صراع الحلفاء: نقطة الضعف الأميركية في الشرق الأقصى

مدة القراءة 5 د

تلاحق اليابانَ تهمٌ تتعلّق بجرائم الحرب التي ارتكبتها خلال الحرب العالمية وما قبلها ضدّ العديد من دول شرق آسيا، وخاصة ضدّ الصين وكوريا. ومن بين هذه التهم، مصادرة آلاف الفتيات الكوريّات ووضعهنّ بتصرّف الجنود اليابانيين لاستخدامهنّ في الترويح عن أنفسهم جنسيّاً. وما أصاب سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأقصى من “ضعف ما” كان بسبب من دخولها على خط توتر المثلّث الياباني ـ الصيني ـ الكوري ومن دون قدرة على معالجة الإضطرابات.

 

ذكريات مؤلمة تفجر صراع المثلّث الياباني ـ الصيني ـ الكوري

لم تُنكر اليابان التهمة، إلا أنّ اعتذارها لم يرقَ إلى مستوى الاعتراف بالجريمة. في عام 2007 طلب الكونغرس الأميركي من اليابان الاعتراف والاعتذار والتعويض بشكل صريح وواضح. غير أنّ الردّ الياباني جاء مفاجئاً. فقد طالبت طوكيو باعتذار صريح وواضح وبالتعويض أيضاً من الولايات المتحدة على قصف مدينتَيْ هيروشيما وناكازاكي اليابانيّتين بالقنابل النووية. فاليابانيون يعتقدون بأنّ بلادهم دفعت في هيروشيما وناكازاكي، ثمّ في التدمير الكلّي للعاصمة طوكيو، ثمن كلّ جرائم الحرب التي ارتكبتها قوّاتها العسكرية، وحتى تلك التي نُسبت إليها.

غير أنّ الكوريين في الجنوب والشمال على حدّ سواء يرفضون هذا المنطق. فقد تعرّضت بلادهم للاستعمار الياباني من عام 1905 حتى عام 1945، أي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

يرفض الصينيون أيضاً هذا المنطق. فقد تعرّضت أجزاء واسعة من بلادهم هم أيضاً للاحتلال الياباني منذ عام 1931. وتحوّل الاحتلال إلى حرب شاملة.

نجحت دبلوماسية الرئيس الأميركي جو بايدن في إعادة الحياة إلى حلف شمال الأطلسي مع الدول الأوروبية، إلا أنّه لا يزال بعيداً جدّاً عن بثّ الحياة في حلف مماثل في الشرق الأقصى

ويجدّد اليوم تفجير هذه الذكريات المؤلمة الصراع المثلّث الياباني – الصيني – الكوري على السيادة على الجزر غير المأهولة في بحر الصين والتي تعتبرها كلٌّ من هذه الدول جزءاً من سيادتها الوطنية.

فالصراع بين اليابان وكوريا يدور حول جزيرة “دوكدو” التي تسيطر عليها كوريا الجنوبية وتعتبرها جزءاً من سيادتها منذ عام 512، علماً أنّ كوريا لم تولد كدولة حديثة إلا في عام 1948!! والجزيرة التي تسمّيها كوريا “دوكدو” تسمّيها اليابان “تاكيشيما”، وذلك منذ عام 1905 عندما بدأ المارد الياباني انطلاقته التوسّعيّة باتجاه شرق آسيا.

كذلك فإنّ ما تسمّيه اليابان “بحر اليابان” حيث تقع هذه الجزيرة، تسمّيه كوريا “البحر الشرقي” تجريداً له من هويّته اليابانية.

 

التوترات تُعلٍق الاستثمارات الاقتصادية

كان هناك مشروع لشقّ نفق تحت البحر يربط كوريا باليابان مماثل لنفق بحر المانش الذي يربط بريطانيا بفرنسا. وقد تعهّدت اليابان إنشاءه على نفقتها الكاملة. ووافقت الصين على المشروع. غير أنّ تفجّر الصراعات الجديدة حول الجزر حال دون تنفيذ المشروع.

وكان هناك مشروع آخر لإعادة النظر في كتب التاريخ المعتمدة في كلّ من اليابان وكوريا والصين على النحو الذي قامت به مجموعة الدول الأوروبية لطيّ صفحات الحروب الدامية التي شهدتها، ولإعادة تربية النشء الأوروبي الجديد على تبادل الثقة والاحترام والمحبّة. غير أنّ الصراع حول الجزر نكأ الجراحات القديمة. حتى إنّه في كلّ مرّة يقوم فيها رئيس الحكومة اليابانية بزيارة المقبرة العامّة في طوكيو التي تضمّ قبور عدد من جنرالات الجيش الياباني الذين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية واتُّهموا بارتكاب جرائم حرب، تنطلق التظاهرات في بكين وسيول احتجاجاً واستنكاراً.

ونظراً إلى العلاقات الحميمة التي تربط الولايات المتحدة بكلّ من اليابان وكوريا، حيث لا تزال تحتفظ بقواعد وقوات عسكرية منذ الخمسينيّات من القرن الماضي، فإنّ واشنطن حاولت مراراً الضغط على طوكيو لتقديم تنازلات استرضائية لكوريا تشمل الاعتذار الواضح والمباشر عن استغلال الجنود اليابانيين الجنسي للنساء الكوريّات والتعويض على عائلاتهنّ، لكنّ الردّ الياباني كان مبدئياً حاسماً وقاطعاً في أنّ اليابان دفعت ثمن كلّ أخطاء الماضي من خلال قصفها بالقنابل النووية، وأنّ القصف النووي حدث عندما كانت في طريقها إلى طاولة الاستسلام، أي إنّها لم تستسلم بسبب القصف النووي، بل قبله.

صحيح أنّ اليابان احتلّت أجزاء من الصين وكوريا، لكنّ احتلالها لم يكن استيطانياً، كما فعلت فرنسا في الجزائر مثلاً. والخلاف الياباني مع الدولتين يدور حول جزر صغيرة غير مأهولة تقع في أعالي البحار التي تفصل بين الدول الثلاث. إلا أنّ الثروات السمكية العائمة والثروات الطبيعية في الأعماق يسيل لها لعاب الدول الثلاث.

إقرأ أيضاً: في انتظار “هرمجيدون”: من ريغان إلى بايدن

نقطة الضعف الأميركية في الشرق الأقصى

وعلى الرغم من الاعتذارات اليابانية لكلّ من كوريا والصين، وعلى الرغم من كلّ التودّدات والعطاءات الاقتصادية اليابانية السخيّة التي مكّنت الدولتين من إعادة بناء اقتصادهما وتطويره بعد الحرب حتى أصبح يضاهي اقتصادات الدول الكبرى، فإنّ الجراح الكورية والصينية لم تندمل، الأمر الذي يشكّل نقطة الضعف في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأقصى، وخاصة في مواجهتها للسلاح النووي الكوري الشمالي والتطلّعات القومية للصين في تايوان.

نجحت دبلوماسية الرئيس الأميركي جو بايدن في إعادة الحياة إلى حلف شمال الأطلسي مع الدول الأوروبية، إلا أنّه لا يزال بعيداً جدّاً عن بثّ الحياة في حلف مماثل في الشرق الأقصى لم يسبق له أن رأى النور من قبل.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…