فازت أمس الخميس الروائية والكاتبة الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل العالمية للآداب. وقد أعلنت لجنة تحكيم الجائزة في الأكاديمية السويدية في بيانها أنّها منحت إرنو جائزتها “لِما أظهرته من شجاعة وبراعة في اكتشاف الجذور والأبعاد والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية”. واعتبر بعض متابعي الحيثيّات المتعلّقة بنوبل واتجاهاتها أنّ لجنتها شاءت هذا العام الابتعاد عن القضايا العامّة الكثيرة الساخنة في العالم، وسواها من الموضوعات والعناوين المكرّسة، كالسلام والتمييز والعنصريّة والحرّية والعنف والحروب. وقد يكون هذا ما أبعد سلمان رشدي عن احتمال نيل الجائزة العالمية. فاسمه كان على لائحة الأسماء الأدبية المرشّحة لنيلها في المنتديات الثقافية والصحافية. وقد كرّست الأكاديمية السويدية الجائزة لعام 2022 للأدب الذي يهتمّ بالحياة الشخصية، على ما لاحظ كثيرون. فآني إرنو هي روائيّة السيرة الشخصية أو الذاتية بتشعّباتها العائلية والإنسانية في معظم أعمالها، بمعنى أنّ أعمالها الروائية تستدعي حياة الفرد الخاصّة والعاديّة بتفاصيلها إلى متن السرد الروائي. لكن من دون تغييب الأبعاد الأخرى للشخصيّات الروائية، كالعائلة والبيئة والمجتمع والزمن والتحوّلات النفسية والاجتماعية.
مقتطفات من سيرة إرنو
وُلدت إرنو عام 1940 ببلدة ليلبون شمال فرنسا، ونشأت في مدينة إيفيتو في منطقة النورماندي. وهي من عائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسّطة خارج العاصمة باريس. والداها امتلكا مقهى ومحلّ بقالة في مدينة إيفيتو الصغيرة. وقد تكون الروائية استمدّت من عالم المقهى والمتجر العائليَّين أولى صورها عن العالم الاجتماعي المحلّي الحاضر في رواياتها، وكذلك المناخات العائلية المتواضعة وعالم العمّال والمزارعين.
وهي درست الآداب في جامعتَي مدينتَي روان وبوريكس، ثمّ نالت عام 1970 الشهادة التأهيليّة العليا للتدريس، وكانت أطروحتها الجامعية عن الأدب الحديث.
وهي من عائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسّطة خارج العاصمة باريس
لكنّها سرعان ما انصرفت إلى الكتابة الأدبية ونشرت روايتها الأولى “الخزائن الفارغة” عام 1974. ومنذ ذلك العمل كرّست إرنو مسارها الأدبي، مستلهمةً الكتابة الروائية من السيرة الذاتية. وفي عام 1984 فازت بجائزة رينودو الفرنسية عن روايتها “المكان” التي يتركّز موضوعها الرئيسي على العلاقات العائلية، والعيش والإقامة في بلدة صغيرة شمال فرنسا، ليست بقرية ولا هي مدينة. والمعروف في علم النقد الأدبي الفرنسي أنّ رواياتها يغلب على محاورها تجاربها الحميمة، مثل الأزمات العائلية، وإحساس الفئات الاجتماعية الدنيا بالعار الطبقي، والعلاقات العاطفية. وتحضر هذه الموضوعات وأمثالها في عالم إرنو الروائي بلا مواربة ولا كنايات ولا استعارات ولا توريات.
وصدر لآني إرنو أكثر من عشرين كتاباً، منها روايات وقصص، ومنها الكتابة السرديّة التي تستلهم السير الفرديّة. ومن أعمالها الروائية التي تُرجمت إلى لغات عدّة: “الساحة” (1983) و”عاطفة بسيطة” (1993)، و”السنوات” (2008)، وحصلت على جائزتَي مارغريت دورا وفرنسوا مورياك الفرنسيّتين في سنتَي صدورهما، و”الفتاة الأُخرى” (2011)، و”ذاكرة فتاة” في عام 2019. أُدرجت رواية “السنوات” في قائمة “البوكر” العالمية سنة 2019 بترجمتها الإنكليزية (2016).
سيرة ماكرون معكوسة؟
الرواية الأخيرة التي صدرت لإرنو في مطلع هذا الموسم الأدبي في باريس، قبيل نيلها الجائزة، عنوانها “الشابّ”. وهي اسم على مسمّى: تروي العلاقة العاطفية لامرأة مسنّة بشابّ فتيّ. وقد تناولها النقد الأدبي الفرنسي فور صدورها، معتبراً أنّها تشبه سيرة علاقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشابّ بزوجته التي تكبره بسنوات كثيرة، لكن على نحو معكوس. وكان هذا الموضوع مدار تعليقات صحافية في فرنسا منذ انتخاب ماكرون رئيساً وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، فيما زوجته بريجيت كانت في الرابعة والستّين من عمرها وصارت سيّدة فرنسا الأولى، فكانا أوّل ثنائي خارج إطار المألوف يدخل الإليزيه بسبب فارق السنّ الكبير بينهما. وهذا ما أثار فضول الصحافة في فرنسا وخارجها طوال حملة ماكرون الانتخابية الرئاسية برفقة زوجته. وقصّة الحبّ بينهما بدأت بين تلميذ ومدرِّسته، عندما التحق الفتى إيمانويل البالغ الخامسة عشرة من عمره بدروس المسرح في مدرسته في مدينة أميان الهادئة شمال فرنسا عام 1993. هناك كان ينتظره لقاء حياته، إذ أُغرم بمعلّمة المسرح بريجيت، وكانت متزوّجة وأمّاً لثلاثة أولاد، وتكبره بـ 24 سنة.
رواية آني إرنو “الشابّ” فتروي، علاقة امرأة مسنّة بشابّ يصغرها بكثير من السنوات. وأشار كثرة من النقّاد إلى أنّ القصّة مستوحاة من علاقة الكاتبة بشابّ يصغرها بثلاثة عقود. وقد نالت الرواية مراجعات نقدية كثيرة اعتبرتها أهمّ عمل صدر في بداية هذا الموسم الأدبي الباريسي.