عبر عمليات عسكرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في نابلس شمال الضفة الغربية ذاع اسم “عرين الأسود” كتنظيم مسلح يضم عشرات المقاومين، من الذين أخذوا على عاتقهم تحرير فلسطين، ما أثار قلق الحكومة الإسرائيلية التي استنفرت جهاز أمنها القومي “للبحث في كيفية إخماد لهيب يمتد”.
بدأت قصّة “عرين الأسود” مطلع العام الحالي، حين لاحظت تل أبيب ارتفاعاً في عمليّات إطلاق النار على أهداف عسكرية في نابلس “جبل النار”.
في إسرائيل، نسبوا هذا الارتفاع إلى تنظيم عُرِف باسم “كتائب نابلس” ويتركز في البلدة القديمة بنابلس. وفي شهر آب الماضي ، قتلت قوات “اليمام” ودورية “غفعاتي” قائد “كتائب نابلس” إبراهيم النابلسي الذي كان يختبئ في البلدة القديمة.
نبهت تل أبيب إلى أنّ قوّة تأثير “عرين الأسود” تنبع من استعمالهم الشبكات الاجتماعية بكثافة، عبر توثيق كلّ عمليّة إطلاق نار ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبثّ مقاطع فيديو لها على الشبكات الاجتماعية، وهو ما أعطاهم شعبيّة وشهرة
“عرين الأسود” بالقتال يعلن وجوده
بعد شهر من قتل النابلسي، تمّ إطلاق النار على إسرائيليّ يقود سيارته قرب قرية حوارة في الضفة الغربية. وأعلن تنظيم “عرين الأسود”، الذي لم يكن اسمه معروفاً حتى ذلك الوقت، المسؤوليّة عن الحادثة. ومنذ ذلك الحين أصبح مسؤولاً عن عمليات إطلاق نار كثيرة في نابلس، وأصبح يشكّل صداعاً حقيقياً للاحتلال الإسرائيلي.
وبخلاف شبكات الفصائل الفلسطينية المسلّحة أطل “عرين الأسود” بمفهوم جديد وغريب في تركيبته وأهدافه. ذلك أن هذا التنظيم أبعد ما يكون عن بنية التنظيم العسكري، فهو لا يقوم على تنظيمٍ هرميّ يتلقّى التعليمات من قيادة أو من مستوى سياسي. هو عبارة عن مجموعة من الشبّان لا علاقة لهم أيديولوجيّاً بمنظمات الإسلام السياسي، إذ أنّ أغلبهم ينتمون إلى حركة فتح. والكثيرون منهم يتناسلون من عائلات يعمل بعض أعضائها في أجهزة الأمن الفلسطينية.
يتركز نشاط “عرين الأسود” في محيط البلدة القديمة بنابلس، وفي مخيم بلاطة للّاجئين، وهدفه العلنيّ هو مواجهة الجنود الإسرائيليين عندما يدخلون المدينة أو يأتون لحماية المصلّين اليهود في قبر يوسف.
إسرائيل: عرين الأسود مقاتل وحافز
بالنسبة إلى إسرائيل، أصبح عرين الأسود قادراً على إطلاق سلسلة مستمرّة من الهجمات ضدّ أهداف إسرائيلية، و “حافزاً للعنف في جميع المناطق بالضفّة الغربية وحتى في القدس”، على ما أعلنت “القناة 13” العبرية والتي اعتبرت أن “هذه المجموعة وفي أقلّ من عام تحوّلت من منظمة ثانوية تكاد لا تذكر إلى منظمة تؤثّر اليوم على الأرض أكثر من جميع المنظمات المعروفة، وتهدّد أمن الإسرائيليين”.
ونبهت تل أبيب إلى أنّ قوّة تأثير “عرين الأسود” تنبع من استعمالهم الشبكات الاجتماعية بكثافة، عبر توثيق كلّ عمليّة إطلاق نار ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبثّ مقاطع فيديو لها على الشبكات الاجتماعية، وهو ما أعطاهم شعبيّة وشهرة وزخماً واسعاً في أوساط الشارع الفلسطيني، وزاد من استعداد الشبّان الفلسطينيين للانخراط معهم، وجلب المزيد من الدعم والقوة للتنظيم. لقد أصبح أعضاء تنظيم عرين الأسود نجوماً في الشبكات الاجتماعية، ونجوماً لدى الفلسطينيّين.
على الرغم من تصنيف الاحتلال الإسرائيلي لمخيّم جنين بأنّه منطقة ملتهبة، غير أنّ عمليّات إطلاق النار في نابلس أكثر خطورة بالنسبة إلى تل أبيب وتشكّل تحدّياً أمنيّاً لها
صحيفة هآرتس تحدثت عن أنّ مَن تولّى المسؤولية عن المسلّحين في “عرين الأسود” بعد قتل إبراهيم النابلسي هو مصعب اشتيه، الذي بدأ بتقوية علاقات التنظيم الاقتصادية واللوجستية مع “حماس”، التي أدركت الإمكانيات الكامنة في هذا التنظيم، خصوصاً أنّ الحركة الإسلامية صارت تجد صعوبة في تجديد بنيتها التحتية العسكرية في الضفّة، وإعادة بناء شبكاتها، بسبب الضغط والتوغّل الاستخباري والعملياتي والقدرات التكنولوجية التي استخدمتها الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية ضدّها على مدى سنوات طويلة، واعتقال عناصرها عبر سياسة “جزّ العشب” التي تتّبعها تل أبيب في الضفة الغربية ضدّ الخلايا العسكرية لحركات حماس والجهاد الإسلامي وفتح منذ سنوات عديدة، والتي بدأت منذ عملية السور الواقي. واستراتيجية “جزّ العشب” هذه، التي تتبنّاها المخابرات الإسرائيلية، تقوم على الانتظار حتى ينمو العشب، المتمثّل في بدء تكوين خلايا عسكرية للمقاومة، ثمّ جزّه مراراً وتكراراً عن طريق تفكيك البنية التحتية للفصائل، ومداهمة ورش تصنيع عبوّات حارقة، ومخارط لصناعة الأسلحة الخفيفة.
“عرين الاسود” جزء من “فتح”
كان من الصعب على السلطة الفلسطينية العمل ضدّ هذه المجموعة المسلّحة على الرغم من ضغوطات إسرائيل عليها، وذلك أنّها بشكل أو بآخر جزء من بنية “فتح”، وأنّ محاربتها تمسّ بشكل مباشر بشرعية السلطة الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية، خصوصاً أنّ “عرين الأسود” ترفع شعار حماية السكان في نابلس من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدخلون المدينة. ووفقاً للمحلّلين، تخلق مجموعة “عرين الأسود” انطباعاً بأنّها جزء من الشعب وهمومه، بخلاف نشطاء المنظمات الفلسطينية الذين يعملون لصالح منظّماتهم وأهدافها.
إسرائيل تفشل في القضاء عليهم
بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها، سيكون واهماً ومخطئاً من يعتقد أنّ مواجهة مباشرة ستنشب مع عرين الأسود، وأنّه ستكون اعتقالات جماعية لها ، وبالتحديد في هذا الوقت الذي يشهد تصعيداً إسرائيلياً خطيراً ضدّ الفلسطينيين، لكن ستكون هناك محاولة للوصول إلى تسوية ما معهم.
كانت مجموعة “عرين الأسود” قد أعلنت أنّها أفشلت مخطّطاً إسرائيلياً كان يهدف إلى إبادة كلّ عناصرها. وبيّنت المجموعة أنّ عناصرها كشفوا المخطّط بعد تأكّدهم من اقتحام أكثر من 40 سيّارة من القوّات الخاصة والمستعربين محيط كلّ منطقة اعتقدوا أنّ عناصر “العرين” موجودون فيها.
أبو رعد خازم أصبح أكثر شهرة من أبي عبيدة
تخشى تل أبيب أيضاً ظاهرة أبي رعد خازم في مخيّم جنين، والد الشهيد رعد صاحب عملية شارع زيغنوف في تل أبيب. وهو كان مسؤولاً في أجهزة أمن السلطة. وأوردت “القناة 12” العبرية أنّ خطابات أبي رعد خازم التي يخاطب فيها أجهزة الأمن الفلسطينية، حاثّاً إيّاها على مقاومة المحتلّ الإسرائيلي، وداعياً إيّاها إلى الانضمام إلى صفوف المقاومة المسلّحة، أصبحت أكثر شهرة من بيانات الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة”.
لقد تحوّل أبو رعد خازم إلى شخصية محبوبة وشعبية أكثر من أبي عبيدة، إذ انتشرت لافتات تحمل صورته وأشرطة فيديو له يتشاركها الناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
اشتيه مُعزياً بشهداء جنين
في خطوة مفاجئة، وعلى الرغم من ضغوط إسرائيل على السلطة الفلسطينية للتحرّك ضدّ المسلّحين في جنين ونابلس، وصل رئيس الوزراء محمد اشتيه إلى مخيّم جنين لتقديم واجب العزاء عن شهداء جنين، وكان على رأس مستقبليه فتحي خازم.
إقرأ أيضاً: عملية شعفاط تذهل إسرائيل: منفّذ بطل.. وجنودها جبناء
اعتبر اشتيه أنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يريد السلام، بل يموّل الانتخابات الإسرائيلية بالدم الفلسطيني كلّ يوم، مؤكّداً أنّ الدم الفلسطيني ليس رخيصاً. وعلّقت الصحف الإسرائيلية على المشهد بأنّه محاولة من قبل قيادة “فتح” لتقويض شعبيّة حماس والجهاد والإسلامي في المنطقة، لافتةً إلى أنّها لا تذكر صورة لرئيس وزراء فلسطيني بجانب مسلّحين. وعنونت إحدى هذه الصحف على زيارة اشتيه: “تسديدة رائعة في الميدان”.
على الرغم من تصنيف الاحتلال الإسرائيلي لمخيّم جنين بأنّه منطقة ملتهبة، غير أنّ عمليّات إطلاق النار في نابلس أكثر خطورة بالنسبة إلى تل أبيب وتشكّل تحدّياً أمنيّاً لها. ففي جنين تتمّ المواجهة بين مقاومين وقوات الجيش، أمّا في نابلس فإنّ طبيعة الجبهة مختلفة، فهناك مستوطنات إسرائيلية عديدة في المنطقة، إضافة إلى محاور حركة مشتركة بين الفلسطينيين والمستوطنين، ولهذا دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي لمناقشة كيفيّة تطويق “عرين الأسود” وإخماد لهبها الممتدّ.
*كاتبة فلسطينية