يوم حدّثنا نوّاب التغيير عن الـ”ليسترين”…

مدة القراءة 4 د

يوم أعلن نوّاب “التغيير” انطلاق موسم الطواف على كتل أحزاب السلطة، لاستمزاج آرائهم ومحاورتهم في الاستحقاق الرئاسي، وجّه أحدهم سؤالاً للنوّاب الكرام: “هل ستزورون كُتل الأحزاب كلّن؟”.

فردّ نوّاب التغيير: “كلّن يعني كلّن”.

بعد أربعة أشهر من الاستحقاق النيابي الذي أُجري في أيّار الماضي، هبط سقف “التغييريّين” من رفض الحديث أو الجلوس مع جماعة السلطة “الفاسدين” و”الفاجرين”، إلى “عتبة” التلاقي والحوار والتنسيق مع هؤلاء أنفسهم، وذلك على قاعدة: الإيد يلي ما فيك عليها، بوسها وادعي عليها بالكسر (أو بالضمّ لا فرق).

اصطدم هؤلاء النواب بحائط السلطة الأصمّ، فشعروا أنّهم عاجزون عن إحداث ثغرة أو تحقيق أيّ اختراق في هذا الحائط، فقالوا: “لمَ لا نلوّنه بألوان مزركشة تحاكي مشهديّة التلاقي والانفتاح على الخيارات الوطنية؟”.

يقولون إنّ الزيارات لاقت صدى إيجابياً. لكنّهم لم يخبروا ناخبيهم أين تُصرف تلك “الإيجابية”؟ ولدى أيّ صرّاف سياسيّ؟ ووفق أيّ سعر صرف انتخابيّ؟ ومتى نصرفها وأين؟

بعد أربعة أشهر من الاستحقاق النيابي الذي أُجري في أيّار الماضي، هبط سقف “التغييريّين” من رفض الحديث أو الجلوس مع جماعة السلطة “الفاسدين” و”الفاجرين”

الصدى الإيجابي، الذي لاقته تلك الزيارات، لم تلقَه إلاّ لدى أحزاب السلطة. كيف لا وهذه الزيارات بمنزلة تنازل صريح؟ هي انكسار وتراجع عن تُهمٍ ونعوتٍ سبق أن أطلقتها ثورة 17 تشرين الأول، التي أفرزت هؤلاء النوّاب، بحقّ الطبقة السياسية، واليوم يتراجع عنها نواب الثورة تراجعاً تكتيكيّاً، راسمين آمالاً بالوصول إلى حلول للأزمات مع مَن كان سببها (ونِعم التخطيط، ونِعم الاستراتيجية).

زاروا الوزير جبران باسيل، فقاموا “باسوا تيريز”، متحوّلين من منطق الـ”هيلا هيلا هووو” إلى واقع “خلّينا نحكي يا هوو” (حتى العونيّة السابقة النائبة سينتيا زرازير لم تتحمّل “جلاطة” باسيل وخرجت من اللقاء… وهم أكملوا).

زاروا الحاج محمد رعد، فتناولوا كعك العبّاس وأخذوا البَرَكة من ممثّل الوليّ الفقيه في لبنان، لكنّ بعضهم في المقابل ما زال يرفض زيارة دار الفتوى حرصاً على عدم إذكاء المنطق الطائفي (يا وعدي).  

في تلك الزيارات، لم يخبرنا نوّاب التغيير كيف سيُقنعون الوزير جبران باسيل بالتخلّي عن طموحاته الرئاسية، وعن كيفيّة إخراج “بيّ الكل” من قصر بعبدا؟

لم يحدّثونا عن كيفيّة إقناع النائب محمد رعد ومن خلفه “حزب الله”، بالتخلّي عن السلاح لصالح الجيش اللبناني ومنطق الدولة والمؤسسات؟ هل سألوا رعد عن الإصلاح؟ هل سألوه عن رأيه في قانون هيكلة المصارف في ظلّ جمعيّة “القرض الحسن” مثلاً؟

بأيّ عين جلسوا أمام الوزير علي حسن خليل بعدما أشبعوه هجوماً وكالوا له الشتائم لعدم مثوله أمام المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت؟ (بمعزل عن مطلب المثول المحقّ).

ماذا سيقولون لسمير جعجع، حينما يجلسون معه في معراب، عن رفض تلاقيهم مع القوّات اللبنانية على ضرورة الخروج بتسمية رئيس حكومة مكلّف واحد؟ (لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها) ماذا عن تصلّبهم في عدم التنسيق مع القوّات وغير القوّات خلال انتخاب رئيس المجلس ونائب الرئيس؟ ماذا عن انتخابات اللجان التي أُخرجوا منها مذمومين؟

بدوره لم يكن الرأي العامّ اللبناني الداعم لهؤلاء النواب راضياً عن تلك الزيارات لأنّها أتت من خارج السياق ولا تحاكي البرامج التي انتُخب النواب على أساسها، وهذا ما ظهر جليّاً في ردود فعل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي “فَسبكة” و”تغريداً”.

لكن على الرغم من ذلك، قد يسأل سائل: وما الحلّ ما دام رفض الحوار سيؤدّي إلى عزلة نوّاب التغيير عن الجميع؟ وهل هناك حلّ في لبنان غير الحوار؟

داعيكم أبو زهير لا يملك إجابة صريحة عن هذه المعضلة، فنوّاب التغيير اختاروا خوض السباق الانتخابي في كنف هذه السلطة ووفق قانونها الأعرج، وهم من ارتضوا النتائج التي أعلنتها هذه السلطة أيضاً… فليتدبّروا أمرهم في ما بينهم.

لكنّ الأكيد أنّ الحلّ يبدأ وينتهي بالسياسة، ولا مجال إلا بالمواجهة السياسية. لا مهرب من تسمية الأشياء بأسمائها، ولا مفرّ من الاعتراف بأنّ منطق الدويلة هو مَن أوصل لبنان إلى ما وصل إليه.

أمّا القول إنّ هذا الخيار يعيد لبنان إلى الاصطفافات، فأهلاً بالاصطفافات، أهلاً “بالصفوف” و”النمّورة” أيضاً… ومن يظنّ أنّ النيابة لعبة “بيت بيوت”، فليرحل من حيث أتى وليلعب “حد بيتو”.

نواب التغيير وصلوا متأخّرين… وصلوا ليحدّثونا عن فوائد الحوار وعن الإطار السياسي وخارطة الطريق للوصول إلى تسمية رئيس جديد للبلاد اليوم، بعدما أضاعوا أكثر من فرصة كان يمكن أن تغيّر خارطة التحالفات داخل المجلس اليوم… لكنّهم الآن اختاروا أن يحكونا بالـ”ليسترين”؟

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…