إيران تعيد “حماس” إلى سوريا والهدف عباس

مدة القراءة 5 د

قبل نحو شهرين ونصف أعلن مسؤول في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عن عودة العلاقات الحركة والنظام السوري. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه يومها لوكالة “فرانس برس” إن “الاتصالات مع سوريا في تحسن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه”، كاشفا أن “زيارات عدة قام بها قادة حماس إلى سوريا”.

وقبل أيام أكدت “حماس” في بيان عنونته “أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان”، أنها تتابع باهتمام “استمرار العدوان الإسرائيلي على سوريا بالقصف والقتل والتدمير، وتصاعد محاولات النيل منها وتقسيمها وتجزئتها، وإبعادها عن دورها التاريخي الفاعل، لا سيما على صعيد القضية الفلسطينية”.

بعد إعلان استعادة العلاقة مع سوريا، أعلن اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة عن جهود حماس لاستعادة العلاقة مع الأردن ودول أخرى

حماس و”الانتداب التركي”

تعرضت الحركة لانتقادات شعبية واسعة وخصوصاً من فلسطيني سوريا الذين استهجنوا الحديث عن احتضان النظام السوري الفلسطينين، مذكرين الحركة بحصار النظام مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينين ومجزرة حي التضامن التي تكشفت فصولها عن عشرات الشهداء الفلسطينين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.

لكن المفارقة أن صحيفة “الوطن” السورية شبه الرسمية شنت هجوماً على الحركة بعد بيانها الأخير، مشيرة إلى أن “سوريا لا ترى هذه الانعطافة السياسية إلا انطلاقاً من انعطافات الرأس الأكبر لا أكثر ولا أقل”، أي تركيا في موقفها المستجد من النظام السوري، والذي عبر عنه بوضوح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بعدما أعلن أنه التقى بنظيره السوري فيصل المقداد. وتابعت الصحيفة السورية قولها: “هناك تقاطع انعطافات ولَّدَ لدى حماس هذه الرغبة، ولو بقي التركي والقطري على مواقفهما لرأينا علم الانتداب يحلق من جديد فوق رأس المدعو خالد مشعل دعماً لـ”الثوار” في سوريا، ومن ثم ادعائِه بعدم علمه بما يمثلهُ هذا العلم! يا له من رئيس مكتب سياسي محنَّك! كانَ من المفترض أن يكون هذا الموقف الحمساوي، إن صحَّت مصداقيته الأخلاقية، نتيجة لمراجعة داخلية وليس رقصاً على أنغام كبيرهم الذي علمهم الكفر!”.

العامل الإيراني

ورغم إشارة الصحيفة السورية إلى أن استدارة “حماس” أتت فقط في سياق استدراة الموقف التركي من النظام السوري، أكدت مصادر عدة أن استئناف “حماس” علاقتها بالنظام السوري لن تكون خطوة منفردة. فالحركة تسعى إلى استئناف علاقتها بمعظم الدول العربية، لاسباب تتعلق بالتمثيل السياسي للفلسطينيين، وخلافاتها مع السلطة الفلسطينية.

تريد حماس أن تلبس قفازات من حرير الآن لتكون قادرة على تسويق نفسها في مرحلة ما بعد عباس، سواء عن طريق الصندوق الانتخابي أو عن طريق القول إنها الأقدر على ضبط الأمن في حال حدوث فلتان كبير في الضفة

فبعد إعلان استعادة العلاقة مع سوريا، أعلن اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة عن جهود حماس لاستعادة العلاقة مع الأردن ودول أخرى. ومن جهة أخرى، علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني على إعادة حماس علاقاتها بالنظام السوري، فأكد أن ما أسماه “الأزمة الداخلية المفتعلة في سوريا أضرت بالعلاقات بين حماس ودمشق”. وقال كنعاني إن “سوريا استضافت المقاومة الفلسطينية سنوات طويلة”. ووصف التقارب بين الجانبين بـ”الإيجابي”.

ولكن رغم إصرار الحركة على الايحاء بأن إعادة علاقتها بالنظام السوري تأتي في سياق “التطوّرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا”، لم توضح ما هي هذه التطورات. والقول إن استدارتها مرتبطة حصراً بالموقف التركي أو بالتطورات الإقليمية والدولية غير كاف. فرغم القطيعة بين حماس ونظام الأسد، ظلت  علاقتها بإيران، الأب الروحي لمحور الممانعة الذي تنتمي اليه، قائمة ومستمرة، وبالتالي من المستغرب ان يستنكر البعض موقف “حماس” اليوم.

الهدف إرث محمود عباس

ربما هناك أسباب عدة دفعت بحركة “حماس” لاستئناف علاقتها بالنظام السوري، ليست القضية الفلسطينية بكل تأكيد من بينها. فبين الاستدارة التركية والتدخلات الروسية، يبقى العامل الايراني هو الأقوى، مع رغبة إيران في إعادة ترتيب صفوف حلفائها، وخصوصاً فيما هي تخوض مفاوضات على أكثر من جبهة. وهؤلاء “الحلفاء” أبدوا استعدادهم مراراً وتكراراً إلى أن يكونوا مجرد أدوات تحركها إيران خدمة لمصالحها. كيف لا بينما يبدو هذه اللحظة تحديداً التقاطع الكبير بين المصلحة الإيرانية ومصلحة “حماس” الذاتية. فهذه الأخيرة وزميلاتها من حركات الإسلام السياسي أثبتوا على مر التجارب والسنين أنهم الأكثر براغماتية بالمعنى الميكيافيلي للكلمة. و”حماس” اليوم لم تتغير لكن الذي تغير هو أنها تترقب لحظة الانقضاض على مؤسسات السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد محمود عباس، وترصد جيداً الانقسامات الحادة التي تعانيها حركة “فتح” وإمكانية اندلاع صراع كبير بين أجنحة السلطة. وتجهز حماس عدتها على كل المستويات لهذه اللحظة. فهي زادت نشاطها ووجودها في الضفة واستطاعت كسب تعاطف جديد من أبناء الضفة بعد عملية سيف القدس العام الماضي. ومن ناحية ثانية تعاملت ببراغماتية مع التصعيد الأخير بين الجهاد الاسلامي واسرائيل .

إقرأ أيضاً: غاز غزة ولبنان: حماس والحزب.. سيناريو “حرب” يتكرّر؟

باختصار تريد حماس أن تلبس قفازات من حرير الآن لتكون قادرة على تسويق نفسها في مرحلة ما بعد عباس، سواء عن طريق الصندوق الانتخابي أو عن طريق القول إنها الأقدر على ضبط الأمن في حال حدوث فلتان كبير في الضفة يهددها باندلاع اضطراب أمني جديد. وطهران تريد لأحد “حلفائها” الأساسيين في المنطقة أن يحكم سيطرته على رقعته الجغرافية. ولذلك من المتوقع أن نرى الكثير من البراغماتية الحمساوية بتشجيع ودعم إيرانيين.

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…