“الفخامة”… حين تصبح من الماضي

2022-11-02

“الفخامة”… حين تصبح من الماضي

مُنذ أيامً انتهت ولاية الرئيس الـ13  للجمهورية اللبنانية. اختتم ميشال عون عهده وانتقل إلى منزله الجديد في الرابية. منذ أشهر باشر فريقه توضيب أغراضه إيذاناً بالمغادرة. توجّه إلى الشعب بخطاب “إنكاريّ” كما لو أنّه “معارض”، خالياً من الاعتراف بالفشل، وبمسؤوليته عن الدولة التي صارت “خرفَيْش”، كما قال في آخر كلماته من القصر.

 

الفرحة والمواكبة

غادر عون القصر. احتفظ بلقب “الفخامة”. سيستمرّ بتقاضي راتبه وقيمته نحو 12 مليون و800 ألف ليرة لبنانية. ستبقى إلى جانبه مجموعة من الحرس الجمهوري تكمل مشوارها برفقته وتتولّى حراسة حياته الشخصيّة. بعضها نقله من مديريات عسكرية وأمنية على أساس “الولاء”.

عندما عاد إلى لبنان خُصّص للرئيس عون ما يقارب 120 عنصراً من الحرس الخاصّ لحمايته. ليس معروفاً ما إذا كان سيحتفظ بهذا العدد، لكنّ المؤكّد أنّه لن يقتصر على 12 عنصراً وفق ما يُحدّد له رسميّاً.

غالباً ما يوصي الرؤساء المنتهية ولايتهم الذين يخلفونهم خيراً ببعض المديرين والموظّفين، ويتمنّون على قادة الجيش أن يسندوا مناصب مهمّة إلى الضبّاط الذين كانوا إلى جانبهم وأخلصوا لهم في فترة ولايتهم

انتقل عون إلى قصره الجديد في الرابية الذي بدأ ببنائه عام 2014. أمس الأوّل أُقفَل جناح رئيس الجمهورية الخاصّ ومكتبه وأُنزل العلم اللبناني وتوقّف انسياب المياه من النافورة الواقعة عند مدخل القصر. وكما أسلافه ملأ أيامه الأخيرة بتوزيع الأوسمة، لكنّه اختصرها بمريديه وأزلامه والمطبّلين له خلال عهده، وليس لمن قدّموا خدمات جليلة للبلاد.

 

كيف غادر أسلافه؟

هناك كلام عن زوجة رئيس راحل “أخذت” راحتها في نقل محتويات كان يُفترض أن تكون ملك الدولة.

غالباً ما يوصي الرؤساء المنتهية ولايتهم الذين يخلفونهم خيراً ببعض المديرين والموظّفين، ويتمنّون على قادة الجيش أن يسندوا مناصب مهمّة إلى الضبّاط الذين كانوا إلى جانبهم وأخلصوا لهم في فترة ولايتهم. ليس معلوماً هل يخرج عون عن تقليد الرؤساء السابقين، لكنّ المتوقّع أن يصطحب “ملفّاته” التي تابعها طوال فترة عهده. إذ أنّه بعد مغادرة أيّ رئيس القصر، تقوم لجنة متخصّصة بإجراء جردة على مقتنيات القصر الجمهوري لتقارن بين جردة بداية العهد وجردة نهايته.

 

ماذا عن رؤساء ما قبل الطائف؟

أمين الجميّل: في آخر يوم من عهده كتب الأستاذ طلال سلمان ناشر صحيفة “السفير” عن “ليلة الكونياك”. كان يعمّ الخراب خارج القصر والأجواء متشنّجة داخله، والمباحثات منصبّة على تشكيل حكومة لملء الفراغ الرئاسي، فيما كان الجميّل منكبّاً على كتابة كلمته الوداعيّة، ثمّ فرغ للاحتفال مع فريق عمله واحتساء الكونياك. كانت ليلته حزينة، إذ خرج الجميّل ولم يجد من يقول له وداعاً باستثناء لواء الحرس الجمهوري الذي أدّى له التحيّة على عجل.

الياس سركيس: غادر الرئيس القصر وليس في معيّته إلّا بضع أوراق وملفّات. لم يحتفظ بالهدايا التي لا يوجد قانون يمنع الرؤساء من الاحتفاظ بها. بل ترك سركيس مبلغاً من المال في الصندوق الأسود وطلب تسطير محضر بمحتوياته وإيداعه وزارة المال. في حين راجت معلومات أنّ رؤساء آخرين تصرّفوا بمحتويات الصندوق قبل فترة غير طويلة من انتهاء الولاية.

كميل شمعون: لم يكن أفضل حال. سلّم فؤاد شهاب وغادر قصراً كان مهجوراً ولم يسكنه بصحبة عائلته.

فؤاد شهاب: كان يريد لولايته أن تنتهي بسرعة. قال لخلفه الرئيس الجديد شارل حلو لدى استقباله: “لقد أتيت لي بورقة إخلاء السبيل ومش عارف كيف بدّي فل”.

شارل حلو: لشدّة تعبه كان على عجلة من أمره لتسليم خلفه سليمان فرنجية. قطع مشاركته في القمّة العربية المنعقدة بالقاهرة وعاد إلى لبنان لاستقبال خلفه سليمان فرنجية الذي استكمل عنه حضور القمّة ولم يكن قد تسلّم ولايته بعد.

بشارة الخوري: حين تقدّم باستقالته عارضه الكثيرون ونصحوه بالعودة عنها. اختلى بنفسه في يومه الأخير، أدّى الصلاة ثمّ جمع موظّفي القصر وأبلغهم قراره النهائي. سلّم خلفه الرئيس فؤاد شهاب الدستور وطلب منه أن يكون مؤتمناً عليه وعيّنه رئيس حكومة.

لم يكن وضع رؤساء الجمهورية بعد الطائف أفضل حالاً عمّا قبله، بل على العكس صار الرئيس مقيّد الصلاحيّات وصار انتخاب رئيس الجمهورية معقّداً جدّاً

بعد الطائف

لم يكن وضع رؤساء الجمهورية بعد الطائف أفضل حالاً عمّا قبله، بل على العكس صار الرئيس مقيّد الصلاحيّات وصار انتخاب رئيس الجمهورية معقّداً جدّاً، فكان الفراغ هو الحاكم الأكبر بين ولاية رئاسية وأخرى.

الياس الهراوي: بعد نهاية تسع سنوات من ولايته، اكتشف فريق العمل بعد الجردة وجود نقص في مقتنيات القصر من أوانٍ زجاجية وتحف وأثاث منزل، وأُثير الموضوع في الإعلام، لكنّ السيّدة الأولى منى الهراوي غضبت للشائعات على اعتبار أنّها كانت صاحبة الفضل بإعادة ترميم وهندسة القصر الجمهوري الذي كان مهجوراً.

لم يشهد اليوم الأخير من عهد الياس الهراوي ما يميّزه. كان يوماً اعتياديّاً شهد حفل تسلّم وتسليم بينه وبين إميل لحود الذي طلب بعد تسلّمه إجراء جردة بمقتنيات القصر جرّاء الأخبار التي انتشرت عن إخراج الرئيس أغراضاً تعود للقصر الرئاسي.

إميل لحود: وحده خرج من قصر بعبدا كما دخله، ما عدا أغراضه الخاصّة. ليلة 31 تشرين الأول، وعلى خلاف غيره من الرؤساء، خرج مكتفياً بنقل حاجياته الخاصّة فقط. وهو كان تعرّض لحملة سياسية شرسة ضدّه، ونُظّمت حملة “فِلْ” للضغط عليه ودفعه إلى الاستقالة قبل نهاية عهده، لكنّه أصرّ على إكمال ولايته حتى الدقائق الأخيرة، فغادر القصر الجمهوري وحده عند منتصف آخر ليلة من ولايته موزّعاً الابتسامات أمام عدسات الكاميرا.

ميشال سليمان: في آخر أيّام ولايته الرئاسية نظّم احتفالاً حضره رؤساء الجمهورية السابقون باستثناء إميل لحود، ورؤساء الحكومات السابقون، وقلّد رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط أرفع وسام بعد وسام الرئيس، وألقى كلمة وداعيّة ضمّنها تجربته واقتراحاته لخلفه.

قبل ليل 31 تشرين الأوّل استورد سليمان خمس سيّارات فاخرة له ولأفراد عائلته مستفيداً من الإعفاءات الجمركية التي يتمتّع بها رئيس البلاد طوال فترة حكمه. وقد احتفظ، سليمان أسوة بباقي الرؤساء السابقين، براتبه. وخُصّص له 72 عنصر حماية ومرافقة أمنيّة سحبها منه ميشال عون لدى وصوله إلى بعبدا مبقياً له 12 عنصراً فقط، فيما بقي لأمين الجميّل حتى اليوم 90 عنصراً أمنيّاً.

إقرأ أيضاً: لجان فحص الرؤساء الموارنة: صارت إيرانية

ميشال عون: حاول المحيطون به أن يكون يوم خروجها “عرساً” سياسيّاً لا سابق له. وأكّدوا أنّه “يخطئ من يعتقد أنّ آخر يوم في عهد عون سيكون نهايته ونهاية تيّاره، فآخر يوم كان بمنزلة الإعلان عن مرحلة جديدة من الحياة السياسية له ولتيّاره، وما لم يستطع تحقيقه خلال ولايته سيستمرّ بالمطالبة به بشراسة أكبر من الرابية”.

قيل إنّه لم يُخرج معه إلّا ملفّاته الخاصّة وتلك المتّصلة بمذكّراته في القصر الجمهوري.

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…