…”سمّوك مسحراتي ورمضان خُلِصْ”، بتلك الكلمات توجّه نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون قبل أيام من نهاية ولاية الأخير ومغادرته قصر بعبدا.
حساسية هذا الكلام أنّ مصدره شخص من قُماشة إيلي الفرزلي الذي حمل صليب ميشال عون مع ستّة من رفاقه حتى وصل الجنرال إلى قصر بعبدا، ثمّ ابتكر القانون الأرثوذكسي ممهّداً الطريق للقانون الانتخابي الحالي الموصوف بقانون الحماية الانتخابية لجبران باسيل، ثمّ وجد نفسه بعد كلّ ما فعل بعيداً عن القصر وسيّده، وانتقل من كونه عرّاباً للعهد إلى مشاكس منتقدٍ له بكلّ قسوة ومن دون تردّد.
في حوار مع “أساس” اختصر الرئيس الفرزلي عهد ميشال عون بأنّه عهد القضاء على اتفاق الطائف ودكّ الدستور، فقال: “العمل المستمرّ اليومي والدقيق من قبل الرئيس ميشال عون والفريق المساعد، منذ 2016 حتى يومنا هذا، هو ضرب للدستور. ليس هناك من عمل واحد حصل يخدم بقاء ما يُسمّى الصيغة في لبنان. جاء هذا العهد بتوافق وطني لا مثيل له بعد الاستقلال في الـ43. فالشيعة كلّهم، طبعاً إلّا الرئيس بري الذي كان ضدّ الانتخاب تقنيّاً، ونيابياً، وسلطوياً. كذلك السُنّة عبر سعد الحريري أيّدوا، والمسيحيّون كانوا في حالة إجماعٍ استثنائيّ لم يشهده تاريخهم على رئيس الجمهوريّة، وكذلك الدّروز عبر وليد جنبلاط. كان عون يملك الشّرعيّة الدستورية والشعبية لصياغة اتفاق وطني عميق وحقيقي، وبناء دولة حقيقية. لكنّ الواقع يقول إنّه لم يقُم بخطوة أو مبادرة واحدة لخدمة الطائف، وكان العنوان الرئيسي هو كيفيّة الهيمنة على السلطة والإيحاء للمسيحيين بأنّ هناك إعادة إنتاج لدورهم الرئاسي، وهو أمر أضرّ بالدور المسيحيّ في النظام السياسي، عبر تبديد كلّ مقوّمات الدّستور”.
اختصر الرئيس الفرزلي عهد ميشال عون بأنّه عهد القضاء على اتفاق الطائف ودكّ الدستور
بعضٌ من مخالفات العهد
عدّد الرئيس الفرزلي بعض المخالفات الدستورية للعهد متسائلاً: هل يحقّ لرئيس الجمهوريّة تأجيل الاستشارات النّيابيّة المُلزمة شهراً كاملاً تحت عنوان “أريد أن أعرف من سيُسمّي النوّاب”، وأساس هذه النّقطة في الوثيقة الدّستوريّة لعام 1975 حيث كان الاقتراع السّرّي لتسمية رئيس الحكومة في مجلس النواب؟ كذلك اتّفقَ الجميع على تثبيت الرئاسات للموارنة والسّنّة والشّيعة. في الطّائف تحدّدَت تسمية رئيس الوزراء من خلال الاستشارات النّيابيّة الملزمة كي لا يُقال إنّ رئيس الجمهورية هو صندوق بريد. توسّعت بالتفسير في حينه بأنّ الاستشارات مُلزمة. هل يُعقل أن يصل إلى رئيس الجمهورية 70 أو 75 قانوناً ولا يُنفّذ ولو واحداً؟ ولو بنداً؟ كلّ صلاحياته وعظمتها مستمدّة من القَسَم الدستوري، فهو أقسم على حماية الدستور والحرص على تنفيذه وتنفيذ القوانين المرعيّة الإجراء والحفاظ على استقلال البلد وسيادته. هذا هو القَسَم. ومن المخالفات أيضاً أن يستقيل نوابٌ من مجلس النواب ولا تُجرى انتخابات فرعيّة. النص الدستوريّ واضح: ينبغي أن تُجرى الانتخابات خلال شهرَيْن من الاستقالة، ولكنّ شيئاً لم يحصل. يُضاف إلى ذلك امتناعه عن توقيع التشكيلات القضائيّة التي لا تزال في “الجارور”. هل يُعقَل أن تستعمل مدّعي عام جبل لبنان غادة عون ميليشيا لتكسير أبواب مؤسّسة خاصة بغضّ النظر عن براءتها أو إدانتها، وكيف تتجاوز الضابطة العدلية؟ زد على ذلك أنّها خالفت الصلاحية المكانية وانتقلت إلى بيروت لتوقيف حاكم مصرف لبنان، بغضّ النظر عمّا إذا كان مُداناً أو غير مُدان. لا شكّ أنّ هناك جهة تُريد أن تدكّ الدستور في لبنان، وميشال عون هو النّاطق الرسمي باسمها. كذلك ينظر عون إلى سلاح حزب الله نظرة عنوانها: “كيف أستثمر السّلاح لدكّ النّظام؟””.
ميشال عون هو جبران باسيل والعكس صحيح
لم يفرّق الفرزلي بين ميشال عون وجبران باسيل، بل نظر إليهما على أنّهما واحد، فقال: “ميشال عون يساوي جبران باسيل، وجبران باسيل يساوي ميشال عون، ميشال عون له علاقة بكلّ تفصيل ولم يحصل أيّ عمل من دون موافقته، فهو كبيرهم الذي علّمهم السحر”.
وتابع قائلاً: “هؤلاء الجماعة هدفهم هو “الأنا”، لاحظوا صورة المُسلّحين الذين يتوسّطهم نائب أمام مركز ميرنا الشالوحي، وهذا يعني رسالة عنوانها: “نقل السلاح العلنيّ بكلّ فجوره إلى المنطقة الشرقية ليقولوا هذا هو الواقع المُقبل علينا، نحن هنا أيضاً بقوّة السلاح”.
قرأ الرئيس الفرزلي علاقته مع ميشال عون وصهره على طريقته رافضاً أن يطلق عليه لقب عرّاب العهد
رفض الرئيس الفرزلي أن يُقال إنّ القانون الانتخابي الحالي هو ابن القانون الأرثوذكسي الذي كان وراءه وعمل عليه، فلفت إلى أنّ “القانون الحاليّ لا علاقة له بالأرثوذكسي إطلاقاً، بل هو نقيض الأرثوذكسي. القانون الحاليّ هو توزيع مغانم، ولو ساروا بالقانون الأرثوذكسي كان تغيّر وجه البلد لأنّه ينصّ على لبنان دائرة واحدة، هل في ذلك نقاش؟ هذا يعني أنّه يحفظ التّعدّديّة. كذلك يُبنى القانون على أساس النسبية لكلّ طائفة، وهذا يُنتج ديمقراطية ضمن الطوائف ويُسقِط الدّيكتاتوريّات في الطّوائف”.
هكذا دُبج القانون الإنتخابي
وعن تفاصيل ما قام به من أجل القانون الأرثوذكسي قال لـ”أساس”: “بعدما أعددت القانون عقدتُ مع حزب الله 14 اجتماعاً، لكنّ الرئيس نبيه بري وافق في أوّل 5 دقائق. ينبغي أن تتّفق مع الشّيعة قبل أيّ شيء آخر إن كنت تريد أن ينجح القانون، وهنا أتذكّر كيف نزل الرئيس نبيه برّي إلى جلسة مجلس النواب في اللجان المشتركة وصدّق القانون، وبالتزامن زرت البطريرك الماروني بشارة الرّاعي الذي كان حينذاك مُطران جُبيل في لحفد بصحبة كريم بقرادوني وجورج غانم. ثمّ جُلت على بقيّة المُطارانة الموارنة. بعد هذه الجولات، جمع المطران الراعي أقطاب الموارنة مثل سمير جعجع وميشال عون وسليمان فرنجيّة، والمطارنة ونواب الطّائفة، وحدّثهم عن القانون الأرثوذكسي، وكان أوّل من أيّده سمير جعجع إذ قال: “ما فينا نحكي بأي قانون ثاني بوجود هذا القانون”. الوحيد الذي تردّد هو ميشال عون، لأنّ هذا القانون يحرّر الروم الأرثوذكس والكاثوليك من التبعية السّياسيّة والانتخابيّة للموارنة. وكذلك سعد الحريري، الذي كان خارج البلاد يومها، استشعر بجدّيّة الأمر بعدما وافق الرّئيس برّي، لكنّ الرّئيس فؤاد السّنيورة قامَ بضغطٍ مُعاكس تجاه القانون، لأسباب غير مفهومة”.
قرأ الرئيس الفرزلي علاقته مع ميشال عون وصهره على طريقته رافضاً أن يطلق عليه لقب عرّاب العهد فقال: “وسط هذه التركيبة لا يستطيع أيّ سياسيّ مسيحي أن يتجاوز الزّعماء الموارنة، وبطبيعة الحال كُنت ألتقي بالسّياسة مع ميشال عون أكثر من سمير جعجع. وأذكر هنا أنّني كنت في حوار تلفزيوني بمواجهة ميشال عون في برنامج فيصل القاسم على قناة الجزيرة القطرية. يومها نزَعَ الميكروفون وغادر الحلقة، ووصفني بالمُتآمر. مع الوقت، نشأت علاقة بيننا وتطوّرت وشجّعت الاتفاق مع سعد الحريري. لكنّ الخلاف بيني وبينهم كان في آخر اجتماع في 30 تشرين الأول 2019 بعد الثورة. وكان الرئيس سعد الحريري زارني في مكتبي بالمجلس النّيابيّ بمبادرة منه بعد 15 سنة قطيعة، وكانت تجمعني علاقة عميقة مع والده الرّئيس رفيق الحريري، وهو يعرف ذلك، وقد قال لي: “أنا أعرف أنّ الوالد كان يحبّك كثيراً”. ثمّ تابع: “أنا فهمان القصة وعارف شو عم يصير، بس عم اشرح لك وقائع الأمور، صار يلي صار، بدنا نمحي ونرمي كل شي وراءنا، ونمشي إيد بإيد”. قبل استقالته من رئاسة الوزراء بساعة رأيته “ينط وما يقعد”، سألته: ما بك؟ قال: “عجبك؟ أرسل جبران إليّ سليم جريصاتي ليُبلغني: “جبران برّا، إنت برّا””. سألت الحريري: من هو جبران؟ قال لي: “اعتبرته وسيلة من وسائل العلاقة مع رئيس الجمهورية ويمسك بالمسيحيين ويمسك بحزب الله وأتعاطى معه كوسيط”. وكان قايم قيامته. وقال لي: أنا لم أخبر أحداً حتى لا أتعرّض لضغوط لأتراجع عن الاستقالة. من نصف ساعة اتصل بي الرئيس الفرنسي ماكرون واضطررت إلى أن أخبره بالقرار”.
إقرأ أيضاً: الفرزلي لـ”أساس”: لو كنت مسلماً لما رفضت القانون الأرثوذكسي (2/2)
القطع والقطيعة
وتابع: “جاءت الاستشارات النيابية ودخلنا على التكتّل وقلت لجبران: “يا جبران اسمع، أخرج نفسك من دائرة الاستهداف، أنا بإخلاص أقول لك هذا”. أردتُ أن أحميه كي أحافظ عليه كشخصية مارونية. نصحته بتأييد سعد الحريري والحفاظ على علاقته مع الطائفة السنّيّة، وقلت له: إذا تحلحلت الأمور على المستوى الإقليمي والدولي وانعكست وحدة وطنية بالبلد، ستكون أنت درّة التاج، وإذا اختلفوا فأنت خارج الصراع”. حينها قال أحدهم وهو نائب مُقرّب من باسيل: “كيف بدنا نتخلّص من الحريريّة؟”. هُنا وقفت وقلت له: “اسمعني جيّداً، لا مصلحتي ولا مصلحة عائلتي ولا مصلحة مسيحيّي منطقتي، ولا مصلحة منطقتي ولا مصلحة البقاع ولا مصلحة لبنان، الخلاص من سعد الحريري. هل تعرف ما هي الحريريّة؟ الحريريّة هي السُنّة من لبنان إلى إندونيسيا، وحاولتم التخلّص منها سنة 98 وكانت معكم كلّ القوى المؤيّدة لكم، جاءت انتخابات الـ2000 وضربكم رفيق الحريري مرّة ثانية”. غادرت اجتماع التكتّل، وقلت في نفسي إذا كان جبران متفقاً مع هذا الذي قال لي هذا الكلام، يعني وقعت الواقعة، وإذا لم يكن متّفقاً معه فسيتّصل، لكنّه لم يتّصل وبقيت بعيداً”.