ليس ما يثير الإستغراب، أو هكذا يفترض، في خطوة استعانة فلاديمير بوتين بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة في حربه الخاسرة التي يشنّها على أوكرانيا.
كشف اللجوء الروسي إلى المسيّرات الإيرانيّة مدى ضعف الجيش الروسي الذي فشل في إخضاع أوكرانيا. إنّها فضيحة تظهر مدى تخلّف الصناعات العسكريّة الروسيّة، خصوصا في مجال التكنولوجيا الحديثة. لم يع بوتين في أي وقت أنّ بلدا ذا إقتصاد حجمه أصغر من حجم الاقتصادي الإيطالي لا يستطيع لعب دور القوة العظمى… حتّى لو امتلك كل الصواريخ وكل القنابل النوويّة.
يعود الفشل الروسي إلى أسباب عدّة من بينها صمود الشعب الأوكراني بقيادة رئيسه فولوديمير زيلنسكي من جهة والموقع الجغرافي البالغ الأهمّية لأوكرانيا من جهة أخرى. لم يعرف الرئيس الروسي أنّ الشعب الأوكراني يرفض الوقوع مجددا تحت الوصاية الروسية، كونه تذوّق طعم الحرّية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
هبّ الحليف الإيراني لنجدة من لم يبخل عليه بالدعم، عسكريا وسياسيا، في يوم من الأيام. ليس ما يدلّ على مدى التنسيق الإيراني – الروسي أكثر من إنضمام روسيا إلى الحرب على الشعب السوري في وقت كان نظام بشّار الأسد والمناطق العلويّة في خطر شديد خريف العام 2015. كانت زيارة قام بها قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني لموسكو كافية كي تتدخل روسيا بشكل مباشر في سوريا. أرسلت روسيا في مثل هذه الأيّام، قبل سبع سنوات، قاذفات قنابل إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية. إنضمت هذه القاذفات إلى الحرب على الشعب السوري وقصفت، بين ما قصفته، المدن والقرى والمدارس والمستشفيات من أجل منع سقوط الساحل السوري في وقت كانت الميليشيات التابعة لإيران تساعد الأسد الإبن في فكّ الحصار عن دمشق.
ما نشهده حالياً ليس سوى رهانات غريبة وتقديرات خاطئة. يدفع الغرب الأوروبي والأميركي ثمن هذه الرهانات والتقديرات
قبل ذلك، في آب – أغسطس 2013، لعب بوتين كلّ الأدوار المطلوب منه لعبها كي يتفادى رئيس النظام السوري أي عقوبات أميركيّة نتيجة استخدامه السلاح الكيميائي في حربه على السوريين في غوطة دمشق.
دفع الغرب ثمن سذاجته وثمن تغاضيه عن الجرائم الروسيّة والإيرانيّة في سوريا. بالنسبة إليه، لم يعد مسموحا لبوتين تحقيق إنتصار في أوكرانيا نظرا إلى أنّها في أوروبا وأن سقوطها يعني سقوط دول أخرى، من بينها بولندا ورومانيا، تحت الهيمنة الروسية..
رد الإتحاد الأوروبي على بيع إيران روسيا طائرات مسيّرة، استخدمت في ضرب مواقع مختلفة في أوكرانيا. فرض عقوبات جديدة على “الجمهوريّة الإسلاميّة”. لن يكون من تأثير كبير لهذه العقوبات، لا لشيء سوى لأنّ العلاقة بين روسيا و”الجمهوريّة الإسلاميّة” ممثلة بـ”الحرس الثوري” أعمق بكثير مما يعتقده الغرب. هذه العلاقة ليست وليدة البارحة. ثمّة من يقول أنّها علاقة مستمرّة منذ نجاح “الثورة الإسلاميّة” في العام 1979 في قلب نظام الشاه الذي كان في أيّام الحرب الباردة حليفا للولايات المتحدة وللغرب عموما.
ظهر ذلك جليّا من خلال التفجيرات التي نفذتها واجهات لـ”الحرس الثوري” في لبنان بدءا بتفجير مقر السفارة الأميركية في بيروت في نيسان – ابريل 1983 ثمّ مقرّ المارينز قرب مطار العاصمة اللبنانيّة في تشرين الأوّل – أكتوبر من السنة نفسها. في اليوم ذاته لتفجير مقر المارينز، الذي أوقع ما يزيد على 250 فتيلا أميركيا، فجّر إنتحاري مقر القوة الفرنسيّة التي كانت مرابطة في لبنان في إطار القوة المتعددة الجنسية. قتل 58 عسكريا فرنسيا وقتذاك. كانت القوّة المتعدّدة الجنسيّة أرسلت إلى لبنان في اعقاب الإجتياح الإسرائيلي صيف العام 1982 وكانت تضم اميركيين وفرنسيين وبريطانيين وإيطاليين. نجحت هذه التفجيرات في جعل أميركا تنسحب من لبنان. شكلت منعطفا على طريق صعود “حزب الله” وصولا إلى وضع يده بشكل تدريجي على مؤسسات الدولة اللبنانية، كما الحال الآن.
لا يزال السؤال الذي يطرح نفسه: كيف كان ممكنا في يوم محدد من شهر نيسان – ابريل 1983 أن يوجد من يفجر السفارة الأميركية، على شاطئ حيّ عين المريسة والقريبة من الجامعة الأميركية في وقت كان يعقد اجتماع لمسؤولي محطات وكالة الإستخبارات المركزية الأميركيّة (سي. آي. إي) في المنطقة؟
من وفّر المعلومات التي تشير إلى وجود كلّ هذا العدد من ضباط الـ”سي. آي. إي” في مكان واحد في توقيت محدد بدقة؟ هل يمكن أن تكون مثل هذه العمليّة بعيدة عن الإستخبارات السوفياتيّة التي كانت تعرف بـ”كي. جي. بي”؟ كان بين الذين قتلوا في تفجير السفارة بوب إيمز أحد أهم رجالات الـ”سي. آي.إي” في المنطقة. كان إيمز أول من أقام اتصالا مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر “أبو حسن سلامة” الذي كان بمثابة الطفل المدلل لياسر عرفات.
يُفترض في الغرب ألّا يتفاجأ عندما تستخدم روسيا مسيّرات إيرانيّة في حرب أوكرانيا. تبدو العلاقة بين طهران وموسكو علاقة عضوية مثل العلاقة بين نظام بشّار الأسد وبشار نفسه من جهة و”الحرس الثوري” الإيراني ومتفرعاته من جهة أخرى.
تغيّر العالم في ضوء الحرب الأوكرانيّة. ما لم يتغيّر هو النظرة الساذجة للغرب إلى إيران وشخص مثل فلاديمير بوتين على استعداد لتدمير أوروبا كلّها من أجل أن يعترف به الأميركيون كزعيم لدولة عظمى إندثرت هي الإتحاد الروسي. مؤسف أنّ هذا الغرب لم يستوعب يوما معنى العلاقة الروسيّة – الإيرانية وواقع. إنضمت “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى الحرب على الشعب الأوكراني. يدرّب “الحرس الثوري” العسكريين الروس على الطائرات المسيّرة التي لا تفرق بين هدف مدني وهدف عسكري في أوكرانيا.
إقرأ أيضاً: عن تجربة مصطفى الكاظمي
ما نشهده حاليا ليس سوى رهانات غريبة وتقديرات خاطئة. يدفع الغرب الأوروبي والأميركي ثمن هذه الرهانات والتقديرات. ثمن الرهانات الغريبة على إمكان الفصل بين روسيا وايران. ثمن التقديرات الخاطئة التي لم تأخذ في الإعتبار معنى ترك الروسي والإيراني يسحقان شعبا مثل الشعب السوري من دون حسيب أو رقيب!