هو الابن المُدلّل للمُرشد علي خامنئيّ. يبغضه والإيرانيّون ويحبه الحرس الثوري. وهو صاحِبُ الألقاب الـ4 ومرشّح دائرة الملالي العميقة في اللحظات الحرِجَة. وكانَ حاضراً عندما غادر الجنرال قاسم سُليماني، وعندما كثُر الحديثُ عن مرضِ المرشد برز كمرشح لخلافته.
إنه آيةُ الله الرّئيس السّيد الدّكتور إبراهيم رئيسي.
ابن النظام ومرآته
كُلّ ما لدى رئيسي ليسَ وليد اللحظة ولا الصّدفة. إنّه العصا الغليظة للمُرشدَيْن روحُ الله الخمينيّ وعلي خامنئيّ. هو أشبَه بالصّندوق الأسود للدّولة العميقة. يجرؤ على ما لا يجرؤ عليه الآخرون.
رفَع قبل يوميْن صورة الجنرال قاسم سُليمانيّ من على منبر مقرّ الأمم المُتحدة على أرضِ مدينة نيويورك الأميركيّة التي تبعُد 373 كلم عن مركز القرار في الولايات المُتحدة، البيت الأبيض، فيما كانت النسوة في المحافظات الإيرانيّة تحرقن صّورة جنرال سرايا القدس.
كُلّ ما لدى رئيسي ليسَ وليد اللحظة ولا الصّدفة. إنّه العصا الغليظة للمُرشدَيْن روحُ الله الخمينيّ وعلي خامنئيّ. هو أشبَه بالصّندوق الأسود للدّولة العميقة. يجرؤ على ما لا يجرؤ عليه الآخرون
اختاره الخُميني لقمعِ المُعارضين فأبدعَ وأسرَفَ في دمائهم. واختاره خامنئيّ على رأس السّلطة القضائيّة، فبات وصفةً لكلّ احتجاجٍ شعبيّ أو سياسيّ. مقطب لا يُجيدُ الابتسام ولا يعرف الرّأفة. هو يُشبه النّظام أو ربّما النّظام يُشبهه.
يفتقرُ إلى الكاريزما، وخاضَ دورتَيْن انتخابيّتَيْن من دون أن يعتَمِدَ على النّاخبين، فكلّ ما اعتمدَ عليه هو دعم مكتب المُرشِد الأعلى.
من هو إبراهيم رئيسي؟
وُلِدَ إبراهيم رئيس السّاداتي، المعروف بـ”إبراهيم رئيسي”، في كانون الأوّل سنة 1960 في مدينة مشهد، مسقط رأس المُرشِد علي خامنئي. وفيها مقام الإمام عليّ الرّضا ثامن الأئمّة عندَ الشّيعة. ونشأ الرّئيس الإيرانيّ الحالي في بيتٍ مُتديّنٍ مُحافظ. وكانَ والده وجدّه لأمّه من عُلماء مدينة مشهَد. أنهى دراسته في المدينة، ثمّ انتقل في سنّ الـ15 إلى مدينة قُم، حيْثُ الحوزة الدّينيّة الشّيعيّة الكبرى في العالم بعد النّجف العراقيّة.
في قُم، تتلمَذ رئيسي على يد عُلماء كبار مثل آياتِ الله علي مشكيني، نوري الهمداني وفاضل لنكراني، وحضر أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند المُرشِد علي خامنئي.
انتقَل ارتباطه بنظام الثّورة وخامنئيّ إلى بيته الزّوجيّ: ارتبَط رئيسي بابنة مُمثّل خامنئي في مدينة مشهَد الشّيخ أحمد علم الهُدى الذي قال يوماً: “نطاق سيادة المرشد لا يقتصر على جغرافيا إيران”.
قاضي خمسة آلاف أحكام بالإعدام
لم يكتَفِ إبراهيم رئيسي بتحصيل العلوم الدّينيّة، بل يحمل شهادة ماجستير في الحقوق الدّوليّة من جامعة “مطهري”، ودكتوراه في “الفقه والمبادئ – قسم الحقوق الخاصّة”.
دَخلَ إطارَ التعليم الحوزويّ والأكاديميّ. لكنّه يُخفي خلفَ هذه الواجهة العلميّة والأكاديميّة الهادئة شخصيّةً حازمةً في قمعِ مُعارضي النّظام الإيرانيّ.
بعدَ الثّورة الإسلاميّة، عُيِّنَ رئيسي مدّعياً عامّاً لمدينة كرج غرب العاصمة طهران سنة 1980 أي في العشرين من العمر، واستمرّ في منصبه 5 سنوات. وهُنا تبدأ الحكاية: اختاره المُرشد الإيرانيّ الرّاحل روح الله الخُميْنيّ نائباً لمُدّعي عامّ طهران. كانَ الخُميْنيّ مُنشغلاً في نهاية حربه الطّويلة على طول الحدود مع العراق، ووجَد في رئيسي ضالّته لإسكات مُعارضي الدّاخل وقمعهم.
سنة 1988، كلّفه الخُميْني بالنّظَرَ في ملفّات قضائيّة تتعلّق بالمُعارضة المُتمثّلة بـ”حزب توده” و”مُجاهدي خلق”.
بعد تسلّحه بكلّ المناصبِ والألقاب، اعتقدَ رئيسي أنّ الوقت قد حان لدخول المقرّ الرّئاسيّ في طهران. ترشّح سنة 2017 للانتخابات الرّئاسيّة، مُعتبراً معركته هذه “مسؤوليّة دينية وثوريّة”
لم ينظُر رئيسي طويلاً في الملفّات. فالأحب إلى قلبه وأقصر الطرق إلى الحقيقة هو حُكم الإعدام، وكانَ سريعاً في الحُكم والتنفيذ في السّنة نفسها، 1988. وتُقدِّر منظّمة العفو الدوليّة عدد الذين أُعدموا حينها بنحو خمسة آلاف، وتقول إنّ “العدد الحقيقي قد يكون أكبر”.
أدرجته هذه الأحكام على لوائح العقوبات الأميركيّة المُتعلّقة بـ”حقوق الإنسان”. لكنّ الرّئيس الإيرانيّ أعلَن افتخاره بما فعلَ في أوّل مؤتمرٍ صحافيّ عقدَه بعد انتخابه رئيساً لمّا سُئِلَ عن الاتّهامات الأميركيّة: “أنا فخور كوني مدافعاً عن حقوق الإنسان وأمن الناس وراحتهم كمدّعٍ عامّ أينما كنت”.
بعد رحيل الإمام الخمينيّ سنة 1989 ومع بلوغه 29 عاماً، تولّى رئيسي منصبَ مدّعي عامّ طهران بأمر من رئيس السلطة القضائية آنذاك آية الله محمد يزدي. ظل في المنصب حتى 1994. ثمّ تولّى منصب رئاسة دائرة التفتيش العامّة وبقي في هذه المهمّة حتى 2004.
شغل رئيسي بين 2004 و2014 منصب النّائب الأوّل لرئيس السّلطة القضائيّة، ثمّ صارَ مدّعياً عامّاً لكلّ البلاد بين 2015 و2017. ورأس أيضاً المحكمة الخاصّة برجال الدين منذ عام 2012. وظل منذ عام 2007 عضواً في مجلس خبراء القيادة وواحداً من 11 عضواً يؤلّفون لجنة تعيين المُرشِد الأعلى.
رأس المُؤسّسة الكُبرى: العتبة الرّضويّة
لم يكتَفِ خامنئيّ بكلّ المناصب التي كان رئيسي تولّاها في آنٍ واحد، فأوكلَ إليه سنة 2016 رئاسة واحدة من أكبر وأهمّ المؤسّسات في إيران: العتبة الرّضويّة المُقدّسة التي تُعرَف بالفارسيّة بـ”آستان قدس رضوي”، وفي بورصة طهران بـ” AQR”، والتي تدير أوقاف مقام الإمام الرّضا في مدينة مشهد وتستثمرها.
يُعيَّن رئيسُها من قبل المرشد نفسه لِما للمَنصِب من رمزيّة دينية، إضافة إلى قوّته الماليّة التي تجعل شاغليه أحد المُشاركين في صناعة القرار في بلاد فارس، وإن نحو غير مباشر.
لِمن لا يعلَم، “العتبة الرّضويّة” واحدةٌ من أغنى المُنظّمات الدّينيّة على وجه الأرض. وتُصنّف ضمنَ مؤسّسات الرعاية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. وتدير شبكة واسعة من الشركات الصّناعية والنّفطيّة والتجاريّة والماليّة والإنشائيّة والزراعيّة، تُضاف إليها مجموعة واسعة من المؤسسات التّعليمية والإعلامية والثقافيّة والرياضيّة والطبيّة. يبلغُ عدد العاملين المرتبطين بالمؤسّسة وشركاتها حتى عام 2021 نحو 210 آلاف شخص. والولايات المُتحدة تتّهمُ المؤسّسة بتمويل حزب الله والحشد الشّعبيّ وباقي الأذرع الإيرانيّة في المنطقة.
رئيسي والرّئاسة: “التعيين”
بعد تسلّحه بكلّ المناصبِ والألقاب، اعتقدَ رئيسي أنّ الوقت قد حان لدخول المقرّ الرّئاسيّ في طهران. ترشّح سنة 2017 للانتخابات الرّئاسيّة، مُعتبراً معركته هذه “مسؤوليّة دينية وثوريّة”.
لم يُحالف الحظّ المُرشّح المدعوم من المُرشد علي خامنئي، إذ حقّق منافسه الشّيخ حسن روحاني فوزاً قطعَ الطّريق على رئيسي، وعادَ بروحاني إلى ولايةٍ ثانية.
أظهرَت الأرقام أنّ رئيسي لا يملك شعبيّة في أوساط الإيرانيين. فروحاني نال ما يقارب 24 مليون صوتاً، فيما حصلَ رئيسي على 14 مليوناً فقط. وفي العام 2021، أعادَ رئيسي المُحاولة، لكن على نحو مختلف عن سابقتها: عبّدَ “مجلس صيانة الدّستور” الطّريق أمام رئيسي المدعوم من علي خامنئي والحرس الثّوريّ والمؤسّسة الدّينية المُحافظة.
أزاحَ المجلس كلّ المنافسين الجدّيّين من أمام رئيسي، ومنهم رئيس مجلس الشّورى السّابق علي لاريجاني والرّئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي وصف الانتخابات بـ”المُهندسة سلفاً وأعلن مقاطعته إيّاها”.
لم يكُن في وجه رئيسي أيّ مُرشّح جدّيّ، فكانت مهمّته سهلة في ظلّ المُقاطعة الواسعة للانتخابات “المُفصّلة على مقاسه” والتي مُدِّدَت 3 مرّات بسبب الإقبال الضّعيف. فازَ بـ17 مليون صوت مُقابل 3 ملايين لأقرب منافسيه قائد الحرس الثّوريّ الأسبق الجنرال مُحسن رضائي.
إقرأ أيضاً: من يخلف خامنئيّ (1): الابن سرُّ أبيه
سنوات كثيرة تفوق 35 قضاها رئيسي متنقّلاً بين المراكز الحسّاسة في إيران. اكتسَبَ خبرةً ونفوذاً لا يُستهان بهما في أوساط القرار في النّظام، فأوصله إلى المقرّ الرّئاسيّ رغماً عن المُنافسين والمُعارضين والشّعب الإيرانيّ، وقد يطيرُ به نفوذه ليحطّ بهِ على كُرسيّ الإرشاد.