مجلس الفراغ .. برّي رئيساً

مدة القراءة 5 د

ناقش مجلس النواب أمس الخميس رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون التي أرسلها في اللحظة الأخيرة قبل مغادرته القصر الجمهوري. كان عون وقّع على مرسوم استقالة الحكومة من دون أن يرفق ذلك بتشكيل حكومة جديدة، هادفاً إلى تسجيل موقف فقط. أمّا مناقشة المجلس فهي لزوم ما لا يلزم لأنّ العهد انتهى والقصر فرغ من رئيسه، ولا شيء ينفع في تغيير أيّ من تداعيات ذلك سوى انتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما يبدو غير ناضج حتى يومنا هذا. أمّا رئيس المجلس نبيه برّي فقد حدّد جلسة ليقول فيها إنّه لا ممرّ لأيّ استحقاق مقبل إلا من خلال هذا المجلس ورئيسه في السياسة وفي الدستور.

في المعلومات أنّ لقاءً جمع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بالمعاون السياسي لبرّي النائب علي حسن خليل قبل أيام، أجمع فيه الفريقان على مقاربة رئاسية مشتركة

مقاربة رئاسيّة مشتركة للثنائيّ

في عام 2014 وقعت البلاد بالفراغ الرئاسي بعدما واجه حزب الله في العامين الأخيرين من عهد الرئيس ميشال سليمان أزمة “المعادلة الخشبية” التي نتجت عن إعلان بعبدا الذي وضع سلاح الحزب على الطاولة. يومذاك افترق حزب الله وحركة أمل في مقاربتَيْهما الرئاسيّتَيْن. كان الحزب متمسّكاً بحليفه ميشال عون، وكان الرئيس نبيه برّي من أكبر المعارضين لهذا الخيار. حصل ما حصل واستطاع الحزب فرض إرادته على الجميع، فصعد تيار المستقبل والقوات اللبنانية في المركب الرئاسي مع حزب الله والتيار الوطني الحر وبقي الرئيس بري خارجه متفرّجاً. بعد شهر عسل لم يدُم طويلاً، تداعت الأسباب والأزمات فغرق المركب وتفرّق العشّاق. في الوقت نفسه كانت أعنف الاشتباكات السياسية تُخاض بين القصر وعين التينة، واستمرّت حتى اللحظة الأخيرة، وكانت آخر جولاتها إثر كلام رئيس التيار جبران باسيل في مقابلته التلفزيونية الأخيرة .

تغيّر المشهد اليوم وتحوّل برّي إلى مشارك في تسمية الرئيس المقبل، إن لم نقُل إنّه مايسترو الاستحقاق. وفي المعلومات أنّ لقاءً جمع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بالمعاون السياسي لبرّي النائب علي حسن خليل قبل أيام، أجمع فيه الطرفان على مقاربة رئاسية مشتركة. وقد أثبت برّي للحزب من خلال التجربة أنّ خياره الرئاسي عام 2014 لم ينجح على الرغم من الاتّهامات التي تطال عين التينة بالمشاركة الفعليّة في إفشال عهد عون. وإن لم يطرح الثنائي علناً اسم سليمان فرنجية مرشّحاً رئاسياً إلا أنّهما يشتركان هذه المرّة في مقاربة ترشيحه للرئاسة. ولو تعذّر عليهما جمع 65 صوتاً أو أسقط باسيل فرصة فرنجية عبر دعوته إلى الاتفاق على اسم ثالث، فسيكون حينها الرئيس برّي مايسترو “المرشّح الرئاسي الملك” من خلال إدراكه لحساسية الساحة المسيحية وللضمانات الأمنية والسياسية التي يطالب بها الحزب. وفي المعلومات المواكبة للاستحقاق أنّ بري يخبّئ في جعبته طرحاً قد يتوافق عليه الجميع ويوفّر استمرارية العمل السياسي من جهة، وما يريده الحزب من ضمانات أمنيّة تجيب على مخاوفه من تكرار تجربة ميشال سليمان الرئاسية من جهة ثانية. لقد أصبح معلوماً أنّ حزب الله لا يثق بأيّ مرشح رئاسي لا يحمي ظهر المقاومة، أي يضع سلاحها على الطاولة كما فعل ميشال سليمان في إعلان بعبدا. ولذلك يبدو الفراغ طويلاً حتى وصول فرنجية أو باسيل إلى سدّة الرئاسة، وإن تعذّر ذلك فسنشهد فراغاً طويلاً بانتظار تسوية إقليمية تُعيد ترتيب موازين القوى.

يوحي كلّ شيء في البلاد بأنّ الاستقرار الوحيد المقبل هو الفراغ الرئاسي الذي ينتظر معجزة داخلية لن تحصل في ظلّ مجلس نيابي مشتّت ومنقسم أو ينتظر استحقاقات خارجية لم يحِن وقتها بعد

مقاربة الثنائيّ الحكوميّة

فشلت محاولة المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير الذي توجّه إلى السراي الحكومي في اليوم الأخير من العهد ليطرح على الرئيس ميقاتي توقيع مراسيم الحكومة الجديدة بالأسماء نفسها. وأصبح معلوماً أنّ المواجهة الحكومية لم تكن بين فريق رئيس الجمهورية وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بل كانت علناً ومن دون مواربة بين عون وفريقه وبين الرئيس برّي. إذ تشير المعلومات إلى أنّ صلابة ميقاتي في مواجهة طروحات القصر لم تكن يتيمة، بل كانت مستمدّة من عين التينة التي رفضت إعطاء عون ومن خلفه باسيل حكومة يستكملان من خلالها العهد بعد فراغ القصر. أما وقد دخل لبنان الفراغ الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال غير حائزة ثقة مجلس النواب الجديد، ولمّا كان حزب الله حريصاً على مراعاة حليفه إلى الحدّ الأقصى من دون أن يمسّ ذلك باستقرار البلاد، فقد اتّفق نصرالله وعلي حسن خليل في اجتماعهما على استكمال العمل الحكومي لتسيير المرافق العامة بأقلّ قدر من الخسائر والأكلاف السياسية، وعدم الدعوة إلى اجتماع لمجلس الوزراء إلا عند الضرورة القصوى على أن تُناقش هذه الضرورة عند حصولها. وهو ما ظهر في جلسة الخميس في مناقشة النواب للعمل الحكومي بناء على رسالة رئيس الجمهورية وإقراره بمضيّ حكومة تصريف الأعمال قدماً بتسيير الأعمال وفقاً للأصول الدستورية.

إقرأ أيضاً: باسيل: لن أنتخب برّي رئيساً للجمهوريّة

يوحي كلّ شيء في البلاد بأنّ الاستقرار الوحيد المقبل هو الفراغ الرئاسي الذي ينتظر معجزة داخلية لن تحصل في ظلّ مجلس نيابي مشتّت ومنقسم أو ينتظر استحقاقات خارجية لم يحِن وقتها بعد. وقد لا يحين هذا الموعد إلا حين تصبح في المنطقة خريطة سياسية جديدة. وحتى ذلك الوقت ستنحصر الرئاسة في مجلسَيْ النواب والوزراء، وعلى رأسها الرئيس نبيه برّي.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…