في تغريدة له على “تويتر” في 8 تشرين الأوّل الجاري، اتهم وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد المرتضى “بعض الأدباء” المشاركين في مهرجان الكتاب الفرنسي، من دون تحديد أسمائهم، بأنهم “من معتنقي المشاريع الصهيونية فكراً وممارسةً وداعميها سواء في أعمالهم الأدبية أو في حياتهم العادية”، لكنّه ما لبث أن سحب تغريدته بعد ساعات، مغرداً: “بناءً على تمني سعادة السفير المعني، وطلبه التداول مع الوزارة لجلاء الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، تم مؤقتاً محو التغريدة المتعلقة بعدد من الأدباء الأجانب المنتمين إلى الصهيونية فكراً ونتاجاً أدبياً وأهدافاً، على أن يصار، في ضوء نتيجة التداول، إلى إجراء المقتضى القانوني والوطني المناسب”.
بن جلون نشر رسالة بعنوان “لماذا لن أزور بيروت”، في “شفاف الشرق الأوسط”، بالفرنسية، هنا ترجمتها العربية.
أحبّ لبنان، البلد الجريح، المدمّى، المنهوب، والمُلقى في قفرٍ موحش. لكن ما دام لا يملك القوّة والوسائل والرجال للتخلّص من جسم غريب على أرضه، اسمه حزب الله، فلن يتمكّن من التعافي!
كان مفترضاً أن أكون هذا الإثنين في بيروت مع “أكاديمية غونكور” بكاملها لمساندة الشعب اللبناني وللمشاركة في معرض الكتاب الفرنسي.
كان مفترضاً أيضاً أن تعقد الأكاديمية اجتماعها لوضع قائمة الروايات التي تمّ اختيارها لجائزة “غونكور” وإعلانها غداً من العاصمة اللبنانية.
وزير الثقافة في الحكومة الحالية، محمد مرتضى، المقرّب من حركة أمل الشيعية، التي ترتمي في حضن حزب الله، وهو حزب وجيش مقرّه في لبنان ومموّل من إيران، أصدر بياناً صحافياً قال فيه إنّه لا يرحّب بنا!
وقد اتّهم بعض أعضاء “أكاديمية غونكور”، من دون أن يسمّيهم، بـ”اعتناق المشاريع الصهيونية، في الصحافة، وفي السياسة”، مضيفاً أنّه “لن يسمح للصهاينة أن يأتوا بيننا وينشروا سمّ الصهيونية في لبنان”.
كان من الممكن أن نتعامل مع هذا النوع من الاتّهامات بازدراء، لكنّنا في بلد تسوده فوضى كبيرة، ويفتقر إلى الأمن، واغتيل فيه كتّاب وصحافيون، ناهيك عن اغتيال رئيس جمهورية في وضح النهار.
الأدب، الأدب الجيّد، سيكون في صالون بيروت. ومن هناك، ستعلن “أكاديمية غونكور” قائمة المرشّحين الأربعة النهائيّين، وستلتقي الطلّاب المشاركين في “خيارات غونكور الشرق”، التي تضمّ عشر جامعات في العالم العربي
اغتيال الكتّاب والصحافيين
للتذكير، قُتِلَ ثلاثة كتّاب وصحافيين مهمّين بدمٍ بارد: سمير قصير، وحسن حمدان، ولقمان سليم.
كان سمير صديقي. حمل جنسيّتين، وعاش في فرنسا حيناً وفي لبنان حيناً آخر.
كان سمير نقديّاً، يأخذ دور الكاتب على محمل الجدّ، باعتباره شاهداً ومواطناً معنيّاً بما يجري. قد كان عبارة عن كتلة ذكاء، ماكر، مثقّف، وكريم. كان لا يزال شابّا، تزوّج للتوّ، حين قتل اغتيالاً.
أُحبّ لبنان، البلد الجريح، المدمّى، المنهوب، والمُلقى في قفرٍ موحش. لكن ما دام لا يملك القوّة والوسائل والرجال للتخلّص من جسم غريب على أرضه، اسمه حزب الله، فلن يتمكّن من التعافي.
لقد قرّر رئيس الأكاديمية وأمينها العام، وكذلك بول كونستان، الالتزام بهذا اللقاء مع طلّاب وكتّاب لبنان.
لماذا رفضت الذهاب إلى بيروت؟
على حدّ علمي، أنا لست صهيونياً على الإطلاق. لكنّ دعمي لاتفاقات إبراهيم التي اعترفت بمغربيّة الصحراء وأقرّت إقامة علاقات مع إسرائيل يجعلني صهيونيّاً بنظرهم.
الوزير اللبناني كان يستهدف بيار أسولين وباسكال بروكنير اللذين طالما دافعا عن دولة إسرائيل. بالنسبة إليّ، لا يمكن لمواقفي السياسية أن ترضي هذا الرجل الدمية في يد السلطة الإيرانية.
لطالما كانت إيران دولة معادية لبلدي.
لقد ذكرت وسائل الإعلام هذه الفضيحة المصغّرة. وحاول كتّاب ومنظّمو “معرض بيروت للكتاب” طمأنتنا إلى ضمان سلامتنا هناك. لكن كيف تذهب إلى دار شخص يقول في وجهك: لا نريدك هنا؟
من المسلّم به أنّ هذا الوزير، المأجور من حزب الله، يمثّل نفسه فقط. ولكن كيف يمكنك التأكّد من أنّ رجلاً مجنوناً آخر لن يستيقظ في الصباح ليرتكب مجزرة في عاصمة يفوق وضعها المتزعزع قدرات الشرطة ولا يوجد فيها أمان لأيٍّ كان؟
إقرأ أيضاً: كيف يستفيد نظام الأسد من الحرب الروسيّة الأوكرانيّة
غونكور ستكون في بيروت
“أكاديمية غونكور” هي رمز. رمز للصرامة والنزاهة. رمز لفرنسا مثقّفة مفتوحة على بقيّة العالم. وهي تمنح أرقى جائزة أدبية في أوروبا. وجائزة غونكور اليوم تعادل جائزة نوبل على مستوى اللغة الفرنسية حول العالم.
لهذا أُلغيت رحلة ستّة أعضاء من هيئة المحلّفين إلى بيروت.
كان بإمكان “أكاديمية غونكور” أن تقرّر عدم الذهاب إلى لبنان. لكنّنا نعمل بشكل ديمقراطي. وقد ألحّ الرئيس والأمين العام على الحضور كطريقة لإفهام الوزير أنّنا “لا نأخذ في الاعتبار” تصريحاته العدوانية. وترك لكلّ واحد أن يتّخذ القرار الذي يناسبه بالذهاب من عدمه.
الأدب، الأدب الجيّد، سيكون في صالون بيروت. ومن هناك، ستعلن “أكاديمية غونكور” قائمة المرشّحين الأربعة النهائيّين، وستلتقي الطلّاب المشاركين في “خيارات غونكور الشرق” (Choix Goncourt de l’Orient)، التي تضمّ عشر جامعات في العالم العربي.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
*من هو طاهر بن جلون؟
ولد طاهر بن جلون سنة 1944 في مدينة فاس المغربية. انتقل إلى طنجة مع أسرته سنة 1955 والتحق بمدرسة فرنسية. تخرج من جامعة محمد الخامس، ودخل معترك الحراك السياسي عام 1965، واعتقل عام 1966 مع 94 طالباً لتنظيمهم ومشاركتهم في تظاهرات 1965 الطلابية. لكنّه تخلّى عن الحراك السياسي ولجأ للكتابة.
دَرَّسَ الفلسفة في الرباط حتّى العام 1971 حين إعلان الحكومة المغربية عزمها تعريب تعليم الفلسفة. ورداً على هذه الخطوة، غادر المدرّس الفرنكوفوني المغرب إلى فرنسا، حيث أقام في باريس وحصل على شهادة عليا في علم النفس. وبدأت مسيرته في الكتابة بعد فترة قصيرة من وصوله إلى العاصمة الفرنسية، حيث عمل كاتباً مستقلاً لصحيفة “لوموند” وبدأ ينشر الشعر والرواية.
بن جلون كاتب فرنسي فرنكوفوني من أصول مغربية، شأنه في هذا شأن مجايله الراحل عبد الكبير الخطيبي. وهو ينتمي إلى الجيل الثاني من الكتاب المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية، وله إصدارات كثيرة في الشعر والرواية والقصة، وتتميز أعماله بالطابع الفولكلوري والعجائبي أو الغرائبي. هو حاصل على جائزة غونكور الفرنسية الرفيعة عن رواية “ليلة القدر”.
بدأ الكتابة شعرا مع مجموعة “أنفاس” بالمغرب ثم انتقل إلى الرواية والقصة. فصدرت له العديد من الأعمال الأدبية منذ السبعينات، منها روايات: “حرودة” سنة 1973، “موحى الأحمق، موحى العاقل” سنة 1978، “أقصى درجات العزلة” سنة 1981، وهو يتناول حياة العمال الأجانب المغاربة القاسية في فرنسا، وكان واحداً من أسباب شهرة بن جلون ككاتب.
وتوالى صدور كتبه بباريس: “صلاة الغائب” سنة 1981، و”طفل الرمال” سنة 1985، و”ليلة القدر” سنة 1987، وهي الرواية التي حصل من خلالها على جائزة غونكور الفرنسية. و”تلك العتمة الباهرة” سنة 2001، كما أصدر مجموعة من النصوص القصصية والدواوين الشعرية والأنطلوجيات منها “ذاكرة المستقبل”. ويشتكي الطاهر بنجلون من قرصنة كتبه في لبنان ومصر وسوريا وترجمتها السيئة.
بن جلون يشغل منصب “استشاري” في مكتبة الإسكندرية، وحصل على جائزة دبلن الأدبية الدولية سنة 1987. وقد ترجمت كتبه إلى 43 لغة. ومن بين مآخذ النقاد على الطاهر بنجلون هو “تغربه” و”تحويل بلده المغرب إلى فولكلور يتفرج عليه الغربيون، وخاصة الفرنسيون، على طريقة بعض المستشرقين”. إضافة إلى “إصراره على أنّه كاتب فرنسي، وليس كاتبا مغربيا”.