ليس سراً ارتباط جماعة الحوثي اليمنية المدعومة والمموّلة من إيران بتنظيم “القاعدة”. فالنظام الإيراني بنى علاقة بالتنظيم منذ تسعينيّات القرن الماضي.
إيران و”القاعدة”
على الصعيدين الفكري والعقائدي لا اختلافات بين التطرّفين الشيعي والسنّي. وتكثر التفاصيل عن علاقة الإخوان بالنظام الإيراني الخميني. تنسحب هذه العلاقة على “القاعدة” بوجود نمط من التنسيق بينهما والقائم على حقائق راسخة. فبحسب تقرير “لجنة 11 أيلول” (الأميركية التي تشكّلت في تشرين الثاني 2002 لوضع تقرير مفصّل عن هجمات 11 أيلول)، سافر في التسعينيّات “أعضاء ومدرِّبون بارزون في القاعدة إلى إيران لتلقّي تدريبات على المتفجّرات، فيما تلقّى آخرون التوجيه والتدريب من حزب الله في لبنان”. وفي السنوات التي سبقت هجمات 11 أيلول “سافر عدد من مختطفي الطائرات من أتباع تنظيم القاعدة عبر الأراضي الإيرانية”. وكشف التقرير أيضاً أنّ “الانقسامات السنّيّة – الشيعيّة لم تُشكِّل عائقاً قاهراً أمام التعاون في العمليّات الإرهابية” بين “القاعدة” وإيران.
في هذا السياق، ألقى وزير الخارجية في الإدارة الأميركية السابقة، مايك بومبيو، خطاباً في نادي الصحافة الوطني بواشنطن، فاتّهم إيران بأنّها أصبحت “بيت تنظيم القاعدة الجديد”. ذهب بومبيو أبعد من ذلك مضيفاً: “بعد 30 سنة من تعاون إيران والقاعدة، ارتقيا بعلاقتهما إلى مستوى جديد في السنوات الأخيرة. ومن المفترض أنّ إيران قرّرت سنة 2015 السماح لـ”القاعدة” بتدشين مقارّ عمليات على أراضيها، وأصبحت الجماعة الإرهابية الآن تعمل تحت حماية النظام الإيراني”.
ليس سراً ارتباط جماعة الحوثي اليمنية المدعومة والمموّلة من إيران بتنظيم “القاعدة”. فالنظام الإيراني بنى علاقة بالتنظيم منذ تسعينيّات القرن الماضي
مغنية وكيلاً للحرس الثوري
وكشف كتاب “صفحات حرب إيران بالوكالة ضدّ الولايات المتحدة الأميركية”، كيف بدأت العلاقة بين “القاعدة” وإيران بـ”اجتماع سرّي جرى على الأرجح بين أسامة بن لادن وقاسم سليماني” الذي كان على وشك تولّي مسؤولية قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري. وقدّم المحلّل الاستراتيجي البارز فيليب شينون كتابه الخاص الصادر عام 2008، والذي يحمل عنوان “اللجنة: التاريخ غير الخاضع للرقابة في تحقيق 11 أيلول”، فتناول فيه طبيعة التورّط الإيراني في أحداث 11 أيلول، وعلاقة طهران بـ”القاعدة” في السودان. يقول شينون: “يشير التقرير النهائي للجنة 9/11 إلى الصلات التي تربط إيران بـ”القاعدة” في السودان، ومع خالد شيخ محمد “مهندس عمليّات الطائرات” في 9/11″. ويتضمّن الكتاب قسماً عنوانه “دعم حزب الله وإيران لتنظيم القاعدة”. وفيه بحث مستفيض عن العلاقة بين الطرفين، بدءاً من العام 1992 في السودان، مشيراً إلى تلقّي أعضاء “القاعدة” تدريبات عسكرية متطوّرة على أيدي ضبّاط إيرانيين لاستهداف المصالح الغربية، وإلى أن “عماد مغنية كان وكيلاً للحرس الثوري الإيراني، ويعدّ مسؤولاً عن عمليات عدة استهدفت مصالح أميركية. وهو استقدم مقاتلي القاعدة إلى البقاع وجنوب لبنان لتدريبهم على استخدام المتفجّرات، خاصة الشاحنات التي تستهدف الثكنات العسكرية الأميركية، إضافة إلى عمليّات الاستخبارات والأمن”.
توطّدت علاقة طهران بـ”القاعدة” عبر عماد مغنية، خلال حرب البوسنة. وحسب الكتاب: “رحّبت الحكومة البوسنيّة بقيادة علي عزّت بيغوفيتش وحزب العمل الديمقراطي SDA بدعم المجاهدين الأجانب المرتبطين بالقاعدة، وهناك تعدّدت اللقاءات بين عماد مغنية وأيمن الظواهري”.
العلاقة راسخة ومتجذّرة منذ ما يقرب من 4 عقود. وعلى الرغم من اختلاف الأيديولوجيات بين الجانبين، إلا أنّ المصالح المشتركة واحدة، والأهداف متماثلة. وهذا ما يجمعهما. وقد نشر كايل أورتن خبير دراسات الإرهاب الدولي دراسةً تكشف كثيراً من أسرار العلاقة الخفيّة بين “القاعدة” ونظام الملالي في طهران. و”تجاوز الطرفان الاختلافات الأيديولوجيّة الجوهرية بينهما، والتي كانت كافية ليكونا عدوين، لأن مصالحهما المتبادلة تقتضي ذلك منذ الثمانينيات حتى اليوم”.
تؤكّد مصادر يمنيّة أنّ “ميليشيات الحوثي أفرجت عن عدد كبير من قيادات القاعدة على مرأى ومسمع من الجميع”. وتشير المصادر إلى أنّ “القاعدة” لم تنفّذ أيّة عمليات في مناطق سيطرة الحوثيين
الحوثيّون و”القاعدة”
تواصل ميليشيات الحوثي توفير غطاءٍ أمنيّ لحماية قيادات “القاعدة” من ضربات الطائرات الأميركية والتحالف. وهي تقدم للتنظيم الدعم المالي والاستخباراتي وتطلق سراح عناصر من سجون صنعاء. ويصف خبراء ومحلّلون يمنيّون هذه العلاقة بالمشبوهة التي ترتكز على الانتهازية خدمة لأهداف إرهابية لكلا التنظيمين. ولفتت تقارير حديثة مُقدّمة إلى مجلس الأمن إلى أنّ الميليشيات عملت على “إيواء عناصر القاعدة وإطلاق سراح السجناء وعودتهم إلى التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، مقابل توفير التدريب، بعدما تكبّد التنظيم خسائر كبيرة في الفترة الماضية”.
وعن تفاصيل العلاقة المشبوهة بين “القاعدة” والحوثي، تؤكّد مصادر أنّ هناك ترابطاً وتنسيقاً قويّين بين ميليشيات الحوثي وتنظيم “القاعدة” الذي تديره قياداته من خارج اليمن. وهذا ما ينعكس على الإمداد الكبير بالمال والسلاح الذي تحصل عليه التنظيمات الإرهابية، سواء في إفريقيا، والصومال تحديداً، أو في اليمن.
تتقاطع هذه المعطيات مع تحقيقات دولية كشفت عن تهريب أسلحة من الحوثيين في اليمن عبر خليج عدن إلى جماعة “الشباب” التابعة لـ”القاعدة” في الصومال. وهذا ما يؤكّد “التنسيق على المستوى القارّي”.
تكشف مصادر يمنيّة أنّ التنسيق المحلّي بين الحوثي و”القاعدة” وصل إلى إنشاء مقرّات مشتركة وغرف عمليات ومكتب استخبارات في صنعاء، لإدارة الفوضى في المحافظات المحرّرة، بينما يتوالى الإفراج عن عناصر وقيادات في تنظيم القاعدة.
وتؤكّد مصادر يمنيّة أنّ “ميليشيات الحوثي أفرجت عن عدد كبير من قيادات القاعدة على مرأى ومسمع من الجميع”. وتشير المصادر إلى أنّ “القاعدة” لم تنفّذ أيّة عمليات في مناطق سيطرة الحوثيين. وحسب تقرير أعدّته “لجنة القاعدة وداعش” في مجلس الأمن “عمل الحوثيون على إيواء عناصر من القاعدة وإطلاق سراح السجناء وعودتهم إلى التنظيم للقيام بعمليات إرهابية”. وكشف التقرير المقدّم إلى مجلس الأمن أنّ إحدى الدول الأعضاء لاحظت أنّ تنظيم القاعدة الإرهابي يعمل على “تعزيز قدراته على العمليات البحرية”. وتلفت مصادر “الحدث” إلى أنّ “القاعدة” أصبح اليوم جزءاً من الميليشيات الحوثية، وتستشهد “بظهور عناصر من القاعدة لدى الانقلابيين”.
إقرأ أيضاً: “القاعدة” والحوثيون في اليمن (2): عدوّان يكمِّل واحدهما الآخر
وتؤكّد هذه المصادر أنّ ميليشيات الحوثي استخدمت “القاعدة” في تنفيذ جرائم بمنطقة البيضاء واغتيال مشايخ قبليّين، موضحة أنّهم وعدوهم بالسيطرة على مناطق وتسهيل سفرهم ضمن شبكات لتهريب السلاح من أجل تنفيذ العمليّات.
وترى المصادر أنّ تنظيمَيْ “القاعدة” و”داعش” استبقا بدعم حوثيّ تحرّكات المجلس الرئاسي لتوحيد الأجهزة الأمنيّة والاستخباراتية وتأهيل وحدات مكافحة الإرهاب. فشنّ التنظيمان سلسلة من الهجمات المسلّحة والانتحارية والاختطافات في الضالع وأبين وشبوة وحضرموت وعدن.
*كاتب لبناني مقيم في دبي