“القاعدة” والحوثيون في اليمن (2): عدوّان يكمِّل واحدهما الآخر

مدة القراءة 5 د

انتهت الحلقة الأولى عن “القاعدة” في اليمن بتساؤل عن أسباب توسّع التنظيم وزيادة نفوذه في البلاد. فبعدما لم يكن يتعدَّ عدد عناصره في 2001 بضع عشرات، وباتوا اليوم ألوفاً منتشرين في بعض المحافظات اليمنية. لكن ما هي أسباب تكاثر الانضمام إلى هذا تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”؟

عوامل سياسية للانتشار

استفاد التنظيم من مرونته الاجتماعية وحيال المتغيّرات السِّياسيّة في البلاد، فمنحته المرونة زخماً إضافياً، ومن اللعب على ردود فعل الأهالي على السجون السرّية (الأميركيَّة – اليمنيّة) وعلى أخطاء الطائرات الأميركية بدون طيّار في قصفها مقار التنظيم. وهذا ما أكسبه أنصاراً جُدداً مدفوعين بمشاعر الانتقام والثأر. تُضاف إلى ذلك الممارسات الحوثية المذهبية والطائفية التي نجم عنها تطرّفا مضادّ لممارسات الانقلابيين، وغياب الدولة والبنية التحتية والاقتصادية الهشّة للبلاد، والصراع السياسي الذي استخدمه التنظيم ورقة رابحة تدفّقت بفضلها الأموال عليه من الخارج وأطالت عمره في اليمن.

ساهمت الأحداث والحروب في تغلغل “القاعدة” في المجتمعات المحليّة. فبعد اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء في أيلول 2014، وتمدّد الفرز المذهبي، ومحاولة السلطة تجاهل السكان الذين يخشون فرض الحوثيين أفكارهم المذهبية الزيدية على المناطق الشافعيّة، ظهرت أهمّ الأسباب لتمدّد “القاعدة”، إضافة إلى التعاون الأميركي الذي ظلّ فعّالاً مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحليفه الحوثي.

هذه العوامل مجتمعة ساهمت في دفع التنظيم وعناصره إلى “الدفاع عن مناطق القبائل لحمايتها من التمدّد الشيعي”. وزاد تجاهل السُكّان ومطالبهم وإبقاء السلطة في يد الميليشيات الحوثية من حجم الفرز المذهبي الذي لا يستفيد منه إلا الحوثيون وتنظيم القاعدة على حدّ سواء.

تشير بعض المصادر إلى أنّ نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح استغلّ التنظيم في صراعاته ومعاركه السياسية الداخلية

أهمية اليمن لـ”القاعدة”

وظل التنظيم يتمدد على الرغم من الضربات التي تعرّض لها منذ بدايات القرن الحالي. وإضافة إلى العوامل السياسية المشار إليها أعلاه هناك 4 أخرى لا يمكن التغاضي عنها وأوردتها دراسة في موقع Trends:

أوّلاً: أهميّة اليمن في خطط تنظيم “القاعدة” التوسّعية والاستراتيجيّة. فاليمن راسخ في تفكير قادة التنظيم منذ تأسيسه. فإلى جانب أصول أسامة بن لادن التي يُقال إنّها حضرميّة، هناك عوامل أخرى تعزّز مكانة اليمن في فكر القاعدة. ففي كتاب صدر سنة 1999 في عنوان “مسؤوليّة أهل اليمن تجاه مقدّسات المسلمين وثرواتهم”، وهو لعمر عبد الحكيم، أحد قادة التنظيم والمعروف بأبي مصعب السوري، هناك تناول لأهمية العاملَيْن الديمغرافي والجغرافي. فكثافة عدد السكّان في اليمن تتيح فرص استقطاب المتطرّفين وتجنيدهم. وتتميز اليمن جغرافياً بطبيعة جبليّة حصينة، “تجعل منها قلعة طبيعية منـيعة لأهل الجزيرة العربية، ومعقلاً يمكن أن يأوي إليه مجاهدوها”، حسب عبد الحكيم. يُضاف أيضاً العامل المرتبط بانتشار السلاح في اليمن، والحدود المفتوحة التي تتيح للتنظيم حرّية الحركة والمناورة العسكرية.

ثانياً: تشير بعض المصادر إلى أنّ نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح استغلّ التنظيم في صراعاته ومعاركه السياسية الداخلية. فقد اتّهم تقرير صدر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات على اليمن في مجلس الأمن عام 2012، الرئيس صالح بأنّه “سهّل لكلّ من الحوثيين وتنظيم القاعدة توسيع سيطرتهم على شمال اليمن وجنوبه بعد انتفاضة 2011”. وأشار التقرير إلى “لقاء صالح في مكتبه بصنعاء عام 2011، بحضور وزير دفاعه آنذاك اللواء محمد ناصر أحمد، بالأمير المحلّي لتنظيم القاعدة سامي ديان”. وساهم تعامل النظام اليمني السابق مع التنظيم على المستوى الأمنيّ في مضاعفة خطره. فحين أُفرج عن أعداد كبيرة من منتسبي “القاعدة” عام 2007، بعد إجرائهم مراجعات صوريّة، سرعان ما عادوا إلى العمل في التنظيم، عبر عمليات الفرار التي نفّذها سنة 2006 قادة خطرون في “القاعدة” منهم ناصر الوحيشي وقاسم الريمي.

ثالثاً: طبيعة العلاقة بين “القاعدة” وتنظيمات إرهابية أخرى، ولا سيّما جماعة الإخوان المسلمين والتأثّر بمنهجها الفكري. وقد كان لهذه الجماعة حضور في الحياة السياسية اليمنية.

رابعاً: حال التوتّر وعدم الاستقرار السياسي والأمني التي شهدها اليمن منذ تسعينيّات القرن الماضي: الحرب الأهليّة عام 1994، الحروب المتكرّرة مع الحوثيين، الحراك الجنوبي المطالِب بالانفصال الذي ظهر عام 2007، والفوضى التي خلّفها الربيع العربي. وهذه وفّرت بيئة مثالية للتنظيم في حضوره وتمدّده.

إقرأ أيضاً: القاعدة في اليمن: متجذّر محلياً وموزع جغرافياً (1)

والتوظيف السياسي الذي استفاد منه الرئيس صالح يومذاك، لا يختلف عن توظيف الحوثيين “القاعدة” والاستفادة منها مذهبياً وسياسياً وعسكرياً.

الحلقة الثالثة والأخيرة عن هذا موضوع..

*كاتب لبناني مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…