كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن مبادرة أردنية جديدة تهدف إلى الوصول إلى حلّ للأزمة السورية استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وأبدى الصفدي قلقه من عدم الاستقرار الحاصل في الجنوب السوري على الحدود الأردنية.
ففي مقابلة له خاصّة مع صحيفة “ناشيونال” على هامش اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة، كشف الصفدي أنّ بلاده تسعى إلى حشد دعم دولي وإقليمي لعملية سياسية يقودها العرب لإنهاء الحرب المستمرّة منذ 11 عاماً في سوريا. وقال إنّ “الأردن يدعو إلى دور عربي لإنهاء تلك الأزمة بالتنسيق مع أصدقائنا وشركائنا”، مضيفاً أنّ على العرب اتّباع نهج تدريجيّ يفضي إلى وضع حلّ للصراع السوري.
يرى البعض أنّه بالتنسيق مع دول عربية يرى الأردن أنّ الحاجة ماسّة إلى التواصل والتعاون مع النظام السوري، وتقديم بعض الحوافز له مقابل وقفه عمليات التهريب التي يدرك الجميع أنّه يشرف عليها
خطوات تطبيع سابقة
رغم الغموض الذي لا يزال يلفّ المبادرة التي أعلنها الوزير الأردني، إلا أنّها ليست المرّة الأولى التي تبادر فيها المملكة الأردنية الهاشمية إلى إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية.
فقبل أكثر من عام بدأ الأردن بخطوات للتطبيع مع نظام الأسد، وسعى حينها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى إقناع الإدارة الأميركية بإيجابيّات الانفتاح على النظام. وعُقدت لقاءات عدّة بين مسؤولين من النظام ومسؤولين أردنيّين. ويومذاك كان الحديث عن مشروع تمرير الغاز والكهرباء عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، الذي وافقت مصر على الانخراط فيه. لكن بعد أكثر من عام لم يرَ المشروع النور. فبعد عدّة تأكيدات أميركية على دعم المشروع، رفضت واشنطن إعطاء أيّ التزام باستثناء الدول المشاركة من العقوبات التي قد تطالها جرّاء “قانون قيصر”، إضافة إلى الشروط التي وضعها البنك الدولي للتمويل، الأمر الذي جعل المشروع حبراً على ورق.
وقبل عام، وتحديداً في تشرين الأوّل من العام الماضي، أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد اتصالاً هاتفياً بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان الأوّل من نوعه منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011. وسبق الاتصال فتح الأردن معبر جابر- نصيب الرئيسي مع سوريا بالكامل، بعد سنوات من إغلاقه.
لاجئون واقتصاد
أمّا اللافت في ما أعلنه الصفدي أخيراً فهو ذكره قرارَيْ مجلس الأمن الدولي 2254 و2642، حيث إنّ القرار 2254 يضع خريطة طريق للانتقال السياسي في سوريا، فيما القرار 2642 يتعلّق بآليّة إدخال المساعدات الإنسانية. وفي هذا الإطار قال الوزير الأردني: “إنّنا نريد أن نرى كيف يمكننا تحقيق تسريع في مشاريع التعافي المبكر وفق القرار 2642”. وأشار إلى أنّ “العواقب المدمّرة للأزمة السورية مستمرّة”، قائلاً إنّ “اللاجئين السوريين لن يعودوا في ظلّ الاقتصاد الذي ينازع ورزوح ملايين السوريين تحت خطّ الفقر”.
وفي إشارة الصفدي إلى موضوع اللاجئين والوضع الاقتصادي ما اعتبره المراقبون وعداً بتقديم حوافز مادّية للنظام إن هو أبدى تجاوباً مع المبادرة من منطلق خطوة بخطوة أو حزمة مقابلة حزمة.
رغم الغموض الذي لا يزال يلفّ المبادرة التي أعلنها الوزير الأردني، إلا أنّها ليست المرّة الأولى التي تبادر فيها المملكة الأردنية الهاشمية إلى إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية
مخدرات وأسلحة
لكنّ السؤال الأبرز هو: ما الذي يريده الأردن من مساعيه المستمرّة ومبادراته للتوصّل إلى تسوية مع النظام السوري؟ هنا يأتي الجواب على لسان الكثيرين: الهدف هو “وقف التهريب”. فقد أعلن الجيش الأردني في 17 شباط الماضي أنّ محاولات تهريب المخدّرات عبر الحدود السورية الأردنية (الممتدّة على حوالي 375 كيلومتراً) باتت “منظّمة” وتتمّ الاستعانة فيها بالطائرات المسيّرة وتحظى بحماية مجموعات مسلّحة. وذكر بيان الجيش آنذاك أنّ السلطات الأردنية أحبطت منذ بداية هذا العام حتى تاريخ الإعلان، أي خلال نحو 45 يوماً، دخول أكثر من 16 مليون حبّة كبتاغون، وهي تساوي الكميّة التي ضبطت طوال العام 2021.
إضافة إلى تهريب المخدّرات الذي بات أحد المصادر الأساسية لتمويل النظام والميليشيات الشيعية الموالية له، وأحد الأسلحة التي تستخدمها إيران في حربها ضدّ دول عربية وغيرها، ارتفعت وتيرة الحديث عن تهريب أسلحة من سوريا إلى الأردن في السنوات الأخيرة. وقد سبق أن كشفت السلطات الأردنية أنّ القوات المسلّحة ضبطت خلال عامَيْ 2020 و2021 نحو 167 قطعة سلاح كانت مُعدّة للتهريب، وضبطت في 2020 نحو 340 نوعاً من الذخائر، وارتفع هذا العدد إلى 3,236 نوعاً خلال عام 2021. وهذا بالطبع إضافة إلى المخدّرات على أنواعها.
من هنا يرى البعض أنّه بالتنسيق مع دول عربية يرى الأردن أنّ الحاجة ماسّة إلى التواصل والتعاون مع النظام السوري، وتقديم بعض الحوافز له مقابل وقفه عمليات التهريب التي يدرك الجميع أنّه يشرف عليها.
ما وراء المبادرات
إلّا أنّ ثمّة رأياً آخر يرى أنّ ربط المبادرات الأردنية بمحاولات عمّان وقف التهريب ينفع كنوع من التبرير، لكنّه بالتأكيد ليس السبب الذي يدفع الأردن إلى تقديم هذه المبادرات. ويذهب أحد المعارضين السوريين الذي رفض الكشف عن اسمه إلى القول إنّه لا شكّ أنّ الأردن لا يقدّم هذه المقترحات/المبادرات من دون تشاور وتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، ويضيف: “إذا كانت محاولات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التقارب مع النظام السوري بوحي روسي، فإنّ محاولات الأردن تتمّ بوحي أميركي، وكأنّها ردّ على المبادرة الروسية – التركية، أو نوع من إعادة ترتيب التوجّهات العامّة في المنطقة”، ويتابع أنّ “الولايات المتحدة من دون أن تتحمّل أيّ التزام أو مسؤولية تريد إغراء بشار بالدخول عبر الباب الأردني بدلاً عن الباب التركي، خصوصاً مع تخبّط روسيا وتحوّلها إلى دولة مارقة بالمعنى الحرفيّ للكلمة”. وينهي المعارض السوري كلامه بالقول: “لذلك قد يجد بشّار أنّ مصالحه باتت أقرب إلى عمّان وأبعد عن اسطنبول”. فالنظام أدرك أن لا مجال للتطبيع معه من دون موافقة أميركية.
إقرأ أيضاً: غرف الملح بصيدنايا وتدمر: شهادة حيّة عن آخر ابتكارات الأسد
وفي كلتا الحالتين، وحدها تطلّعات السوريين وتضحياتهم لا يبدو أنّها على أجندة كلّ ما يُطرَح من حلول، مع غياب كامل لمعارضة فاعلة ومؤثّرة.