بجرأة نادرة وبكثير من الثقة التي تعكس شخصيتها القوية، وقفت النائبة الكويتية جنان بوشهري في البرلمان الكويتي لتُفنّد بالحجة والدليل احتمال وجود شبهة “تعارض مصالح” في عمل أربعة وزراء على الأقل في الحكومة الجديدة، إما لأنهم يتولّون مسؤولية جهات كانوا في خضم نزاعات معها، وبالتالي قد يلجأون إلى “تصفية الحسابات”، وإما لأنهم يشرفون على جهات تراقب أعمالاً لشركات لهم أو لعائلاتهم.
تحدثت جنان في مجلس الأمة يوم الأربعاء ، واحتلت عناوين الصحف الكويتية أمس الخميس. نظر كثيرون إلى كلامها على أنه عودة إلى الزمن الجميل، حين كانت المعارضة الوطنية تُعبّر عن نبض الشارع وتتحلى بالرزانة والكياسة في الطرح والحجة والمنطق في الانتقاد.
بجرأة نادرة وبكثير من الثقة التي تعكس شخصيتها القوية، وقفت النائبة الكويتية جنان بوشهري في البرلمان الكويتي لتُفنّد بالحجة والدليل احتمال وجود شبهة “تعارض مصالح” في عمل أربعة وزراء على الأقل في الحكومة الجديدة
في انتقادها لوزير النفط، ذكرت النائبة الكويتية أنه كان لديه مكتب محاماة يخوض نزاعاً قضائياً مع مؤسسة نفطية حكومية، وصدر حكم من محكمة التمييز في العام 2021 لصالح المكتب.
وبعد أن استبقت رده بأنه سيقول إنه ترك المحاماة والقضية قديمة، سألت النائبة عن كيفية تعامله كوزير مع تقصير الجهة الحكومية في هذه القضية، خصوصاً أن الحُكمين الأول والثاني الصادرين عن محكمتي البداية والاستئناف كانا لصالح الحكومة، فيما جاء حكم التمييز لصالح المكتب. بالتالي هناك تقصير في الدفاع عن مصالح الحكومة لا بد من معرفة سببه وكيفية حدوثه. وألمحت إلى أن الوزير قد لا يشكل لجنة تحقيق لأن الحكم أصلاً صدر لصالحه، وبالتالي ليس من مصلحته إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. رد الوزير وقال إن القضية قديمة تعود إلى مرحلة ما قبل كونه نائباً ووزيراً وإنه ترك المحاماة.
انتقاد جنان الثاني كان موجهاً لوزيرة الأشغال، على اعتبار أنها كانت مستشارة لشركة تقوم بتشييد المطار الدولي الجديد في الكويت، ومثّلتها حتى الأمس القريب في النزاعات المالية الكبيرة مع قطاع المشاريع الكبرى في وزارة الأشغال. هُنا سألت النائبة الوزيرة عن كيفية تعاملها مع المسؤولين الحكوميين الذين كانوا خصوماً لها وأصبحوا الآن تحت إشرافها. لم ترد الوزيرة والتزمت الصمت.
الانتقاد الثالث وجهته جنان إلى وزير التجارة الذي يمتلك حصة في شركة لديها عقود مع الوزارة وتحصل على إسمنت مدعوم من الدولة، ومن مسؤوليته مراقبة هذه الشركة. أيضاً لم يرد الوزير ولاذ بالصمت.
الانتقاد الرابع وجهته النائبة إلى وزير الشباب والرياضة على اعتبار أنه مسؤول عن الهيئة العامة الرياضة في حين أن شركة يملكها أشقاؤه فازت قبل أشهر بمناقصات مع الهيئة، ويُفترض أن تكون مهمته مراقبة تنفيذ العقود، سائلة إياه عما سيفعله وكيف سيُحاسب في حال التقصير وماهي الضمانات بعدم المُجاملة من قبل الأندية الرياضية والجهات الحكومية. هذه المرة ردّ الوزير، وكان الوحيد الذي أقنع برده، حيث كشف أنه قام قبل فترة قصيرة بإلغاء المناقصة درءاً لأي شبهة، على الرغم من أنها صحيحة ولا تشوبها أي شائبة.
في لبنان، عندما تُبرَمُ التسوية، يتحوّل القسم الأكبر من النواب إلى مُنظّرين لـ”الضرورات” الوطنية و”الحتميات” الإقليمية و”مُوجبات” الاستقرار الداخلية، وينقلون ببساطة البندقية من كتف لآخر، في “استغباء فاضح” للناخبين على الطريقة اللبنانية
جنان التي تحولت “نجمة” في مجلس الأمة الكويتي، قالت إن هذه الحالات هي أمثلة، وإن هناك حالات مشابهة أيضاً في صفوف النواب، ولا يقتصر الأمر على الوزراء، مشددة على ضرورة إقرار قانون “تعارض المصالح”، الذي يتوقع أن يصبح من الأولويات للجنة التشريعية في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الحكومة أيضاً مستعجلة لإقراره.
لم تخشَ النائبة الكويتية أجواء “شهر العسل” بين الحكومة ومجلس الأمة، ووصلت إلى حد أنها عارضت وحيدة “إجماعاً” على تعديل في اللائحة الداخلية للمجلس، ينص على مناقشة الاقتراحات في اللجان مباشرة من دون المرور مُسبقاً باللجنة التشريعية، كما هو مُطبّق منذ الستينيات.
في لبنان، عندما تُبرَمُ التسوية، يتحوّل القسم الأكبر من النواب إلى مُنظّرين لـ”الضرورات” الوطنية و”الحتميات” الإقليمية و”مُوجبات” الاستقرار الداخلية، وينقلون ببساطة البندقية من كتف لآخر، في “استغباء فاضح” للناخبين على الطريقة اللبنانية.
هل وقف نائب (أو نائبة) يوماً في مجلس النواب اللبناني ليتحدث عن شبهة “تعارض المصالح” لوزراء يشرفون على وزاراتهم وشركاتهم المتعاقدة معها في آن؟
هل تجرّأ نائب (أو نائبة) يوماً على عرض وقائع بالأسماء، كما فعلت جنان، أم يكتفي كثيرون برفع الصوت عن فساد وهدر وسطو على المال العام ولكن لا يجرؤون على التسمية؟
لماذا يعجز النواب (بغالبيتهم) عن المحاسبة، وهل هم أصلاً مؤهلون لذلك؟
إقرأ أيضاً: أحمد السعدون: “القطب” الكويتيّ… الذي عاد الميدان إليه
ما هو حجم التشريع في عمل غالبية النواب، ولماذا تتغيّر الآراء من اللجان إلى الجلسة العامة؟
هل يحمي النواب (بغالبيتهم) لوبيّات متنفذة أم تعدّى الأمر ذلك ليصبحوا مُمثلين لها بدلاً من تمثيل الشعب؟
هل يُمكن أن يشهد لبنان يوماً نسخة من جنان الكويتية أم أن المسافة ما تزال طويلة؟