يقبع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بين نهايتين. إنّه مكان لا يمكن لأحد أن يحسده عليه مهما غالى المؤيّدون بتبريراتهم أو زايد الأخصام بتخيّلاتهم.
شيطانان وتظاهرة
الأولى: نهاية العداء للولايات المتحدة الأميركية، أو “الشيطان الأكبر”، على ما يحلو للسيّد تسميتها، وإلى جانبها شيطانها الأصغر، إسرائيل. والنهاية هذه ارتسمت معالمها بعد ترسيم الحدود البحرية، وتعهّد نصرالله لـ”الشيطانين”، على ورقة رسمية، أن لا اعتداء ولا قتال بعد اليوم. وكلّ الحماية والأمان لخطّ الترسيم ومنصّات النفط القائمة على الجانبين.
الثانية: نهاية حليف كان يُصنَّفه المسيحيون أنّه قويّ ومتين وكبير. فالسيّد ومَن معه يدركون أنّ التيار العوني ورئيسه جبران باسيل، بعد الخروج من قصر بعبدا، ليسا كما قبله، على الرغم من تظاهرة الأحد الفائت وكثافة الأعلام والرايات والباصات.
على خلفيّة ذلك كله يعيش السيّد مضطرّاً، على قاعدة “مجبراً أخوك لا بطل”، مرحلة البحث عن أمرين لا ثالث لهما: الأول هو إيجاد عدوّ جديد بحجم أو أقلّ نسبياً من العدوّ القديم. والثاني البحث عن حليف يمكن وصفه في الإعلام والسياسة بأنّه قويّ وكبير.
تُخاض الحروب بالميليشيات وبالبنادق والعسكر، فيما عند النهايات تُعقد التسويات والاتفاقيات بين الدول على طاولة لا يجلس إليها غيرها. وعندئذٍ هي التي تحدّد المصائر ومَن سيدفع الثمن الباهظ الأليم
السّنّة عدو وحليف
ما يعوِّق بحث السيّد وحزبه هو أنّ الخيارات ضيّقة ولا تشي بالكثير. فهي محصورة بطرف واحد لا وجود لغيره في الساحة أو الطريق: سُنّة لبنان الذين هم مقصد البحث وعندهم الحلّ والتدبير بالنسبة إلى السيّد. لكنّ الإشكالية في ذلك أنّهم مرشّحون عند السيّد لاحتلال صورة العدوّ والحليف وفي الوقت عينه. لذلك ستكون لدى السيّد مهمّتان:
– المهمة الأولى: لا تبدو مستحيلة إن كان القرار هو اتّخاذ السُنّة أعداء، كما ظهر في آخر خطابين للسيّد، عندما حدّد مَن سيكون عدوّه الجديد مع غياب إسرائيل. مرحباً بداعش وأخواتها، فاستيلادها ليس بالأمر العسير، والتوجّه شمالاً هو مسلك مَن يريد بالسُنّة الشرّ المستطير. ألم يكن الشمال المكان الذي اشتُريت فيه الشاحنة التي فُجّرت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري في ذلك الحين؟ أوليست طرابلس مرفأ قوارب الموت لتهديد أوروبا بالهجرة على حساب جثث الشعب الفقير؟
– المهمة الثانية: لا تبدو سهلة، فالتحالف مع السُنّة في حسابات السيّد ثمنه كبير. يبدأ من كلمة سواء تجمع المسلمين، وينتهي بالسؤال عن مصير مغامراته وسلاحه خارج الحدود في العواصم العربية. وفي الداخل حيث الأزقّة وبؤر التعتير. ويعني التحالف مع السُنّة الالتزام بالطائف بحذافيره، من دون تقطير. ويعني الذهاب إلى بناء الدولة القادرة على حماية كيانها وشعبها من دون مساعدة صديق. ويعني التحالف مع السُنّة أيضاً الخروج من أوهام “حلف الأقلّيّات” الذي جلب الويلات على الجميع. يدرك السيّد أن ليس من حليف في لبنان خارج السُنّة. فبعد ميشال عون وصهره ليس بين مَن بقي مِن المسيحيين مَن يجرؤ على عقد حلف جديد كهذا. أمّا ما بقي من النظام السوري فصار لا ينفع في النفير ولا في الوعيد.
هذا هو المأزق الذي يواجهه السيّد في هذه الأيام، على الرغم ممّا جناه لبنان ومعه الشيطان الأكبر أميركا وفقاً لتسمية السيّد في ملف الترسيم.
إقرأ أيضاً: السُنّة والترسيم: شكراً بشّار الأسد
مأزق السيّد هو من مآزق الميليشيات عبر التاريخ، عندما يحين وقت الاتفاق الكبير. تُخاض الحروب بالميليشيات وبالبنادق والعسكر، فيما عند النهايات تُعقد التسويات والاتفاقيات بين الدول على طاولة لا يجلس إليها غيرها. وعندئذٍ هي التي تحدّد المصائر ومَن سيدفع الثمن الباهظ الأليم.