لماذا على المصريّين إطفاء أنوارهم ليتدفأ الأوروبيّون؟

مدة القراءة 5 د

قد يكون اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل إنجازاً مهمّاً للبلدين، لكنّه أكثر أهميّة بالنسبة إلى أوروبا لأنّه قد يفتح موارد غاز جديدة تحتاج إليها أوروبا بشدّة لاستبدال الإمدادات من روسيا التي تعطّلت منذ غزو الأخيرة لأوكرانيا. لكن لماذا سيكون على المصريين وسكّان بعض دول الشرق الأوسط وإفريقيا خفض الاستهلاك حتى يتمكّن الأوروبيون من تشغيل التدفئة؟

دول الشرق الأوسط وإفريقيا تجلس على محيط من الغاز الطبيعي كما تؤكّد مجلّة “الإيكونوميست” في تقرير موسّع لها نُشر في عددها الأخير، وهنا خلاصته:

“في حدث نادر، اتّفقت الحكومة الإسرائيلية مع حزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية والحزب السياسي. وبعد شهور من المحادثات التي قادتها الولايات المتحدة، تمّ إنجاز صفقة ترسيم الحدود البحرية لإسرائيل مع لبنان.

لا يعني ذلك أنّ سلاماً يتحقّق في هذا العصر: على الرغم من أنّ الصفقة ترسم الحدود البحرية لإسرائيل مع لبنان، إلا أنّها لن تُنهي حالة الحرب الطويلة بينهما. لكنّها صفقة مهمّة تأتي في الوقت المناسب للغرب، لأنّها قد تفتح موارد غاز جديدة تحتاج إليها أوروبا بشدّة لاستبدال الإمدادات من روسيا التي تعطّلت منذ غزوها لأوكرانيا.

يوجد في مصر مصنعان للغاز الطبيعي المسال على ساحل البحر المتوسط. ليس لدى إسرائيل ولبنان مثل هذه المصانع. تستورد مصر الغاز من إسرائيل من أجل إعادة تصديره

الترسيم اللبناني الإسرائيلي صفقة مهمة للغرب

في المنطقة الأوسع من الشرق الأوسط، تسع من أصل 20 دولة لديها أكبر احتياطيات غاز مؤكّدة. تخطّط قطر، أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم، لزيادة إنتاجها بنسبة 43% بحلول عام 2026. وتأمل دولتا إسرائيل ولبنان أن يعني اتفاقهما البحري اكتشافات جديدة في المياه المتنازَع عليها ذات يوم. بعد ساعات فقط من إنجاز الصفقة، التقى كبار الشخصيات من شركة توتال إنيرجيز Total Energies، العملاق الفرنسي، بمسؤولين لبنانيين. بينما كانت شركة إنيرجين Energean البريطانية قد بدأت في وقت سابق من هذا الشهر إجراء اختبارات في حقل كاريش الإسرائيلي بالقرب من الحدود.

لكنّ مزيجاً من الجغرافيا السياسية وسوء الإدارة سيجعل من الصعب استغلال تلك الموارد. ومجرّد عرض المنتَج في السوق قد يكون أمراً صعباً. هناك قدرة ضئيلة على نقله من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. إنّ بناء خطّ أنابيب هو موضوع لا يزال محلّ أخذ وردّ منذ سنوات. يمكن لهذا الخطّ أن يأخذ طريقاً قصيراً شمالاً إلى تركيا حيث يتّصل عبر الأنابيب الحالية بالاتحاد الأوروبي. لكن للقيام بذلك، لا بدّ أن يعبر الأراضي القبرصية المشحونة سياسياً. يمكن أن يمتدّ أيضاً إلى اليونان، وربّما إلى إيطاليا. لكن هذا سيتطلّب إنشاء أطول خطّ أنابيب تحت البحر في العالم وسيستغرق إكماله نحو أكثر من عقد من الزمان.

حالياً، لا يزال التسييل قائماً. يوجد في مصر مصنعان للغاز الطبيعي المسال على ساحل البحر المتوسط. ليس لدى إسرائيل ولبنان مثل هذه المصانع. تستورد مصر الغاز من إسرائيل من أجل إعادة تصديره. حتى عندما تعمل بكامل طاقتها، لا تستطيع مصانع الغاز الطبيعي المسال لديها سوى توفير 2% فقط من إجمالي الطلب في أوروبا (و6% ممّا كانت تستورده من روسيا). كلّ زيادة في القدرة ستستغرق سنوات.

تحثّ مصر الشركات على خفض الاستهلاك لتوفير الغاز للتصدير، وقد أثارت هذه الإجراءات غضب بعض المصريين

تكافح دول أخرى من أجل زيادة إنتاجها. وستستفيد الجزائر، ثالث مورّد للغاز في أوروبا، من عائدات قياسية هذا العام. تتوقّع “سوناتراك”، عملاق النفط والغاز المملوك للدولة، أن تكسب 50 مليار دولار من صادرات الطاقة، بزيادة 35 مليار دولار عن العام الماضي. تأتي هذه المكاسب غير المتوقّعة من ارتفاع الأسعار وليس من زيادة الإنتاج. وقّعت “سوناتراك” عقوداً كبيرة مع شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط لزيادة طاقتها الإنتاجية، لكنّ العديد من مشاريعها الكبيرة لن يتمّ تشغيلها قبل عام 2024.

 

أرباح الدول من ارتفاع الاسعار وليس من زيادة الانتاج

تنتج آبار النفط العراقية الكثير من الغاز الطبيعي، لكنّها تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لمعالجته. ما يقرب من نصف هذه الآبار مشتعل. في عام 2020، أحرقت البلاد ما يقرب من 18 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل حوالي 5% من الاستهلاك السنوي لأوروبا. يقدّر باحثون في جامعة كولومبيا أنّ الغاز المشتعل في شمال إفريقيا وحدها يمكن أن يحلّ محلّ 15% من واردات أوروبا من روسيا بشرط أن يتمّ التقاطه من مصادره.

لكن ربّما يكون التحدّي الأكبر للصادرات هو الارتفاع المفاجئ في الطلب المحلّي على الغاز. في مصر، على سبيل المثال، ارتفع الطلب على الغاز بنسبة 35% منذ عام 2015. يحتاج عدد السكّان السريع النمو، الذي وصل إلى 104 ملايين نسمة في أيلول، يُضاف إليهم مليون نسمة كلّ سبعة أشهر، إلى المزيد من الكهرباء من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز. هذا وتحثّ الحكومة سائقي السيارات على تبديل الوقود: اليوم يعمل العديد من سيارات الأجرة البيضاء المنتشرة في كلّ مكان في القاهرة بالغاز الطبيعي المضغوط بدلاً من البنزين.

إقرأ أيضاً: أزمة الغاز في أوروبا ليست مثل “حبّة الخردل”

هنا أيضاً، تتّخذ الحكومات إجراءات متأخّرة. تقوم الجزائر بتركيب محطات جديدة لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز ذي الدورة المركّبة، ويمكن أن تنتج حوالي 50% أكثر من الكهرباء من الكميّة نفسها من الوقود. تقدّر الهيئة التنظيمية الوطنية أنّها ستشكل 55% من السعة المركّبة بحلول عام 2028، مقارنة بـ 23% في عام 2018.

في غضون ذلك، تحثّ مصر الشركات على خفض الاستهلاك لتوفير الغاز للتصدير، وقد “أثارت هذه الإجراءات غضب بعض المصريين الذين يتذمّرون من أن يُطلب منهم إطفاء أنوارهم حتى يتمكّن الأوروبيون من تشغيل التدفئة”.

مواضيع ذات صلة

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…