طَغت الدعوة إلى الحوار التي وجّهها الرئيس نبيه برّي إلى القيادات السياسية بعد انتهاء ولاية ميشال عون على المشهد الرئاسي المُملّ لأنّها شكّلت الإشارة الأوضح إلى الفراغ الذي تكفّلت جلسة يوم أمس بتعبيد الأمتار الأخيرة نحو “قَصرِه”.
حتى مسخرة إكمال النصاب ثمّ “تطييره”، بعد جلسة 13 تشرين التي أُفقِد نصابها عمداً، لم تضِف منكّهات رئاسية إلى طبخة لم يحِن أوان استوائها بعد باستثناء اقتحام ميلاد أبو ملهب و”الدكتاتور العادل” حلبة الفوضى الرئاسية.
حدثت تغييرات طفيفة بين نصاب جلسة 29 أيلول وجلسة أمس التي ارتفع فيها “سكور” النائب ميشال معوّض من 36 إلى 42 بهمّة ستّة نواب فتحوا على حسابهم، ومن ضمنهم نواب من التغييريين ومستقلّون.
في المقابل انخفضت كوتا الأوراق البيضاء العائدة لأمل وحزب الله والتيار الوطني الحر من 63 إلى 55 مع حفاظ فريق “لبنان”، الذي غيّر اسمه إلى “لبنان الجديد”، على “سكور” العشرة أصوات، فيما غاب ترشيح سليم إده وانخفض عدد الأوراق الملغاة من 12 إلى أربعة.
طَغت الدعوة إلى الحوار التي وجّهها الرئيس نبيه برّي إلى القيادات السياسية بعد انتهاء ولاية ميشال عون على المشهد الرئاسي المُملّ لأنّها شكّلت الإشارة الأوضح إلى الفراغ الذي تكفّلت جلسة يوم أمس بتعبيد الأمتار الأخيرة نحو “قَصرِه”
“ميوعة” نيابية
لن تخرج جلسة الإثنين المقبل التي دعا إليها برّي عن إطار “المياعة” النيابية التي تكرّست من خلال إطلاق نكات سخيفة أمس لا تتناسب مع مصيرية اللحظة. بدت لدى النواب قدرة فائقة، بإيعاز من مرجعيّاتهم، على إفقاد جلسة الـ 119 نائباً الحاضرين قدرة رسم الملامح الأوّلية للرئيس المقبل، ثمّ تطيير النصاب، بشراكة مع نواب حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر، ليستقرّ العدد على 77 نائباً في الدورة الثانية. حتى إنّ النائب حسن فضل الله وَصَف الجلسة بـ”الأمر الطبيعي، والمطلوب تزخيم اللقاءات من أجل الوصول إلى التوافق”.
في الوقائع، أجّل نواب قوى التغيير المنقسمون على أنفسهم مع نائبَيْ صيدا عبد الرحمن البزري وأسامة سعد معركة خوض الاستحقاق بمرشّح آخر. وكان سعد أكّد أمس أنّ “التريّث بترشيحه أتى بناء على طلبه بانتظار التوافق”، وهو وفق معلومات “أساس” الوزير السابق ناصيف حتي. وقد جيّر التغييريون أصواتهم لبلوك “لبنان الجديد”. وكرّست الجلسة عدم تلاقي التغييريّين مع داعمي معوّض من القوات والكتائب و”الاشتراكي”، ومع المعارضين بالمفرّق، على اسم موحّد حتى الآن. وهو معسكر لو توحّد فسيكون قادراً على إيصال رئيس بأكثرية 65 صوتاً.
مطرقة الجلسات بيد برّي
حسم أمس الرئيس برّي عدم أخذه بمنطق “الالتئام الحكمي” لمجلس النواب لانتخاب الرئيس في العشرة أيام الأخيرة، قائلاً للنواب: “لن تداوموا ولن تناموا هنا”.
يعتبر برّي أنّه استخدم صلاحيّاته في المادة 73 من الدستور، عبر توجيه الدعوة إلى جلسة الانتخاب ثلاث مرّات في 29 أيلول و13 ثمّ 20 تشرين الأول، وبالتالي تسقط إلزامية الاجتماع الحكمي، حيث يعود له، كما تقول أوساطه، توجيه الدعوات حين يرى ذلك مناسباً. (تنصّ المادة 73 على الآتي: قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنّه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجَل انتهاء ولاية الرئيس).
لكنّ الأمر اللافت كان في تأكيد برّي يوم الخميس لجريدة “الشرق الأوسط” أن “لا شيء يمنع منح الثقة لأيّ حكومة يتمّ تأليفها، فأنا قمتُ بواجبي، ودعوت المجلس للانتخاب، وأنوي الدعوة إلى جلسات متقاربة في حال فشلت الجلسة الأخيرة”.
تفيد معطيات “أساس” أنّ الحراك الحكومي الأخير الذي شكّل لولبه حزب الله واللواء عباس إبراهيم انطلق من قاعدة أنّه في حال تمّ التوافق على الحكومة يُصدر رئيس الجمهورية مراسيم قبول استقالة الحكومة الحالية ومراسيم الحكومة الجديدة ربّما قبل ساعات من مغادرته القصر الجمهوري، على أن تمثل الحكومة أمام مجلس النواب بعد 31 تشرين الأول، إذ يزمع برّي، وفق أوساطه، الدعوة إلى جلسات تشريعية، فكيف بالأحرى الدعوة إلى جلسة الثقة الجائزة في ظلّ عدم وجود رئيس جمهورية.
حسم أمس الرئيس برّي عدم أخذه بمنطق “الالتئام الحكمي” لمجلس النواب لانتخاب الرئيس في العشرة أيام الأخيرة، قائلاً للنواب: “لن تداوموا ولن تناموا هنا”
باسيل: لا لجوزف عون
تحت سقف الفيتو الباسيليّ “الرسمي” حيال ترشيح سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون انعقدت جلسة الـ “لا رئيس” بنسختها الثالثة.
صحيح أن لا علاقة مباشرة لرأي باسيل في الـ”ديو” الرئاسي بحسابات الجلسة الثالثة الفاشلة لأنّ مفاوضات التوافق على اسم الرئيس لم تُدشّن جدّياً بعد، إلا أنّ أهميّة ما أعلنه باسيل على المحطة القطرية “الجزيرة” يتمحور حول أمرين:
1- نعي باسيل المُكرّر لاحتمال السير بخيار فرنجية، فيما أوساطه تجزم أنّ “ترشيح رئيس تيار المردة سقط كليّاً، وحزب الله بات بحكم المُستسلِم لهذا الواقع بعدما أفهمه باسيل مواربة أنّ السير بفرنجية يشكّل طعنة في صدر ميشال عون”. لكن بالتأكيد ليس هذا هو الرأي المسموع في محيط حزب الله من قياداته نزولاً إلى “سفرائه” على الشاشات من إعلاميين وأصدقاء وناشطين.
2- إعلان باسيل للمرّة الأولى ما يُمكن أن يُشكّل مادّة للسجال السياسي ربّما حتى بين التيار وحزب الله. إذ ربط باسيل رفضه إجراء تعديل دستوري لانتخاب قائد الجيش بمرحلتَيْ “قبل وبعد” الشغور الرئاسي.
ففيما تسلِّم العديد من القوى السياسية، وعلى رأسها نبيه برّي، بأنّ حلول الشغور الرئاسي يُعفي مجلس النواب من التعديل الدستوري الذي يتيح وصول موظف فئة أولى إلى قصر بعبدا (حالة انتخاب ميشال سليمان)، فقد وَصَف باسيل هذا المخرج بـ “الهرطقة الدستورية، وإذا كانت هناك سوابق خاطئة فهذا لا يعني وجوب تكرارها”.
ما سلف قصد منه باسيل رفع البطاقة الحمراء بوجه جوزف عون ورفض أيّ تسوية تتيح انتخابه رئيساً للجمهورية لا الآن ولا في أيّ وقت، مع العلم أنّه الاسم الأكثر جدّيّة في سوق تداول الترشيحات الرئاسية، بينما يتجنّب حزب الله بشكل واضح الإدلاء بأيّ موقف سلبي حياله مكتفياً بعموميّات المواصفات وآخرها “أن يكون الرئيس حامياً ومقدّراً للمقاومة، غير خاضع للتوجّهات الخارجية، ويحظى بالمقبوليّة لدى بقيّة الكتل”.
شويري إلى أمن الدولة
نَزَع باسيل عمليّاً أيّ مشروعية سياسية وقانونية لانتخاب جوزف عون مُسخّفاً أيضاً معادلة “ذهاب البلد إلى فوضى أمنيّة، وهو ما يعني وجوب إمساك الوضع أمنيّاً من خلال أحد القادة الأمنيين، فعندما يُصبح هذا الشخص رئيساً لا تعود لديه الصفة الأمنيّة”، قائلاً: “يجب أن نعتاد أنّ المواقع المارونية كقيادة الجيش وحاكميّة المركزي ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء يجب أن لا تكون محطّة للقفز نحو الرئاسة”.
ذهب باسيل أبعد من ذلك بكثير بكباشه مع قائد الجيش، مع العلم أنّ البعض يعتبر هذه الإجراءات بديهية في مرحلة الانتقال الرئاسي. فبعدما كشف “أساس” عن ترتيبات أمنيّة يجريها رئيس التيار الوطني الحر قبل نهاية ولاية ميشال عون، خصوصاً بعد تسلّم قيادة الجيش الإمرة على الحرس الجمهوري عند الفراغ الرئاسي، علِم موقعنا أنّ باسيل أمّن انتقال قائد الكتيبة الثانية في الحرس الجمهوري العقيد جورج شويري إلى أمن الدولة من ضمن مرسوم جمهوري وقّعه رئيس الجمهورية يوم الأربعاء شمل تسعة ضباط من ضمنهم شويري، وسبق ذلك نقل الرائد غسان جرجس من الحرس الجمهوري من نحو ثمانية أشهر إلى أمن الدولة، وقد وُضع بتصرّف رئيس الجمهورية.
إقرأ أيضاً: باسيل يسابق الوقت في الأمن والسياسة
يحتاج المرسوم إلى نحو 15 يوماً للتنفيذ، إذ يمرّ إلزاماً بقيادة الجيش فيصفّي هؤلاء الضباط حقوقهم المادّية تمهيداً لالتحاقهم بمركز خدمتهم في أمن الدولة. ويعود لقيادة أمن الدولة إجراء تشكيلات ضمن الجهاز حيث يتقرّر لاحقاً موقع شويري، الضابط رقم واحد عند باسيل، في مركز خدمته الجديد. ومعروف أنّ مجلس القيادة في جهاز أمن الدولة يتألّف من المدير العام (اللواء طوني صليبا) ونائبه (العميد حسن شقير). ووفق المعلومات، قد يكون شويري على رأس الضبّاط “المفروزين” إلى جانب رئيس الجمهورية “السابق” ميشال عون.
وكان “أساس” كشف أيضاً في وقت سابق أنّ العقيد شويري المحسوب على باسيل، والذي كان يتمتّع بنفوذ داخل القصر الجمهوري، شكّل أحد أسباب طلب قائد الحرس الجمهوري العميد بسام الحلو إجازة مرضية لمدّة نحو ثلاثة أشهر تنتهي مع مغادرة ميشال عون.