ميليشيات الحوثي أمام الحائط ..الميدان لم يَعُد كما كان

مدة القراءة 5 د

في المُدّة الفاصلة عن 2 تشرين الأول المقبل، موعد نهاية التمديد الثاني للهدنة في اليمن التي أُبرمت برعاية دولية للمرة الأولى اعتباراً من 2 نيسان الماضي، تواصل ميليشيات الحوثي التدقيق في موازين الربح والخسارة برعاية من داعميها في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، فيما يضغط المجتمع الدولي بكل الوسائل لتمديد الهدنة مرة ثالثة، لكن هذه المرة لستة أشهر بدلاً من اثنين.

تدرك هذه الجماعة، المدعومة سياسياً وعسكرياً من إيران و”حزب الله”، أن قرارها ليس بيدها وليس في صنعاء، كما يحلو لبعض قيادييها الزعم بين حين وآخر، كما تعلم جيداً أن الحكومة الشرعية، الممثلة بالمجلس الرئاسي اليمني، مُختلفة جذرياً عن تلك التي كانت قائمة قبل الهدنة.

فمنذ 7 نيسان الماضي، أي بعد 5 أيام من سريان الهدنة بفترتها الأولى، تنازل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي عن الصلاحيات الرئاسية، لمجلس رئاسي مكوّن من ثمانية أعضاء، بقيادة رشاد العليمي، الخبير في دهاليز وخبايا السياسة في اليمن، والعارف بتفاصيل نقاط القوة ومكامن الضعف لمختلف الأطراف.

العودة إلى الخيار العسكري مُكلف جداً للميليشيات قد ينقلب عليها بخسائر أكبر

تعزيز الشرعية

المجلس الرئاسي، الذي يضم ممثلين عن مختلف القوى السياسية والعسكرية المنضوية تحت لواء الشرعية، عمل منذ توليه السلطة على خطين متوازيَيْن: الأول تمثل بالانخراط الإيجابي مع الجهود الدولية الرامية لإنهاء الحرب، والثاني الاستعداد لاحتمال استئناف المعارك في حال سقوط الهدنة، عبر تعزيز صفوف الشرعية، وصهر مختلف تشكيلاتها في بَوْتقة واحدة، وحلّ الخلافات بين بعض المكوّنات والقوى في المناطق المحررة.

وتجاوباً مع جهود الأمم المتحدة والوسطاء العرب والدوليين، وافق المجلس الرئاسي على تمديد الهدنة مرتين، الأولى قبل نهاية الهدنة الأولى في 2 حزيران الماضي، والثانية (على مضض) قبل نهاية الموعد الثاني في 2 آب الماضي، على الرغم من استمرار انتهاكات الطرف الآخر.

في المقابل، نكثت ميليشيات الحوثي – كعادتها – بالالتزامات والتعهدات، لا سيما المتعلقة بفتح المعابر، وخصوصاً تعز، بما يؤدي إلى رفع الحصار المفروض على هذه المدينة منذ نحو 7 سنوات.

 

حصار تعز

في العلن، تربط الميليشيات الانقلابية رفع الحصار عن تعز بسلة مطالب، تتضمن بشكل أساسي تحويل رواتب الموظفين، القاطنين في المناطق التي تحتلّها، إلى خزينتها، وفتح مطار صنعاء، الخاضع لسيطرتها، أمام جميع الرحلات التجارية.

لكن الحقيقة في مكان آخر، فالميليشيات ترفض التخلّي عن ورقة “حصار تعز” لسببين رئيسيين:

1- أن المدينة التي يقطنها نحو خمسة ملايين نسمة، تشكل القلب النابض الرافض للاحتلال الحوثي والمؤيّد للشرعية، ولعل أهميتها الرمزية تفوق بأشواط أهمية موقعها الجغرافي.

2- أن الميليشيات ما زالت تراهن على الخيار العسكري، وتخشى في حال خسارة مواقعها في تعز، أن يشكل ذلك مدخلاً لتحرير الحُديدة من الجهة الجنوبية، مع ما يتيح ذلك من إمكانيات غير مسبوقة لقوات الشرعية، كون تعز ستشكل قاعدة أساسية للانطلاق نحو تحرير مناطق أخرى في الوسط مثل ذمار وإب، وصولاً إلى صنعاء.

في العقل الميليشياوي الحوثي، لا اعتبارات إنسانية وإنما ربطٌ لكل شيء بالمقايضة، وأبرز دليل على ذلك ما أعلنته “الشرعية” قبل أيام لجهة استعدادها لإبرام صفقة تبادل أسرى على قاعدة “الكل مقابل الكل” وهو ما رفضته الميليشيات، لتُعرّي بذلك مزاعم الحوثيين وتفضح تعاملهم اللا إنساني حتى مع أسراهم.

في العقل الميليشياوي الحوثي لا اعتبارات إنسانية وإنما ربطٌ لكل شيء بالمقايضة

وقائع تدحض “البروباغندا”

ما بين تمديد الهدنة واحتمال سقوطها، يحلو للميليشيات التغنّي بـ”التفوّق العسكري” وقدرتها على العودة إلى الميدان بزخم أكبر، في محاولة لابتزاز المجتمع الدولي وليس فقط “الشرعية”، للحصول على مكاسب سياسية تُكرّس واقع احتلال صنعاء ومناطق أخرى من الشمال اليمني، لكن 3 وقائع تدحض “البروباغندا” الميليشياوية، يمكن تلخيصها بالآتي:

1- الفشل الذريع للميليشيات في هجومها على مأرب، المحافظة الاستراتيجية المحاطة بخمس محافظات، حيث بدأ الهجوم منذ مطلع 2020 وكان على ثلاث مراحل تقريباً استمرت نحو سنة، تكبد فيها الحوثيون خسائر بآلاف المقاتلين، وانكسَرَ زحفهم في كل المحاولات التي نفّذوها، فيما كان بعض قادتهم يتبجحون بالقدرة على احتلال مأرب خلال 3 أسابيع أو 3 أشهر كحد أقصى، وكان هدفهم حينذاك توجيه ضربة قاصمة للشرعية في قلب معقلها، لكن خططهم ذهبت أدراج الرياح، وبدل احتلالهم مأرب خسروا محافظة شبوة التي تم تحريرها بمساندة كبيرة من التحالف العربي الداعم للشرعية.

2- التحوّل في الميزان العسكري، إذ إن قدرة الميليشيات على المواجهة بدعم مباشر من إيران و”حزب الله”، باتت تُقابله قدرات أكبر للشرعية، بعد توحيد صفوفها مع انضواء قادة مؤثرين تحت مظلة المجلس الرئاسي، أبرزهم عيدروس الزبيدي رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي”، وطارق صالح قائد “قوات المقاومة”، وعبد الرحمن بازرعة قائد “لواء العمالقة”، وسلطان العرادة محافظ مأرب الذي برز كقائد عسكري في الجبهة الرئيسية بمواجهة الحوثيين.

3- الواقع المرير في المناطق المُحتلّة، وبدء تصاعد الأصوات من سكان المحافظات الخاضعة لسيطرة الميليشيات، مع استمرار التدهور الاقتصادي، لا سيما في ظل غياب أي مظاهر للدولة ومؤسساتها.

كل ذلك يعكس بوضوح وصول المشروع الحوثي – الإيراني إلى حائط مسدود مع سقوط الخيار العسكري، ما يجعل العودة إلى الميدان خياراً مكلفاً جداً للميليشيات قد ينقلب عليها بخسائر أكبر.

إقرأ أيضاً: سيعود اليمن يمنَيْن.. تلك هي حقيقته

وتالياً، فإن خيار تمديد الهدنة يبقى أكثر احتمالاً من سقوطها، لكن المشكلة الأساسية التي تواجه المجتمع الدولي تبقى أن الميليشيات لا تلتزم بوعودها، وتنقض الاتفاقات بعد توقيعها (اتفاق استوكهولم 2018 نموذجاً)، وبالتالي ربما يحتاج الأمر في نهاية المطاف، الذهاب إلى طهران لإبرام الاتفاق مع “الأصيل” بدلاً من الاستمرار في المراوحة بالتفاوض مع “الوكيل”.

مواضيع ذات صلة

أسرار تسميات ترامب: مصيرنا بيد إيلون ماسك

يرسم المتابعون والعارفون بعقل دونالد ترامب في واشنطن صورة واضحة لما يفكّر فيه الرجل، وما سيقوم به، خصوصاً بما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط.   يعترفون…

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…