الترسيم البحريّ اكتمل.. والباقي تفاصيل

مدة القراءة 8 د

وصل ملفّ الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل إلى “خواتيمه”، ذلك أنّ ما تلقّاه لبنان من مقترح إسرائيلي تولّت الولايات المتحدة نقله يتضمّن نقاطاً “إشكالية”، بعضها يتّصل بـ”صلة مُعلّقة” بين الخطّين البرّي والبحري، وبعضها الآخر يرتبط بالحدود البحرية التي قد تبقى تحت رعاية وإشراف “الأمم المتحدة”.

مصادر مطّلعة على سير المفاوضات قالت لـ “أساس” إنّ اللافت في المقترح الذي جالت به السفيرة الأميركية في بيروت على الرؤساء الثلاثة، كان في تضمين النصّ أنّ “حقل قانا لا يقع كاملاً ضمن جغرافيا السيادة اللبنانية، إنّما فقط مخزونه”، وهذا ما رفع من مستوى الالتباس الذي جاء به نصّ المقترح بالإنكليزية، وتُنتظر ترجمته من قبل المكلّفين بالتفاوض عملانيّاً. فما ورد في النصّ يتحدّث عن حقّ لبنان الكامل بالاستخراج، إلا أنّه في المقابل يتحدّث أيضاً عن “تعويض لإسرائيل عن شيء من المخزون، وكذلك عن انحناء للخطّ البحري في مكان ما يأخذ من المياه الإقليمية مساحة 3 كيلومترات مربّعة”.

في واقع الأمر أحدث المقترح تقدّماً نوعيّاً نحو الأمام إذا ما قيس بأجواء التفاؤل التي بثّها رئيس مجلس النواب نبيه بري قائلاً إنّ “مسوّدة اتفاق الترسيم إيجابية وتلبّي مبدئيّاً مطالب لبنان التي ترفض التأثير على الحدود البرّية”، فيما وقف الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصر الله مُجدّداً خلف الدولة معلناً مساء أمس أنّ “الدولة هي التي تأخذ القرار… ونحن أمام أيام حاسمة في هذا الملفّ”، وهو ما يعني أنّ هذه “الأيام” تتقاطع مع “أيّام لإقرار الاتفاق في إسرائيل”، كما سرّبت تل أبيب. وظهرت الإيجابية أيضاً في ما أعلنته السفيرة الأميركية دوروثي شيا عند قولها: “أعتقد أنّ الأمور إيجابية”.

تحدّثت مصادر مطّلعة على مسار التفاوض لـ “أساس” عن “توقيعين منفصلين لنسختين من الاتفاق

لكن يبقى “شيطان التفاصيل” متوثّباً على بعض النقاط والتباساتها من حيث اللغة والأمن والسياسة أيضاً. فعلى الرغم من الكلام الإيجابي عن وصول الملف إلى خواتيمه، إلا أنّ بعض البنود العالقة قد تحتاج إلى مزيد من الوقت لتوافق الجانبين أو تحتاج إلى ترحيل بعض النقاط العالقة إلى حين نضوج التفاهم عليها.

إرباكات التفاصيل هذه هي أقرب إلى الحقيقة عند مصدر خاص بـ “أساس” سأل: “هل يحضر سؤال أين موقع سفينة الحفر الإسرائيلية في هذه اللحظة وعلى أيّ خط ونقطة راسية؟ وإذا وقّع لبنان على هذا المقترح الذي سيظهرونه إنجازاً، فأين ستصبح النقطة التي سترسو عليها السفينة الإسرائيلية؟”.

وإذ يرى المصدر أنّ “الترسيم” مسألة وطنية فهو يجزم أنّ الجميع “يريدها لأزمات سياسية تطاله”. ويقول إنّه بعد التوقيع “ستتقدّم السفينة وتأخذ 1,400 كلم مربّع زيادةً على ما لديها حالياً، وهذا أمر ثابت بالخرائط وموجود عند الجميع بمن فيهم قيادة الجيش”.

 

“عوكر” البداية

منتصف ليل الجمعة ـ السبت وصلت برقية إلى السفارة الأميركية في عوكر تتضمّن مقترحاً أميركياً خطّياً لبنود الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل. أعدّ المقترح الموفد الأميركي آموس هوكستين وفاوض من خلاله الدولة اللبنانية والرئاسة الأولى عبر النائب الياس بو صعب، فيما تفاوض مع حزب الله عبر المدير العامّ للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم.

صباح السبت جالت السفيرة شيا على كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون، ثمّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فرئيس مجلس النواب نبيه برّي، وسلّمت كلّاً منهم نسخة عن المقترح. وقد خرجت السفيرة من مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة وقالت: Things are looking very positive (الأمور تبدو إيجابية جداً).

 

النقاط الثلاثة الأساسية..

المقترح مؤلّف من عشر صفحات، بحسب معلومات لـ “أساس”، مسار المفاوضات مع المقترحات الأخيرة وسلسلة إحداثيّات ويتضمّن أرقام للخطّ البحري الفاصل بين لبنان وإسرائيل.

لذلك من المقرّر أن يُعقد في الأيام المقبلة اجتماع رئاسي ثلاثي في قصر بعبدا ينضمّ إليه مجموعة من المتخصّصين من الجيش والطوبوغرافيين لعرض الإحداثيات على الخرائط، ثمّ يتّخذ لبنان “الموقف الرسمي”.

وعلى الرغم من التكتّم الشديد حصل “أساس” على بعض ما تضمّنه المقترح من بنود:

ـ أوّلاً: حَسَمَ مسألة فصل الترسيم البحري عن الخط البرّي، وأصبح كلّ الكلام عن النقطة b1 وأيّ نقطة برّية أخرى كرأس الناقورة، غير مرتبط بخطّ الترسيم البحري. وتضمّن فصلاً بين المسارين بشكل يغيب معه أيّ تأثير للنقاط البحرية المتّفق عليها على الحدود البرّية المتروكة لوقت آخر.

ـ ثانياً: اعتمد المقترح الخط 23 وسط معلومات عن تأجيل البحث بخطّ الطفّافات والمثلّث الذي يقع في الأراضي اللبنانية إلى وقت لاحق. لن يؤثّر هذا التأجيل على التوقيع على الاتفاق لأنّ المثلّث المذكور لا يؤثّر على الخط الحدودي البحري ولا يزال إبقاؤه تحت رعاية أمنيّة للأمم المتحدة موضع نقاش، خصوصاً أنّ الخط يبدأ من النقطة 31 الواقعة شمالي الخط 23، ويمتدّ حوالي سبعة كيلومترات في البحر، ثمّ ينحني لجهة الجنوب ويلتقي بالخط 23، ويقضم في طريقه قرابة 3 كيلومترات مربّعة من المياه الإقليمية اللبنانية.

ـ ثالثاً: لا يعتبر حقل قانا جغرافيّاً كاملاً للبنان، بل يُعتبر مخزونه المستخرج كاملاً للبنان.

وعن هذا البند تحديداً، تحدّثت معلومات لـ “أساس” عن “إجماع لبناني على عدم مسؤولية لبنان عن التعويض للجانب الإسرائيلي”، وبالتالي فإنّ شركة توتال التي ستتولّى استخراج الغاز من قانا، ستعطي إنتاجه إلى لبنان، مع منح تعويض لإسرائيل من مخزون الجزء الجنوبي من الحقل.

 

حزب الله محرج

حزب الله المطلع والمشارك بمسار التفاوض عبر اللواء عباس ابراهيم ما يزال متحفظاً بعض الشيء وينتظر صياغة المقترح الأخير. فهو محرج من تأخر التوقيع على الترسيم، بعدما كان أمينه العام السيد حسن نصرالله هدّد الاسرائيليين بمنعهم من التنقيب في حقل كاريش، في حال عدم التوقيع مع لبنان وضمان حقه في البدء بالتنقيب. وهذا كان واضحاً في كلام نصر الله مساء أمس، إذ أعلن: “الدولة هي التي تأخذ القرار الذي تراه مناسباً لمصلحة لبنان في الترسيم ونحن أمام أيام حاسمة في هذا الملف”.

في 19 أيلول الماضي، ذكرت كيرين هاجيوف المتحدثة باسم رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية، يائير لابيد، في تغريدة لها على “تويتر”، أن التنقيب في كاريش غير مرتبط بانتهاء مفاوضات الترسيم مع لبنان. في المقابل، أعلنت القناة 12 الإسرائيلية ان “الطاقم الأمني الإسرائيلي سيصدق الأسبوع المقبل على اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان”. علماً بأن الحكومة الاسرائيلية كانت قد لمحت إلى إمكانية عقدها اجتماعا مصغراً قبل يوم الخميس في حال جاءت موافقة الجانب اللبناني سريعة على المقترح الاخير.

بحسب معلومات لـ “أساس”، مسار المفاوضات مع المقترحات الأخيرة وسلسلة إحداثيّات ويتضمّن أرقام للخطّ البحري الفاصل بين لبنان وإسرائيل

مسار التوقيع على الاتّفاق

تحدّثت مصادر مطّلعة على مسار التفاوض لـ “أساس” عن “توقيعين منفصلين لنسختين من الاتفاق. إلى جانبهما توقيع الوسيط الأميركي آموس هوكستين على أن يتمّ إيداع النسختين لدى الأمم المتحدة”. غير أنّ هذا يسمّى توقيعاً بالأحرف الأولى لأنّ إبرام أيّ معاهدة بحسب المادة 52 من الدستور يتطلّب مساراً دستورياً كاملاً. فرئيس الجمهورية يتولّى المفاوضة في المعاهدات الدولية وإبرامها مع رئيس الحكومة. ثمّ تُحال المعاهدة إلى مجلس الوزراء الذي يحيلها بدوره كمشروع قانون إلى مجلس النواب الذي يلتئم ويحيل بدوره إلى مجلس الوزراء إجازةً لإبرام الاتفاقية بأكثرية الثلثين. ثمّ يتمّ إيداع القانون في عهدة الأمم المتحدة.

مصادر مطّلعة على ملف الترسيم أشارت لـ”أساس” إلى أنّ “رئيس الجمهورية يتولى التفاوض بحكم المادة 52 من الدستور. لكن لبنان لن يوقّع على أي معاهدة أو اتفاقية. بل سيودع الأمم المتحدة الرسائل المتبادلة مع الجانب الأميركي فقط، من دون أي توقيع مشترك مع الجانب الإسرائيلي”.

هكذا، يتسابق الجميع على التوقيع بالاحرف الاولى على الاقل قبل الـ 15 من الشهر الجاري، وهو الموعد المفترض للبدء بتنقيب اسرائيل في حقل كاريش .

بانتظار استكمال المسار الدستوري هذا، يتسابق الجميع على التوقيع بالأحرف الأولى على الأقلّ قبل الـ 15 من الشهر الجاري، وهو الموعد المفترض لبدء إسرائيل بالتنقيب في حقل كاريش.

 

لبنان مستعجل

بدوره يبدو لبنان مستعجلاً لعدّة أسباب:

ـ أوّلها عزم الرئيس ميشال عون على اختتام عهده بتوقيع اتفاقية الترسيم بما لها من أهمية استراتيجية على السنوات المقبلة في السياسة والأمن والمال.

ـ ثانيها رغبة حزب الله بالانتهاء من هذا الملفّ هرباً من إحراج كبير بعد تصعيد مواقفه وعدم قدرته على تنفيذ التهديدات مع اقتراب موعد التنقيب الإسرائيلي.

ـ ثالثها أنّ توقيع الترسيم مع إسرائيل سيمهّد لمرحلة استقرار أمني من جهة، ويعد لبنان بمجموعة استثمارات من جهة أخرى، “على ذمّة القوى الدولية” على الأقلّ.

إقرأ أيضاً: الترسيم قبل نهاية العهد.. والحكومة خلال أيّام إلّا إذا..

فهل ينجز الرئيس ميشال عون هذا الملف قبل نهاية عهده في 31 تشرين الأول؟ أم يكمن الشيطان في التفاصيل الأخيرة؟ وهل تطلب الحكومة الإسرائيلية تأجيل التوقيع إلى ما بعد انتخابات الكنيست، المقرّرة قي 1 تشرين الثاني المقبل، من دون تأجيل بدء التنقيب في حقل كاريش؟ على الرغم من الجوّ اللبناني الإسرائيلي الإيجابي المشترك، إلا أنّ بعض الأسئلة لا تزال عالقة بانتظار أن يدرس لبنان المقترح ويسلّم ردّه عليه إلى الأميركيين.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…