في عام 1992، وفي تلك البيئة التي صنعت اتفاقات أوسلو، توجّه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع، وفاز حزب العمل وميرتس في انتخابات الكنيست بـ56 مقعداً. بعد ثلاثين سنة حلّ تحالف نتانياهو – بن غفير في الصدارة، وأصبح الأقرب إلى قيادة إسرائيل، إذ حصل حزب الليكود بزعامة نتانياهو على المركز الأول في انتخابات الكنيست، وتلاه في المركز الثالث حزب بن غفير، بينما حصل حزب العمل على خمسة مقاعد، حسب النتائج الأوّلية. ومع تحقيق كتلة اليمين فوزاً لا لبس فيه. يبدو جليّاً أنّ أغلبية صهيونية لا تريد حلّاً سياسيّاً مع الفلسطينيين.
أظهر فرز 85% من أصوات الناخبين في انتخابات الكنيست الـ25، تعزيز فوز معسكر رئيس حزب الليكود بنيامين نتانياهو، مع تغييرات ملحوظة في توزيع المقاعد بين الأحزاب اليهودية، وسط تراجع قوّة أحزاب المعسكر المناوئ برئاسة يائير لابيد، وفقاً للمعطيات التي نشرتها لجنة الانتخابات المركزية.
حسب النتائج الأوّلية، حصل حزب الليكود برئاسة نتانياهو على 23.72%، بينما حزب “يش عتيد”، برئاسة لابيد، حصل على 17.95%، فيما نال تحالف “الصهيونية الدينية”، برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، 10.47%.
أفادت لجنة الانتخابات المركزية بأنّ نسبة التصويت العامّة في انتخابات الكنيست بلغت 71.3%، إذ أدلى 4,847,023 ناخباً بأصواتهم، وهي أعلى نسبة تصويت منذ انتخابات 1999.
الجانب الفلسطيني بدا غير مصدوم من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بل على العكس من ذلك، كانت هذه النتائج شبه متوقّعة
نسبة مشاركة لافتة
سادت مخاوف من أن يشعر الناخبون الإسرائيليون بالإرهاق، وألّا يتوجّهوا إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم بسبب تكرار الانتخابات، إلا أنّ نسبة المشاركة بلغت نحو 71.3 في المئة، وهي العليا بحسب لجنة الانتخابات المركزية.
كان بنيامين نتانياهو قد هدّد قبيل فتح صناديق الاقتراع بإلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، الذي تمّ توقيعه الأسبوع الماضي، في حال فوز حزبه في انتخابات الكنيست المقبلة، قائلاً: “سأتعامل معه تماماً كما تعاملت مع اتفاق أوسلو”، واصفاً إيّاه بأنّه “اتفاق استسلام آخر”.
نتانياهو أعرب مرّات عديدة عن رفضه للاتفاق، ووصفه بأنّه “استسلام تاريخي”، معتبراً أنّ رئيس الوزراء “يائير لابيد وافق على كلّ مطالب حزب الله، وكان خائفاً من حزب الله، ولهذا السبب استسلم”. ثم أعلن لاحقاً أنه سيلتزم بالترسيم البحري مع لبنان.
الصهيونية الدينية.. لا للديموقراطية والقواعد تغيّرت
من جانبه، صرّح رئيس قائمة الصهيونية الدينية، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، لدى وصوله إلى مركز الاقتراع الذي يصوّت فيه في مستوطنة “كدوميم”، بأنّ “هدفنا هو إنهاء الانتخابات بحيث تكون الصهيونية الدينية أكبر من حزب غانتس وآيزنكوت …. هكذا سنضمن تشكيل حكومة يمينية كاملة وليس حكومة يسار”.
يبدو الإنجاز الانتخابي بقيادة النائبين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير كبيراً جداً، فقد أصبح الحزب الثاني بحجمه في معسكر اليمين، بعد كتلة “الليكود”، والثالث بحجمه في الكنيست. ويرى المراقبون أنّ تصويت المجتمع الإسرائيلي لبن غفير يعكس حجم التأييد للعنصرية وتقييد الديمقراطية وتغييراً فورياً لقواعد اللعبة. ببساطة يثبت بن غفير الشعبوي أنّ كلّ شيء سيبدو مختلفاً، بدءاً من “الحوكمة”، “مكافحة الإرهاب”، إلى “حماية جنود الجيش”.
حسب المحلّلين الإسرائيليين، لا سبيل إلى تجاهل بن غفير وحزبه في هذه الانتخابات، ويعتمد نجاحه على دائرتين متضاربتين: الأولى تضمّ إسرائيليين خائفين يؤمن بعضهم بأنّ بن غفير سيفرض النظام في الدولة، وفي الثانية هناك إسرائيليون عنيفون يؤمن بعضهم بأنّ بن غفير سيجعل ميولهم العنيفة شرعيّة، وسيزوّدهم بالمسدّسات، وسيدفع بهم نحو العرب واليساريين.
بحسب المُحلل الإسرائيلي ناعوم بريناع، قامت حركات فاشية في أوروبا على هذا الخليط: يريدون رجلاً قويّاً ورخصة للعربدة. يُكثر الناس من القول إنّ بن غفير وسموتريتش هما الذيل الذي يهزّه الكلب. أخشى أنّ هذا القول ليس صحيحاً “هما ليسا الذيل بل هما الكلب”. نتانياهو ربّاهما ووحّدهما.
أفادت لجنة الانتخابات المركزية بأنّ نسبة التصويت العامّة في انتخابات الكنيست بلغت 71.3%، إذ أدلى 4,847,023 ناخباً بأصواتهم، وهي أعلى نسبة تصويت منذ انتخابات 1999
الخوف على الدولة
من جهتها، حذّرت وزيرة الخارجية والقضاء السابقة تسيفي ليفني من اشتعال برميل البارود بعد الانتخابات الإسرائيلية، وقالت: “في اليوم التالي للانتخابات الإسرائيلية، قد نستيقظ على دولة يتمّ فيها إضعاف أنظمة إنفاذ القانون والقضاء، وإنشاء حكم جامح، وقد نجد وزير حرب يعطي موافقته على المزيد والمزيد من المستوطنات حتى لا نقول وداعاً إلى الأبد لملايين الفلسطينيين، وجيشاً يخضع لقيادة المستوطنين، وقد نرى وزراء يجلسون على براميل من المتفجّرات سيفجّرونها باسم الأيديولوجية الدينية المسيحانية”. وأشارت إلى أنّه “كما غالبيّة الإسرائيليين لا نريد دولة الشريعة اليهودية التي ينادي بها المتديّنون المتطرّفون، ونسعى إلى كبح جماح فتيان التلال من صغار المستوطنين الذين ينفّذون أعمال العنف ضدّ الفلسطينيين وجنود الجيش، ولا نريد أن تصبح إسرائيل دولة إسرائيلية فلسطينية مختلطة بين البحر والنهر”.
الجانب الفلسطيني بدا غير مصدوم من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بل على العكس من ذلك، كانت هذه النتائج شبه متوقّعة، وعلّق رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية على ذلك قائلاً إنّ صعود الأحزاب اليمينية الدينية المتطرّفة في الانتخابات الإسرائيلية نتيجة طبيعية لتنامي مظاهر التطرّف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي “التي يعاني منها شعبنا منذ سنوات تقتيلاً، واعتقالاً، وتغوّلاً استيطانياً، واستباحةً للمدن والقرى والبلدات، وتقويضاً لحلّ الدولتين”.
إقرأ أيضاً: اسرائيل: لا حسم في انتخابات الكنيست
غير أنّ الكاتب الإسرائيلي عيناف شيف رأى أنّ من المهمّ أن نتذكّر أنّ الواقع لا يرقص على نغمات أيّ ناي. ومثلما لم تنجح “حكومة التغيير”، أي حكومة لابيد، في الوصول إلى تفاهم مع الواقع لأنّها فصلت نتانياهو عن الحكم، فإنّ حكومة بن غفير ستكتشف أنّها لن تحطّم الحقيقة، ومثل هذه الحكومة ستدفع ثمن الاحتلال أمنيّاً، سياسياً، وبالتأكيد اقتصادياً. ولن يخلق الاقتصاد نفسه من جديد فقط على شرف حكم لا يعمل على منح مؤهّلات معيّنة لرجال الحريديم كي يتمكّنوا من الانخراط في سوق العمل.
*كاتبة فلسطينية