“أبلغوا الإيرانيين أنّنا علّقنا المُحادثات معهم في الوقت الحاليّ”. هذا ما سمِعَه مسؤول أمنيّ عراقيّ رفيع المستوى قبل أيّام قليلة من مسؤولين أمنيّين سعوديّين وأردنيين ومصريين. هذه اللغة المتوترة جاءت إثر سياقٍ اشتقته إيران، وهو من طبيعة “عدوانية” تجاه الدول الثلاث. ما يحصل ليس افتئاتاً على ديبلوماسية أرادتها الدول الثلاث إنما كان بفعل مسار إيراني لا يني يتكرر ضد كل الدول العربية، خصوصاً ما هو موجه ضد المملكة العربية السعودية التي تحاول ما استطاعت معالجة التوترات عبر الديبلوماسية. وعلى الدوام كان رد طهران بالأمن والحروب وزعوعة الاستقرار.
كانت بغداد تستعدّ في آب الماضي لاستضافة وزيرَيْ الخارجيّة السّعوديّ والإيرانيّ، لكن الأمور عادت وتعقّدَت بين طهران والرّياض وعمّان والقاهرة.
كثيرة هي الأسباب التي دفَعَت السّعوديين والأردنيين والمصريين إلى تعليق المُحادثات الأمنيّة مع إيران.
الأسباب هذه يُلخّصها المسؤول الأمنيّ العراقيّ، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”أساس” بالآتي:
يقول دبلوماسيّ سعوديّ لـ”أساس” إنّ الإيرانيين كانوا يُماطلون ويُلحّون على تبادل السّفراء وعودة العلاقات الدّبلوماسيّة من دون أن يغيّروا شيئاً من سياستهم العدائيّة تجاه المملكة
أوّلاً: اعتبرَت الدّوائر السّعوديّة اتّهامات قائد الحرس الثّوريّ الإيرانيّ الجنرال حسين سلامي للمملكة بالوقوف خلف ما سمّاه “تأجيج التظاهرات” في البلاد والتهديد “بالانتقام”، نيّة إيرانيّة مبيّتة لشنّ عملٍ عدوانيّ ضدّ المملكة انطلاقاً من الأراضي اليمنيّة أو العراقيّة.
ثانياً: نشرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الاستخبارات السّعوديّة تلقت أخيراً تقارير من أجهزة غربيّة، في مُقدّمها الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة والبريطانيّة، تُحذّر من أنّ إيران تُعدّ لاستهداف منشآت نفطيّة رئيسيّة في المملكة ومنشآت حيويّة أخرى. تتقاطع هذه التقارير مع تهديدات قادة الحرس الثّوريّ. ورصدَت استخبارات قوّات التّحالف العربيّ تحرّكات حوثيّة تُشير إلى الأمر عينه.
ثالثاً: منذ بدء المحادثات بين السّعوديّة وإيران برعاية رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مُصطفى الكاظمي في نيسان 2021، لم تلمس المملكة أيّ جدّيّة من الجانب الإيراني للعمل على حلّ الأزمة اليمنيّة.
يقول دبلوماسيّ سعوديّ لـ”أساس” إنّ الإيرانيين كانوا يُماطلون ويُلحّون على تبادل السّفراء وعودة العلاقات الدّبلوماسيّة من دون أن يغيّروا شيئاً من سياستهم العدائيّة تجاه المملكة.
رابعاً: دفَع تكليف محمّد شيّاع السّوداني في العراق خلفاً للكاظمي السّعوديّة إلى ترقّب السّياسة التي سيعتمدها السّودانيّ المُقرّب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكيّ الإيرانيّ الهوى.
خامساً: تنظر الرّياض وعمّان والقاهرة بريبة وقلق إلى ما يجري قُربَ الحدود الأردنيّة في الجنوب السوري من حشدٍ للميليشيات المُوالية لإيران. إذ تعتبر العواصم الـ3 ما يحدث في تلكَ المنطقة استعداداً إيرانيّاً لزعزعة استقرار الأردن باعتباره بوّابةَ العبور إلى الخليج من سوريا وجنوب العراق. كانت المنطقة قد شهِدَت اشتباكات بين الجيش الأردنيّ والميليشيات الإيرانيّة بعد تحرّكات استفزازيّة قامَت بها الميليشيات. يُضاف إلى ذلك المُحاولات المُستمرّة لاستهداف دول الخليج العربيّ، وخصوصاً السّعوديّة، من خلال تهريب المُخدّرات عبر الحدود الأردنيّة السّوريّة.
سادساً: تترقّب السّعوديّة نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيليّ، التي تشير إلى عودة مُعسكر اليمين بقيادة بنيامين نتانياهو إلى الحكم. وتنتظر أيضاً نتائج الانتخابات النّصفيّة في الولايات المُتحدة، التي يُتوقّع أن يتقدّم فيها الجمهوريّون على حسابِ الدّيمقراطيين، وهو ما يعني أنّ أموراً كثيرة ستتغيّر في الولايات المُتحدة وسياستها الدّاخليّة والخارجيّة إذا ما استطاع الجمهوريّون أن ينتزعوا الأغلبيّة من حزب الرّئيس الأميركيّ جو بايدن.
يقول مصدر دبلوماسيّ سعوديّ لـ”أساس” إنّ المملكة أوصلت تحذيرات شديدة اللهجة إلى إيران مُفادها أنّ أيّ عمل عدوانيّ يطال السّعوديّة سيكون الرّدّ عليه مُختلفاً هذه المرّة، وإذا كانت إيران جادّة في مُحاولة إعادة العلاقات الطّبيعيّة مع المملكة فعليها أن تتصرّف كدولة طبيعيّة، وغير ذلك لن يكونَ مقبولاً لدى القيادة السّعوديّة.
يُنذر جمود المحادثات بين الرّياض وطهران بمرحلة حسّاسة وبالغة الخطورة من لبنان إلى العراق، وبينهما سوريا، وصولاً إلى اليمن. وإلى حين عودتها، التي لا يبدو أنّها ستكون قريبة، قد تشتعلُ مواجهة لم تكُن في حسبان أحد.
إقرأ أيضاً: “السعوديّة أوّلاً”، ولبنان يحضر “إن استحقّ”!
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية نقلت عن مصدر في مكتب الأمن القومي تأكيده أنّ السعودية تبادلت معلومات استخباريّة مع الولايات المتحدة تحذّر من هجوم وشيك من إيران على أهداف في المنطقة، من بينها المملكة.
وقال المصدر للصحيفة إنّ الجيش الأميركي في المنطقة رفع حالة التأهب بين صفوفه.