وجهًا لوجه، جلس رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي أمام الوفد الإسرائيلي في قمّة المناخ التي عُقدت بشرم الشيخ في مصر قبل يومين. جلس بصفته رئيس الحكومة، التي “ورثت” صلاحيّات رئيس الجمهورية، وممثّلًا الدولة اللبنانية، وليس بصفته الشخصية، أي أنّ لبنان كلّه كان حاضرًا على هذه الطاولة، لبنان الذي يمثّله ميقاتي.
بيان ميقاتي التوضيحي لم ينفِ الخبر. اكتفى بالقول إنّ المشهد “لم يتخلّله على الإطلاق أيّ تواصل مع أيّ مسؤول إسرائيلي”. وبالتالي فإنّ ميقاتي لم يجد في جلوسه هذا أيّ “تطبيع”، ولا وافق آلاف المتسائلين: هل بات طبيعيًا أن يجلس رئيس لبنان مع وفد إسرائيلي على طاولة واحدة؟
سكوت حزب الله
يأخذنا هذا إلى ما قاله الياس بو صعب عن “اتفاق أبراهام اللبناني”. النائب المكلّف من رئيس الجمهورية والقريب من حزب الله كان يتولّى التفاوض مع الوسيط الأميركي (الإسرائيلي) آموس هوكستين، خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. قال كلمته هذه، التي ستظلّ محفورة في التاريخ، من قصر بعبدا، قصر رئاسة الجمهورية، فيما كان يعلن للّبنانيين “إنجاز الاتفاق”.
في شرم الشيخ… يبدو أنّ “المناخ” يتغيّر فعلًا بين لبنان وإسرائيل. وهذا أمر ما عاد يحتاج إلى نقاش ولا إلى مزايدات
إذًا ليس في الأمر شبهة. تصريح بو صعب لم يتبعه نفيٌ أو توضيح. وجلوس ميقاتي إلى طاولة واحدة مع وفد إسرائيل لم يتبعه نفيٌ أو تزيين. حتّى إنّ الإعلام التابع لحزب الله لم يرَ في الأمر نقيصةً أو جُرمًا يستأهل الاعتراض بمقال من أقلامه الناعمة أو الخشنة، أو بحملة من جيش الحزب الإلكتروني على مواقع التواصل. هذا الجيش الذي يتّهم أصحاب الرأي والناشطين السياسيين بأنّهم عملاء لإسرائيل، لمجرّد اختلاف أحدهم مع ناطور في قرية، أو مع حاجب في إدارة رسمية، له قرابة بعيدة مع حزبيّ، أو له ابن خالة يعرف مسؤولًا في الحزب.
التطبيع مع إسرائيل يكون على مستوى رسمي، من قصر بعبدا، ومن السراي الحكومي. كلّ هذا بعد اتفاق وقّع عليه لبنان يعترف لبنان بموجبه رسميًا بإسرائيل، كدولة لها حدود، تمحو حدود فلسطين المحتلّة التي يريد أن يحكمنا البعض بأساطير تحريرها.
تغيير المناخ
كان اللقاء واحدًا من اجتماعات مؤتمر نظّمته الأمم المتحدة حول مخاطر تغيّر المناخ، عُقد في شرم الشيخ المصريّة، القريبة من إسرائيل.
ليس النصّ هذا مقدّمة لتخوين ميقاتي، ولا للشدّ على يديه. هو مجرّد إشارة إلى أنّ الأشاوس الذين يُجرون فحوصات دم دورية للّبنانيين، جماعاتٍ وفرادى، ويصنّفونهم بين عميل ووطنيّ، وبين صالح وطالح، ما عادت مهامهم أو “هوايتهم” تغطية الفاسدين والمتورّطين في صفقات المال والنهب، بل هؤلاء باتوا يقرّرون من يُسمح له بالتسويق للتطبيع، ومن يُمنع من التعبير عن رأيه في الخلافات السياسية الداخلية. وهؤلاء باتوا يسمحون لرئيس أن يجالس وفدًا إسرائيليًا رسميًا، ولموفد رئاسي أن يسوّق للسلام مع إسرائيل من قصر رئاسة الجمهورية.
إقرأ يضاً: مؤتمر الطائف: الشيعة “اللبنانيّون”… كانوا في الأونيسكو
كان المؤتمر يحذّر من مخاطر “تغيّر المناخ” في العالم، ومن التداعيات التي سيتركها على البشر، ومن القيظ الحارق إلى البرد القاتل… لكن ما سيبقى من هذا المؤتمر أنّه ساهم في توفير “الدفء الناعم” لدبلوماسية التطبيع “البطيء” التي يبدو أنّ الطبقة الحاكمة في لبنان قد انتهجتها في غفلة من الزمن.
في شرم الشيخ… يبدو أنّ “المناخ” يتغيّر فعلًا بين لبنان وإسرائيل. وهذا أمر ما عاد يحتاج إلى نقاش ولا إلى مزايدات.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@