في عام 1950 نشبت الحرب في كوريا. وقفت الصين إلى جانب كوريا الشمالية. ووقفت الولايات المتحدة إلى جانب كوريا الجنوبية.
في عام 1953 وقّعت الأطراف الأربعة على هدنة شاملة. نصّت اتفاقية الهدنة التي أقرّتها الأمم المتحدة على تجريد كوريا بشطرَيْها الجنوبي والشمالي من الأسلحة النووية. ونصّت على التزام الشطرين معاً بعدم إدخال أنواع جديدة من الأسلحة والذخيرة. والتزم بذلك طرفا النزاع أميركا وكوريا الجنوبية من جهة، والصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى. وعُهد إلى الأمم المتحدة مسؤولية المراقبة والتفتيش تنفيذاً لهذا الاتفاق.
أميركا تخرق الاتفاق
في عام 1958 خرقت الولايات المتحدة هذه الاتفاقية سرّاً بقرار اتّخذه الرئيس الجنرال دوايت آيزنهاور في ذلك الوقت.
وفي عام 1960 نقلت الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية 900 قنبلة مدفعية نووية، ومجموعة من القنابل النووية التكتيكية، وكميّة كبيرة من الصواريخ المضادّة للطائرات، وألغاماً أرضيّة نووية. وقد كانت كلّ هذه الأسلحة محظورة بموجب اتفاقية الهدنة.
في عام 1958 خرقت الولايات المتحدة هذه الاتفاقية سرّاً بقرار اتّخذه الرئيس الجنرال دوايت آيزنهاور في ذلك الوقت
عرفت كوريا الشمالية بالأمر، ومنذ ذلك الوقت فقدت الثقة بالولايات المتحدة وانصرفت إلى تطوير برنامجها النووي.
في عام 1991 بادرت الولايات المتحدة إلى سحب معظم ترسانتها النووية من كوريا الجنوبية، لكن من دون أن ترفع مظلّتها النووية عنها. شجّع ذلك كيم جون أون على متابعة مسيرة والده، ومن قبله جدّه، وأصبح الآن يملك ترسانة نووية متكاملة من صواريخ عابرة للقارّات قادرة على حمل رؤوس نووية، وتمكّن من إنتاج القنبلة “الهيدروجينيّة”.
من هنا السؤال: لماذا قرّر الرئيس آيزنهاور انتهاك معاهدة الهدنة ووضع كوريا الجنوبية تحت المظلّة النووية للولايات المتحدة؟
تكشف الوثائق الرسمية، التي سُمح بالكشف عنها مع مرور الوقت، أنّ إدارة الرئيس آيزنهاور كانت تخشى أمرين متكاملين:
– الأمر الأول هو ارتفاع نفقات الدفاع عن أمن كوريا الجنوبية. وكانت النظرية تقول إنّ الاعتماد على القوة النووية يخفّف من عدد القوات، وتالياً من الأعباء المالية.
– الأمر الثاني هو تنامي القوة الصينية – الكورية الشمالية. وهو أمر لا يمكن مواجهته إلا بالقوّة النووية الرادعة.
في ذلك الوقت كانت الإدارة الأميركية تنفق على تمويل قواتها في المنطقة الكورية 650 مليون دولار في العام.
تسريب السلاح النووي ونشره
تكشف الوثائق أنّه عُقد لقاء سرّي في وزارة الدفاع الأميركية في 28 تشرين الثاني 1956 بين كبار مسؤولي وزارتَيْ الخارجية والدفاع. وكان عنوان اللقاء: مقترحات دفاعية للموافقة على إدخال “أونست جون”، وهي الاسم الرمزي لقاذفة نووية، إضافة إلى مدفعية 280 ميلّيمتراً، إلى كوريا الجنوبية.
يومذاك، كما تكشف الوثائق أيضاً، حذّر ممثّل وزارة الخارجية الأميركية، وكان يُدعى هيرمان فليجر، من أنّ ذلك يشكّل خرقاً لمعاهدة الهدنة، وأنّ الدبلوماسية الأميركية لن تتمكّن من تبريره. وحذّر من أنّ إدخال هذه الأسلحة ذات القدرات النووية من شأنه أن يُحدث حالة من عدم التوازن تنتهك روح المعاهدة الدولية، وخاصة “أنّنا لا نملك أيّ معلومات عن إدخال كوريا الشمالية أيّ نوع من هذه الأسلحة”.
غير أنّه كان لوزارة الدفاع رأي آخر. وهو الرأي الذي فُرض في نهاية الأمر. وقام ذلك الرأي على أساس أنّ إدخال هذه الأسلحة الحديثة ضروريّ جدّاً لضمان كبح جماح طموحات كوريا الشمالية.
أنهى الاجتماع، الذي عُقد في 13 حزيران من عام 1957، الجنرال آرثر رادفورد، رئيس أركان القوات الأميركية في ذلك الوقت، بالتأكيد أنّ الدفاع عن كوريا الشمالية ليس ممكناً من غير الاعتماد على السلاح النووي.
إقرأ أيضاً: خطر الصراع النّوويّ.. النجاة بالسياسة
عندما رُفع التقرير النهائي إلى الرئيس آيزنهاور، لم يتردّد في الموافقة عليه. وهكذا خرجت الكوريّتان من حرب تقليدية استمرّت ثلاث سنوات، ودخلتا في سباق تسلّح نووي حتى وصلتا إلى ما وصلتا إليه اليوم.. قنبلة نووية موقوتة تهدّد الأمن والسلام في الشرق الأقصى.
لم يستطع رئيسان على شاكلة دونالد ترامب وكيم جون أون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من جديد عن طريق الدبلوماسية الشخصية. فهل يستطيع الرئيسان كيم وبايدن معالجتها بالتي كانت هي الداء؟