حسم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان موقف أهل السّنة من عشاء السفارة السويسرية، أوّل أمس، حين أبلغ السفارة السويسرية أنّ النائب ابراهيم منيمنة لا يمثّل السّنة وأنّ على السفارة أن تختار نائباً من الـ24 الذين شاركوا في اجتماع دار الفتاء. فهمت السفيرة السويسرية الرسالة، وأُلغي العشاء.
أمّا داخل كتلة التغيير، فما لم تستطع الاستحقاقات أن تظهره من خلافات داخل كتلة “نواب التغيير”، تمكّنت مائدة عشاء في السفارة السويسرية أن تقذفه إلى العلن. هذه الخلافات، بحسب أوساط التغييريّين، ليست جديدة أو مستجدّة، وإنّما قد تكون “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”.
الخلاف بين منيمنة وصادق أوحى بأنّ الأخير ربّما كان مدعوّاً مثل زميله في الكتلة، لكنّه اعتذر مسبقاً وربّما قبل وصول الدعوة إليه عبر البريد الإلكتروني نتيجة موقفه الرافض والسريع عبر وسائل الإعلام
هو ليس خلافاً بين النائبين السنّيَّين البيروتيَّين وضاح صادق وإبراهيم منيمنة فحسب، وليس خلافاً وهميّاً على “زعامة وهمية” لبيروت، بل هو مجموعة خلافات بين الجميع، وبحسب كلّ استحقاق وكلّ ملفّ. لكن يبدو أنّ الخلاف بين النائبين المذكورين كان الشرارة التي أطلقت (أو ربّما ستطلق قريباً) العنان لهذا الانفجار، الذي بعثر “الدعوة السويسرية” إلى عشاء كان يفترض أن يقام ليل الثلاثاء الماضي، قبل أن تؤجّله السفارة بسبب الاعتراضات على احتمال تخصيصه لبحث تطوير اتفاق الطائف. اجتماعٌ خلّف خبر إقامته أضراراً وصلت أصداؤها إلى دوائر القرار في عواصم غربية.
قد يكون العنوان الظاهري للخلاف هو الدعوة إلى مائدة السفارة، لكن في الباطن يبدو أنّ الأمر أعمق من ذلك بكثير.
يشير الخلاف بين النائبين إلى أنّه بدأ يأخذ ما يشبه النزاع على “زعامة صغيرة” لدائرة بيروت الثانية، باعتبار أنّ هذه الدعوة موجّهة لطرف يمثّل السُنّة في كتلة التغيير هو إبراهيم منيمنة (حتى لو لم يعترف الأخير بذلك). فمواقف منيمنة الأخيرة الرافضة للقاء دار الفتوى ولعشاء السفارة السعودية، مهّدت الطريق أمام صادق وربّما غيره من النواب السُنّة، لانتقاد الدعوة الموجهة إلى منيمنة.
من هذا المنطلق قد يكون صادق اعتبر أنّه أولى بأن يمثّل الطائفة في لقاء مثل هذا، خصوصاً أنّ سلوكه يُخلف انطباعات تجعل المراقب يقرّ ضمناً بأنّه نائب بيروتي تغييري، لكنّه في الوقت نفسه مقرّب من دار الإفتاء، وحريص على العلاقة مع السعودية، ولم يقطع حبال التواصل مع “تيّار المستقبل”.
لكنّ الأمر الآخر، الذي لم يلاحظه أحد من المتابعين، هو أنّ كلّ طائفة من الطوائف الرئيسية (السنّة، الشيعة، المسيحيّين) كانت ممثّلة بعضوين في العشاء المزعوم، فعرفنا أسماء ممثّلي حركة أمل وحزب الله، والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وممثّل الدروز، لكنّ الاسم السنّيّ الثاني، بخلاف إبراهيم منيمنة، بقي مستتراً ولم يُكشف عنه نتيجة نسف العشاء سريعاً.
تشير المعلومات إلى أنّ الطرفين السويسري والسعودي تواصلا قبل أيام من أجل تذليل سوء التفاهم الذي نشأ على خلفيّة الدعوة، وقد كانت المملكة حريصة على تفسير موقفها الحقيقي لدولة سويسرا، التي أبدت في المقابل حسن نيّتها واحترامها لاتفاق الطائف
دعوة لـ”المستقبل”
الخلاف بين منيمنة وصادق أوحى بأنّ الأخير ربّما كان مدعوّاً مثل زميله في الكتلة، لكنّه اعتذر مسبقاً وربّما قبل وصول الدعوة إليه عبر البريد الإلكتروني نتيجة موقفه الرافض والسريع عبر وسائل الإعلام.
المفاجأة كانت في اسم الممثّل الثاني عن الطائفة، الذي تردد أن الهدف منه هو دعوة “تيار المستقبل”. وذلك من خلال دعوة الوزيرة ريا الحسن، التي أكدت في اتصالٍ مع “أساس” تلقيها الدعوة “كوني حصراً خبيرة اقتصادية وشغلتُ منصب وزيرة المال، وليس لأنني أنتمي إلى أي هوية سياسية”.
بعد حرص المملكة على اتفاق الطائف، الذي تجلى في حركة السفير السعودي وليد البخاري، الذي زار الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، وتأكيده على “التمسك” بالاتفاق، وصلت الأمور لاحقاً إلى إعلان السفارة السويسرية عن تأجيل العشاء الذي يُقال إنّه نُسف من أساسه.
من جهة أخرى، شنّ حزب الله أمس حملة على السفير السعودي، عبر تويتر وفيسبوك، وعلى مجموعاته الداخلية، من الواتساب وتلغرام، تحت هاشتاغ #سفير_الفتنة، بمقالاتٍ وعبارات تتّهمه بـ”منع الحوار بين اللبنانيين”، في العشاء المؤجّل إلى أجلٍ غير مسمّى.
تشير المعلومات أيضاً إلى أنّ الطرفين السويسري والسعودي تواصلا قبل أيام من أجل تذليل سوء التفاهم الذي نشأ على خلفيّة الدعوة، وقد كانت المملكة العربية السعودية حريصة على تفسير موقفها الحقيقي لدولة سويسرا، التي أبدت في المقابل حسن نيّتها واحترامها لاتفاق الطائف وحرصها على التوازنات في لبنان. بينما أظهر الجانب السعودي، بحسب المعلومات، أنّ الرسالة لم يُقصد بها الجانب السويسري، وإنّما الجهات التي قد تستغلّ حواراً كهذا من أجل تمرير تفاهماتها مع الغرب.
حبّوا بعضهم.. تركوا بعضهم
أمّا النتيجة النهائية لهذا كلّه، فكانت إقفال ملف “الحوار السويسري”. لكنّ ما تبقّى من تبعات ورواسب كانت الندوب التي أحدثها هذا الملفّ داخل كتلة “نواب التغيير”، إذ خلّفت صدعاً يصعب ردمه بعد الآن وبات ينبىء بقرب انفراط “حبل السُبحة” التي تجمع الحبّات التغييرية الـ13.
إقرأ أيضاً: وسام الحسن البقيّة الباقية من الأمن
كان الخوف من ردود أفعال الناخبين هو الكابح الدائم لإظهار تلك الخلافات في العلن، واستمرّ الوضع على هذا الحال إلى أن صارت “وحدة الكتلة” لدى النواب الـ13 هدفاً بذاته على حساب الطروحات والأفكار. فبدأنا نشهد الانحدار في الخيارات السياسية إلى ما هو دون المستوى بحجّة إرضاء الجميع والحفاظ على التماسك. وتقول المصادر إنّ التكتّل انقسم فعلياً وإعلان “فسخ الخطوبة” التي لم تطُل أكثر من أشهر قليلة بات قريباً، وبدأها النائب ميشال الدويهي في بيان انسحابه من التكتل أمس.