابيتال كونترول: الحكومة تشعل سوق الدولار
باختصار، إذا كان مردود الثروة النفطية محتملاً وبعيد المدى، فإنّ إقرار هذا القانون يجعل مردود الثروة السمكية مؤكّداً وفي المدى المنظور.
وكان وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى سلّم في آذار 2021 لجنة الزراعة مشروع قانون الصيد المائي لـ “الاطّلاع عليه وتعجيل إقراره بعد سلوكه المجرى القانوني، في إطار تنفيذ الاستراتيجية الزراعية التي تتضمّن تنظيم الصيد البحري واستزراع الأسماك عبر قانون يكون مرتكزاً لرسم وتنفيذ السياسات الزراعية الإنتاجية، وتعزيز فرص بقاء وتطوير الثروات الوطنية والاستثمار الزراعي”.