من هو الهندي… الذي يحكم بريطانيا اليوم؟

مدة القراءة 7 د

لو كان غاندي حيّاً، هل كان سيصدّق أنّ أحد أبناء البنجاب سيحكم المملكة المتّحدة، بريطانيا العظمى؟

أكثر من ذلك، عيّن رئيساً في عيد “ديوالي” أو “عيد الأضواء” الهندي، وخرج يوم تعيينه، ليضيء الشموع أمام “11 داونينغ ستريت”، مقرّ رئاسة حكومة المملكة المتّحدة، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والتي حكمت بلاده الأصلية، الهند، قرابة قرن من الزمن، قبل أن تنتزع استقلالها في 1947.

هو ليس الحاكم الأوّل لدولة عظمى، آتياً من بلاد المستعمرات البريطانية. سبقه باراك أوباما، ابن العائلة الكينية، التي لجأت إلى أميركا، حيث ولد باراك حسين. ولأنّ باراك ولد في الولايات المتحدة، كان له الحظّ في رئاستها.

 

رحلة أجداده إلى بريطانيا

بدأت رحلة سوناك إلى رئاسة وزراء بريطانيا من ولاية البنجاب، قبل تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين، الهند وباكستان. من هناك انتقل جدّه رامداس إلى كينيا، في شرق إفريقيا، أواخر الثلاثينيات حيث عمل مسؤولاً إدارياً في الحكومة الاستعمارية في كينيا. وفي نيروبي عاصمة كينيا، أنجب الجدّ من زوجته سوهاج 3 بنات و3 أبناء، بينهم ياشفير، والد الرئيس ريشي سوناك في 1949.

يتحدث بفخر عن جذوره. يسمّي نفسه “الهندوسي الفخور”، ويجاهر بحبّه لرياضة الكريكيت. ويمتنع عن أكل لحوم البقر لأسباب دينية

أما جدّه لأمّه، راجبير بيري، فنشأ في البنجاب كذلك، وعمل كمهندس سكك حديدية، وتزوّج ساراشكا، التي غادرت إلى المملكة المتحدة في 1966، بعدما باعت مجوهرات زفافها. ولحق بها زوجها ليعمل في قسم الإيرادات الداخلية، ونال لاحقاً في 1988 “وسام الإمبراطورية البريطانية”، وهي جائزة يحظى بها من قدّموا مساهمة كبيرة في المجتمع.

الزوجان اللذان هاجرا في عاصمة الإمبراطورية البريطانية، أنجبا 3 بنات، بينهنّ أوشا، والدة سوناك. وفي العام نفسه لهجرة الجدّة وابنتها، 1966، وصل إلى ليفربول والد سوناك ليدرس الطبّ.

في 1972 حصلت أوشا على شهادة في علم الصيدلة من جامعة أستون. بعدها قابلت الطبيب ياشفير، وتزوجا في ليستر عام 1977. في 12 أيّار 1980 أنجبا الرئيس في ساوثهامبتون، على الساحل الجنوبي لبريطانيا، وهو الابن الأكبر بين ثلاثة.

التحق سوناك، الشاب الطموح والمتوثّب، بكلية وينشستر، وهي مدرسة داخلية خاصة في بريطانيا. ثم عمل نادلاً في مطعم “كاري هاوس” في ساوثامبتون خلال العطل الصيفية، قبل أن يلتحق بجامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وعمل في بنك “غولدمان ساكس” وفي شركات أخرى كبيرة، قبل أن يبدأ حياته السياسية.

 

الزواج والرئاسة

في 2009، تزوج من أكشاتا مورثي، ابنة نارايانا مورثي أحد أغنى الرجال في الهند والشريك المؤسّس لشركة خدمات تكنولوجيا المعلومات العملاقة “إنفوسيس Infosys”، وأنجبا ابنتين، أنوشكا وكريشنا. ليتّحد العمل السياسي مع الرأسمال الكبير، من أصول هندية كذلك.

هو واحد من أغنى السياسيين في العالم الغربي. تبلغ ثروته وزوجته أكشاتا مورتي 730 مليون جنيه إسترليني (828 مليون دولار) أي ما يعادل ضعف الثروة المقدرة للملك تشارلز الثالث

درست أكشاتا الاقتصاد واللغة الفرنسية في كلية كليرمونت ماكينا في كاليفورنيا وفي “معهد الأزياء للتصميم والتجارة” في لوس أنجلوس. وعندما انتقلت إلى جامعة ستانفورد للدراسة للحصول على ماجستير إدارة الأعمال، التقت به في 2005 حيث كان يدرس في أفضل كلية بعد حصوله على منحة فولبرايت. بعد أربع سنوات تزوجا في حفل فخم في بنغالورو بالهند، حيث عاشا حتّى 2013.

عاد إلى بريطانيا، وبدأ عمله السياسي، ليفوز بعضوية البرلمان عام 2015، عن حزب المحافظين لدائرة ريتشموند في يوركشاير. ثم عيّن وزيراً في حكومة تيريزا ماي. وبعدها أسند إليه بوريس جونسون منصب وزير الخزانة في شباط 2020. كان مؤيداً بارزاً لجونسون في البداية، لكنه استقال في تموز 2022، لأنّه شعر أنّ مقاربته للاقتصاد كانت “مختلفة تماماً” عن نهج رئيس الوزراء.

كان سوناك من مؤيدي حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقال لصحيفة يوركشاير بوست إنه يعتقد أن ذلك سيجعل المملكة المتحدة “أكثر حريةً وعدلاً وازدهاراً”. ثم حسم خياره بسبب تغيير قواعد الهجرة: “الهجرة المدروسة يمكن أن تفيد بلادنا.. لكن يجب أن نسيطر على حدودنا”.

شهرته شاعت بعد فضيحة “Partygate” التي انتهكت قيود COVID-19 من خلال تنظيم حفلات الإغلاق في المكاتب الحكومية. ما أدّى إلى أزمة في حكومة جونسون. كما تعرّض لحملة بسبب اتهام زوجته بالتهرّب الضريبي.

 

“نجومية” الهندي “الكريم”

هو المعجب برئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر، صار محبوب الجماهير حين قرّر، كوزير للخزانة، أن يصرف رواتب ملايين العمّال البريطانيين، المتوقفين عن العمل قسراً بسبب جائحة كورونا. وكان بارعاً في استثمار قراراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

يتحدث بفخر عن جذوره. يسمّي نفسه “الهندوسي الفخور”، ويجاهر بحبّه لرياضة الكريكيت. ويمتنع عن أكل لحوم البقر لأسباب دينية. في 2020 قال أمام الصحافيين: “أنتمي إلى عائلة مهاجرين أتوا إلى المملكة المتحدة من أجل حياة أفضل. تراثي الديني والثقافي هندي لكنني بريطاني تماماً، هذا منزلي وبلدي”.

وفي مقابلة مع BBC عام 2019 قال: “أنا أذهب للمعبد في عطلة نهاية الأسبوع – أنا هندوسي – لكنني أحضر مباراة نادي ساوثامبتون لكرة القدم أيضا يوم السبت – يمكنك أن تمزج بين الثقافتين وهذا ما أفعله”.

بعض الإعلام البريطاني يسمّيه “صهر بنغالورو”، نسبة إلى مسقط رأس والد زوجته سودها مورثي، في بنغالورو

يعتبر نفسه محظوظاً لأنهّ لم يتعرّض للكثير من العنصرية أثناء نشأته، لكن هناك حادثة واحدة بقيت محفورة في ذاكرته: “كنت في الخارج مع أخي الأصغر وأختي الصغرى في مطعم للوجبات السريعة وكنت أعتني بشقيقي وشقيقتي.. كان هناك أشخاص جالسون في مكان قريب، كانت هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها لمثل هذا الموقف، وقالوا كلمة مهينة تتعلق بالعرق الذي انتمي إليه… شعرت حينها بصدمة حادة ما زلت أتذكرها حتى الآن .. إنها محفورة عميقاً في ذاكرتي ونفسي.. يمكن للمرء أن يتعرض للإهانة بعدة طرق مختلفة… لكن لا أتصوّر أنّ هذا أمر يمكن أن يحدث هذه الأيام في بلادنا”.

 

ثروة طائلة

هناك جانب آخر مهم في حياته. فهو واحد من أغنى السياسيين في العالم الغربي. تبلغ ثروته وزوجته أكشاتا مورتي 730 مليون جنيه إسترليني (828 مليون دولار) أي ما يعادل ضعف الثروة المقدرة للملك تشارلز الثالث – الملك الجديد – البالغة حوالي 388 مليون جنيه. لكنّه حريص على التذكير بأنّه لم ينشأ في أسرة ثرية وأنّ والديه “كانا يعملان ليلاً نهاراً في المملكة المتحدة” لتعليمه هو وإخوته: “كان والدي يعمل وقتًاً إضافياً وفي عطلات نهاية الأسبوع. كان لوالدتي صيدلية  في ساوثهامبتون وكنت بعد المدرسة أقوم بتسليم الأدوية للعملاء. لقد عملوا بجد من أجلنا”.

بعض الإعلام البريطاني يسمّيه “صهر بنغالورو”، نسبة إلى مسقط رأس والد زوجته سودها مورثي، في بنغالورو.

تعيش العائلة الآن في منزل يزيد ثمنه عن 7 ملايين جنيه إسترليني في كنسينغتون، وهو مجرد واحد من عدة عقارات يمتلكانها. بالإضافة إلى المنزل الريفي، فهما يملكان أيضاً شقة بقيمة مليون جنيه إسترليني في كنسينغتون وقصراً بقيمة 2 مليون جنيه إسترليني في دائرة يوركشاير. ولديهما أيضاً شقة بنتهاوس بقيمة 5.5 مليون جنيه إسترليني في كاليفورنيا، تطل على رصيف سانتا مونيكا، يستخدمانها أيام العطلات.

إقرأ أيضاً: بايدن وأمنه القومي (2): الشرق الأوسط ليس خطراً كبيراً

تلاحق وسائل الإعلام، من بينها “ديلي ميل”، ما تلبسه الزوجة، من ملابس فاخرة ومكلفة. لكن بالطبع من “جيب” والدها وليس من أموال دافعي الضرائب في البلاد. إذ تبلغ ثروة والدها قرابة 4 مليار جنيه استرليني، لكنّه يعيش في بنغالورو. وعلى خلاف ابنته، يعيش في الشقة المتواضعة نفسها مع زوجته، سودها، حيث كان يعيش قبل عقود. شقة مليئة بالكتب، بلا بريق، ولا أزياء راقية، ولا عطلات فخمة أو طائرات خاصة، ولا منازل فاخرة، ولا علامات تجارية فاخرة. يقود سيارة صغيرة، وينظف الأطباق، وينظف المرحاض الخاص به. كما اشتهر في ??الهند بمشاركته في تأسيس شركة Infosys  عام 1981، وهي الآن شركة متعددة الجنسيات تبلغ قيمتها 11 مليار دولار ويعمل بها أكثر من 345 ألف شخص. واشتهر بنزاهته ويقول إنّه لم يدفع رشوة لأحد في حياته. وشغفه الآخر، غير الكتب، أنّ “القوّة الحقيقية للمال تكمن في التبرّع به”.

مواضيع ذات صلة

لمحة سريعة عن “مواقف” أحمد الشّرع

دمشق   أكثر من شخصية يتشكّل منها أحمد الشرع. هو أبو محمد الجولاني مؤسّس جبهة النصرة. وهو “موحّد الفصائل العسكرية”، ومطلق إدارة سياسية جديدة في…

الجولانيّ: من “الموصليّ” الرّاديكاليّ إلى “الشّرع” البراغماتيّ

خطفَ الأنظار زعيم “هيئة تحرير الشّام” (“جبهة النّصرة” سابقاً) أبو محمّد الجولاني. منذ انطلاق العمليّة العسكريّة في حلب وإدلب وحماة وصولاً إلى حمص. تصدّرَ اسم…

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…