يتساءل كثيرون عن وزير الظلّ الذي يتحكّم بمفاصل وزارة الاتصالات بمزايداتها ومناقصاتها وترقياتها، والمسؤول عن إدارة الخيبات المتتالية في هذا القطاع، وآخرها مزايدة تلزيم خدمة International A2P، أي خدمة تلقّي العملاء لرسائل دولية مبرمجة، التي أطلقتها “تاتش” بداية العام الجاري، وفاحت منها رائحة التجاوزات والسمسرات، خلافاً للمعايير والشروط.
هو شخص واحد كتبت عنه وسائل الإعلام اللبنانية من قبل، وأخبرتنا أنّه يسيّر مصالح فريق سياسي معيّن في الوزارة، ويتحكّم بمفاصل الإدارة والقرار من دون أيّ صفة رسمية له، وسبق أن رفضت “أوجيرو” في أزمتها الأخيرة وجوده إلى جانب الوزير في أيّ اجتماع للسبب نفسه، لكن لم تُكشف هويّته للعلن.
يجتمع بالموظّفين من دون علم إداراتهم ويملي عليهم ما يفعلون من دون الرجوع لإداراتهم، ويبذل لهم الوعود بترقيتهم أو نقلهم، وينشر الوعود أيضاً بفرض تعيينات جديدة خلال اجتماعاته الدورية مع نشطاء في التيار الوطني الحر
“العوني” القوي
بحث “أساس” في هويّة هذا الشخص “القويّ”، وتدحرجت قصص مخالفاته وتجاوزاته كالسيل، وبحسب مصدر إداري في وزارة الاتصالات، فإنّ الآمر الناهي هو المدعوّ جورج يوسف الدويهي، من مواليد زغرتا ومقيم في بيروت، وملقّب “بالعونيّ”، تجمعه بوزير الاتصالات الحالي جورج القرم علاقة مصاهرة، إذ إنّ الأخير متأهّل من شقيقة الدويهي، ولا صفة رسمية له في الوزارة، لكنّه يتصرّف كوزير مطلق الصلاحيّات. وهو كان صاحب شركة “Dweihy Auto Sales s.a.r.l” في منطقة جلّ الديب، وكان عملها مرتبطاً بتجارة الدهان والأمور المتعلّقة بالسيّارات.
بالعودة إلى المزايدة الأخيرة المتعلقة بتلزيم خدمة International A2P، أي خدمة تلقّي العملاء لرسائل دولية مبرمجة، التي شهدت صراعاً كبيراً بين شركات تقديم خدمات الـVAS، أو خدمات القيمة المضافة في قطاع الاتصالات، علم “أساس” أنّ الدويهي مصرّ على تسليم الصفقة للشركة نفسها على الرغم من الاعتراضات التي وردت إلى وزارة الاتصالات وتفيد بأنّ الشركة الفائزة In Mobiles لا تملك المؤهّلات الكافية للفوز، والتي دفعت وزير الاتصالات إلى تشكيل لجنة لدرس الملفّ وإعادة النظر بالقرار، مع أنّ هناك خطر تعريض شركة “تاتش” لأضرار فادحة في حال تقدّمت الشركتان المعترضتان بمراجعة قانونية أمام مجلس شورى الدولة، مع احتمالية توقّف تقديم الخدمة وتكبّد أعباء ماليّة إضافية.
اعتراضات بالجملة ولا حياة لمن تنادي
من الاعتراضات التي حصل موقع “أساس” على نسخ منها مرفقة بالصور، الكتاب الذي أرسله مدير التطوير التجاري في شركة “SELESTATEL” محمد نحاس في 29 تموز الماضي، إلى الوزير القرم، ويعترض فيه على فوز شركة IN Mobile بمزايدة خدمة الـ International A2P، ويؤكّد الكتاب أنّ الشركة الفائزة لا تلبّي عدداً من شروط المزايدة، ولا سيما لجهة امتلاك خبرة لا تقلّ عن خمس سنوات في مجال خدمة الـ A2P، أو أن تكون قد عملت في هذا المجال مع ثلاث شركات عالمية متخصّصة، أو أن يكون لديها سجّل في خدمة الـ A2P يعود إلى خمس سنوات بمجموع مستخدمين لا يقلّ عن 20 مليون شخص. وتساءل نحاس في كتابه عن الأسس التي تمّ على أساسها فوز IN Mobile، وتأهّلها للمشاركة من دون أن تلبّي الشروط المطلوبة في الأساس.
ورد أيضاً اعتراض من شركة أخرى على فوز IN Mobile استناداً إلى الحجج نفسها. وبتاريخ 1 آب الماضي راسلت شركة Ja-Square S.A.L الوزير بكتاب موقّع من رئيس مجلس إدارتها سعد الدين الجمل، مرفق بالصور، يعترض فيه على عدم اعتماد الشركة من بين العارضين، ويلوّح بالمراجعة القانونية في حال رفض الطعن (الكتاب) الذي وجّهته الشركة للوزير.
يعمل الدويهي على تأخير الدفعات المستحقّة لبعض المورّدين بهدف الضغط عليهم وتوجيه الأعمال التي يقومون بها لشركات أخرى، مقرّبة منه
تشكّك شركة Ja-Square S.A.L في التقييم الفنّي أو التجاري للمزايدة، وتعرض مستندات (مرفقة بالصور) تدحض أحقيّة فوز IN Mobile بالمزايدة، لجهة مخالفتها لأحد الشروط المتعلّقة بحيازة حصرية خدمة A2P لدى ثلاثة مراجع تخدم عشرين مليون مشترك أو أكثر، وتوضح أنّ الشركة الفائزة أبرزت مستندات ادّعت بموجبها حيازتها حصرية الخدمة في اليمن، علماً أنّ هذه الخدمة تقدّمها حصراً شركة Protel S.A.L، وبالتالي المستند المبرز بهذا الخصوص من الشركة الفائزة هو موضع شكّ وتساؤل، وتطالب بوجوب عدم الاعتداد بعقد الحصرية الذي أبرزته الشركة والمتعلّق بشركة Sabafone Yemen .
ولمّا كان عدد المشتركين لا يتجاوز 16 مليون مشترك في عقدَيْ الحصرية المبرزَيْن من IN Mobile والمتعلّقَيْن بكلّ من Koreklet Iraq (ثمانية ملايين مشترك) و Keel Kazakhestan (7.9 ملايين مشترك) بحسب المعلومات المعروفة في أوساط مجال الاتصالات، كما تقول الشركة المعترضة في كتابها، فقد انتفى شرط الحصرية لثلاث شركات، فضلاً عن انتفاء عدد المشتركين المطلوب.
وتتحدّث الشركة عن انتفاء شرط الخبرة الذي يجب ألّا يقلّ عن 5 سنوات في مجال Monetization A2P، إذ تُبيّن المستندات التي ترفعها الشركة المعترضة إلى الوزير، سنوات خبرة الشركة الفائزة كالتالي:
Keell Exclusivity- ابتدأت في حزيران 2021 (الخبرة سنة واحدة).
Korek Telecom Exclusivity- بدأت في آذار 2021 (أقلّ من سنة ونصف خبرة).
تجاوزات لا حصر لها
لا تنتهي تجاوزات الدويهي هنا، عند هذه المزايدة التي يصفها المصدر الإداري بأنّها غيض من فيض، ويلخّص المصدر تجاوزات الدويهي كما يلي:
“يعمل الدويهي على تأخير الدفعات المستحقّة لبعض المورّدين بهدف الضغط عليهم وتوجيه الأعمال التي يقومون بها لشركات أخرى، مقرّبة منه. على سبيل المثال، يتمّ تأخير تسديد مستحقّات الصيانة لشركتَيْ صقال وجبيلي من دون المبالاة بتوقّف الخدمة من أجل تحويل التعاقد إلى شركات جديدة غير معروفة وغير مشتركة بالمناقصات خلافاً لقانون الشراء العامّ، وهو ما يؤدّي إلى تقديم خدمة سيّئة وتكبيد الخزينة مبالغ إضافية.
“يتدخّل بأعمال الشراء الخاصّ التي تعود عليه بالفائدة مثل شراء إطارات السيّارات وقطع الغيار والزيوت للمولّدات وأعمال الصيانة وفرض نوعيّات محدّدة من مورّدين مقرّبين منه، ويقوم بالاستحصال على عروض الأسعار ويُجري اتصالات بشركات تخصّه أو ينشئ علاقات معها ويفرض على شركات الخلوي التعاقد معها، ويفرض شركات ذات أسعار أغلى من الأسعار التي يتمّ عادة التعاقد معها، مثل شركة Pirelli لإطارات السيّارات، وشركة الزيوت Castrol . ويتاجر بالأرقام المميّزة ويحصر توزيعها بموافقته، وقام باستخدامها في الانتخابات الماضية.
“يجتمع بالموظّفين من دون علم إداراتهم ويملي عليهم ما يفعلون من دون الرجوع لإداراتهم، ويبذل لهم الوعود بترقيتهم أو نقلهم، وينشر الوعود أيضاً بفرض تعيينات جديدة خلال اجتماعاته الدورية مع نشطاء في التيار الوطني الحر.
إقرأ أيضاً: عونيون ومستقبليون يلاحقون جان العليّة: فتّش عن السمسرات
“يعمل على إعداد مراسلات الوزير، ويطّلع على الواردة منها، ويغيّر ويبدّل في مضمونها بما يتناسب مع مصلحته، ويعمد أحياناً إلى إبقاء معاملات وافق عليها الوزير في حيازته من دون أيّ مبرّر، وذلك من أجل الضغط على أصحاب العلاقة، ويقوم بتسريب عروض الأسعار والشروط إلى الشركات المحسوبة عليه، وقام بفرض إحدى شركات الـInternal Audit للقيام بدور الـHR من دون علم الوزير، ويقوم بإعادة المناقصات عدّة مرّات إلى أن ترسو على الشخص أو الشركة المتّفق معها، كما في مناقصة التنظيفات”.
ينشر “أساس” هذه التجاوزات على الرأي العامّ اللبناني، من دون أن يتبنّاها، بل يضعها في عهدة القضاء العامّ الماليّ، وهيئة الشراء العامّ وكلّ من يعنيه الأمر، للبحث في تفاصيلها، والتأكّد منها، واتّخاذ ما يلزم، رأفةً ببلد منهار، وبقطاعٍ كان حيويّاً وما عاد فيه للعونيّين “مرقد”.