هناك 6 شائعات مضلّلة سوّقها لبنانيون، وحفروها في وعي اللبنانيين والرأي العام، تتهم سياسة المملكة العربية السعودية بما لم تقرّره ولم تمارسه وليس موجوداً.
لذا نحتاج إلى إعادة قراءة وتقييم رؤية السعودية للبنان، وإلى الخروج من الإطار التقليدي قليلاً، خارج المواقف المعلّبة. ولا ضير من الاستعانة بجهات غير لبنانية للمساعدة في فهم الرؤية التي تُستمَدّ من رؤية السعودية 2030، وتقوم على إعادة تجديد مفهوم العلاقات بين الدول والجماعات بعيداً عن الحسابات الملّيّة أو الطائفية أو المذهبية، والتركيز على العلاقات بين الدول.
يشكو مصدر دبلوماسي عربي من “سوء القراءة اللبنانية للموقف السعودي”. وهذا يُسهم في تكريس وجهة نظر تتخلّلها فخاخ نُصبت لكثيرين. وقد وقعوا فيها كحال السُنّة الذين نجح خصومهم وخصوم المملكة في جعلهم يرون أنفسهم طائفة مستضعَفة وينطلقون في طروحاتهم من مبدأ المظلومية. لكن هذا المبدأ لطالما استخدمته تاريخياً جماعات أقلّوية في سبيل استعطاف الخارج وكسب الدور وتحقيق الأثر.
يشكو مصدر دبلوماسي عربي من “سوء القراءة اللبنانية للموقف السعودي”. وهذا يُسهم في تكريس وجهة نظر تتخلّلها فخاخ نُصبت لكثيرين
السرديات الخاطئة
وعليه فلنعدّد السرديّات اللبنانية المتقاربة ومكامن الخطأ فيها، كي نستطيع توضيحها:
أولاً، وجهة النظر التي تقول إنّ السعودية تخلّت عن لبنان وأدارت الظهر له.
ثانياً، محاولة تكريس قناعة بأنّ السعودية تشارك في حصار لبنان إلى حين الذهاب إلى اتفاق سياسي وإنجاز تسوية سياسية بشروطها.
ثالثاً، ارتباط الإجراءات السعودية التي أوقفت الصادرات اللبنانية إلى المملكة بهذا الحصار، وانفصالها عن ملفّ تهريب المخدّرات وعدم ضبط الحدود.
رابعاً، عدم اهتمام السعودية بالبيئة السنّيّة، إذ لا تعمل على شدّ عضدها وتقديم الدعم والمساعدات لها، بخلاف ما تعمل عليه جهات أخرى كإيران في رعاية حزب الله، والفاتيكان في رعاية المسيحيين وغيرهم.
خامساً، محاولة السعودية إلحاق السُنّة بسمير جعجع وجعل جهة مسيحية تقودهم.
سادساً، تريد السعودية التخلّي عن لبنان في المرحلة المقبلة، وستكون مغيّبة نتيجة التطوّرات الإقليمية والدولية، لمبادلة لبنان باليمن، حديقتها الخلفية التي تعنيها بشكل مباشر.
هذه النقاط المتداولة بين اللبنانيين والسياسيين رصدتها السعودية، ودرستها عميقاً. إلا أنّ ذلك لا يخفي بعض الحسرة السعودية والعربية من الوقوع اللبناني في مثل هذه الفِخاخ، خاصة أنّ غايتها ترتبط بمحاولة جعل السُنّة ينظرون إلى أنفسهم كمستضعفين. وبالتالي تحويلهم إلى طائفة تتعاطى شؤونها الضيّقة على غرار الآخرين. وهذا ما يقضي على دورهم التاريخي في بناء الدولة وحمايتها والحفاظ عليها.
هناك سوء فهم في مقاربة التعاطي السعودي مع الواقع السياسي في لبنان
ضلال أو تضليل
يستسهل المصدر العربي الردّ على هذه النقاط، ويقول إنّ وجهات النظر اللبنانية مبنيّة إمّا على رأي “مضلِّل أو مُضلَّل”:
أوّلاً، لو كانت السعودية تخلّت عن لبنان وأدارت له الظهر، لَما كانت دبلوماسيّتها تعمل بقوّة على تكوين رأي عامّ لبناني وعالمي يحافظ على الدولة اللبنانية ومرتكزاتها تحت سقف القانون الدولي والمقرّرات الدولية، ولا سيّما مقرّرات الأمم المتحدة واتفاق الطائف، ولما جهدت في توفير غطاء أوروبي ودولي للطائف، بالبيان الثلاثي، الأميركي الفرنسي السعودي من نيويورك قبل أسابيع.
ثانياً، هناك سوء فهم في مقاربة التعاطي السعودي مع الواقع السياسي في لبنان. خاصة أنّ السعودية لا تزال ملتزمة “الأمن القومي العربي”. وهي الحريصة على هذا العمق العربي، ولا يمكنها الدخول في مسألة حصار لتحقيق أهداف سياسية. أما العطب السياسي المصاب به لبنان فيضرّ باللبنانيين ويعزلهم عن المجتمعَيْن العربي والدولي. وفي ما يتعلّق بالاتفاقات السياسية فإنّ الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان أدخلته في مشكلة مع كلّ الدول لا مع المملكة فقط، والمجتمع الدولي كلّه يطالب لبنان بإصلاحات سياسية واقتصادية.
ثالثاً، لا يمكن اعتبار السعودية شريكة في حصار لبنان بسبب قرارات تتعلّق بحماية أمنها القومي. فهي تطالب بضبط الحدود لحماية اللبنانيين والسعوديين معاً. وعمليات تهريب المخدّرات أو غير المخدّرات، كالمحروقات والطحين وغيرهما، إلى خارج لبنان، تستهدف اللبنانيين وتجويف مرتكزات المجتمع اللبناني وتسهم في تغذية مشاريع سياسية فئوية على حساب اللبنانيين وفي استنزاف احتياطات أموالهم.
رابعاً، هناك مخاطر حقيقية في الاعتقاد بأنّ السعودية تتخلّى عن السُنّة ولا تقدّم الدعم لهم، لأنّ هذا يؤدّي إلى تكريس وجهة نظر غايتها جعل السُنّة طائفة تتعاطى بمنطق التحاصص والبحث عن رعاية خارجية لها فقط. وهذا يحقق هدفاً استراتيجياً لخصوم لبنان والعرب في تشتيت البيئة اللبنانية إلى طوائف متعدّدة تبحث عن قوّتها على حساب الدولة. خصوصاً أنّ المشروع الإيراني أو أيّ مشروع آخر هدفه تقويض الدولة في لبنان. ويبدأ مسار تقويض الدولة باستهداف السُنّة الذين هم عماد هذه الدولة. فالسعودية تقدّم الدعم للمؤسّسات بمختلف توجّهاتها. والغاية من وراء ذلك إبقاء كيان الدولة قائماً. ومن يقُل غير ذلك لا يفقه رؤية 2030 التي ترتكز على التعاطي من دولة إلى دولة. إلى ذلك يتمتّع السُنّة بحيويّة قادرة على تجديد أنفسهم والخروج برؤى جديدة تبقيهم في دائرة الريادة والتأثير.
خامساً، تبقى المشكلة الكبرى في ما يقوله البعض من أنّ السعودية تريد إعطاء قيادة السُنّة لسمير جعجع. وهذا ينطوي على استهزاء السُنّة بأنفسهم، واستسلام لنوع من عدم القيام بدورهم، وتحوّلهم إلى اتّكاليين. والأهمّ هو أن يعملوا على التكامل مع المسيحيين والقوى الأخرى ذات التوجّه السيادي والعروبي لينجحوا في استقطاب كلّ اللبنانيين إلى العروبة وعدم إبعاد لبنان إلى مجالات أقلّوية أو طائفية.
تثبيت الطائف
سادساً والأهمّ، انعدام أيّ منطق للكلام الذي يقول إنّ التسويات والصفقات الدولية ستكون على حساب لبنان، وإنّ السعودية ستتخلّى عن لبنان مقابل ملفّات أخرى. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تغريدة واحدة كانت كفيلة بضرب مؤتمر كان يسعى إلى تغيير اتفاق الطائف. وقد أسهمت السعودية في وضع الأسس السياسية للمرحلة المقبلة في لبنان التي لا يمكن تجاوزها. خاصة أنّها منبثقة عن قرارات دولية، وهذه لن يقدر أحد على الالتفاف عليها أو إلغائها. وعليه لا يمكن للبنان أن يدخل في أيّ تسوية أو عملية إصلاح إذا بقي بعيداً عن العرب. والسبب أنّهم عمقه الأساسي والمتنفّس الوحيد ليخرج من أزمته الماليّة.
إقرأ أيضاً: اتّفاق الطائف: الحلّ بالعودة إلى الحوار
هناك أخيراً نقطة سابعة تغيب عن بال الكثير من السياسيين داخل لبنان والمسؤولين الدوليين. وهي تتعلّق بالحديث عن تغيير اتفاق الطائف، للخروج من الطائفية أو للمطالبة باللامركزية. هنا يقول المصدر العربي: مع الأسف لم يقرأ مسؤولون ودبلوماسيون دوليون اتفاق الطائف، خاصة أنّه ينصّ في مضامينه على إلغاء الطائفية السياسية، وتشكيل مجلس للشيوخ، وتكريس اللامركزية الإدارية التي كانت السعودية رائدة في تطبيقها منذ السبعينيّات.