هدّدت حركة حماس بأنّ المقاومة الفلسطينية ستكون لها رسالتها الواضحة لاسترداد الغاز المسروق في بحر غزّة، مكررة خطاب حزب الله في لبنان. وقال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم إنّ حقول الغاز في البحر من حقّ الشعب الفلسطيني ويجب أن يستفيد منها. وفي مهرجان شعبي بحريّ نظّمتها فصائل العمل الوطني والإسلامي في غزّة، جرى تأكيد حقّ الشعب الفلسطيني بحقول الغاز والممرّ المائي للتواصل مع العالم، وافتتحت الفصائل الفلسطينية جداريّة “غازنا حقّنا” في ميناء غزّة بالتزامن مع إزاحة الستار عن الحجر الأساس لتدشين الممر المائي.
غزة والغاز
يمتلك الفلسطينيون حقلَيْ غاز في البحر المتوسط قبالة شواطئ غزّة اكتشفا عامَيْ 1999 و2000. سمي الحقل الأوّل غزّة مارين، ويقع ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة مدينة غزّة. أمّا الحقل الثاني فهو مارين 2، ويقع ضمن المنطقة الحدودية البحرية بين قطاع غزّة وإسرائيل، وحدّدت الشركة البريطانية الكميّة الموجودة من الغاز في بحر غزّة بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعّب، أي ما يكفي قطاع غزّة والضفة الغربية لمدّة 15 عاماً، حسب معدّلات الاستهلاك الحالية.
الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم: حقول الغاز في البحر من حقّ الشعب الفلسطيني ويجب أن يستفيد منها
على صعيد متّصل، ذكر موقع “والا” العبري أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن تدخّل شخصياً في المحادثات بين لبنان وإسرائيل بواسطة آموس هوكستين لترسيم الحدود البحرية بينهما باعتبارها مهمّة ومُلحّة. لكن من غير المتوقّع أن تنتهي المفاوضات على الحدود البحريّة قبل انتخابات الكنيست الإسرائيلي في تشرين الثاني.
رغم رسائل هوكستين المتفائلة لاتزال المفاوضات تواجه صعوبات، بعدما بدا أنّ الطرفَيْن قريبان من الحلّ. ربما بسبب الخلاف القانوني بشأن صلاحيّة حكومة انتقالية أن توقّع اتّفاق حدود من دون مصادقة الكنيست بأغلبية نسبية. وهذا ينطبق على الجانب اللبناني في حال حدوث شغور رئاسي.
كاريش: بين بدءٍ وإرجاء
وظَهَر في تل أبيب تباين واضح إزاء مسألة موعد بدء إنتاج الغاز من حقل كاريش، بين كلام منقول عن مصادر أمنيّة وسياسية يستند إلى إشعار من شركة “إنرجيان” بأنّ استخراج الغاز لا يمكن أن يبدأ في الشهر الحالي، بل في منتصف تشرين الأول المقبل أو آخره، وبين بيان الشركة نفسها نفت فيه ما جاء في التقارير عن تأجيل موعد تشغيل كاريش، مؤكّدةً على لسان مديرها العامّ ماتيوس ريغاس أنّ “مشروع كاريش يتقدّم حسب الجدول الزمني لبدء الاستخراج في غضون أسابيع”.
وظهر أيضاً تباين في الأسباب الموجبة لتأجيل الاستخراج. فقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار إنّ “تأجيل الاستخراج تقنيّ، ولا علاقة لتهديدات حزب الله به”، في مقابل حديث معلّقين عن أنّ التأجيل “سياسيّ”. وأكّدت الهرار أنّ “المفاوضات عبر الوسيط الأميركي أحرزت تقدّماً، لكنّها لم تصل إلى خواتيمها بعد”.
أيام قتالية
وفيما تحدّث حسن نصر الله عن احتمال الحرب إذا بدأت إسرائيل بإنتاج الغاز من كاريش قبل تحقيق اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، يتحدّث مسؤولون إسرائيليون عن “أيّام معركة”، وحذّر وزير الدفاع بيني غانتس من أنّ إسرائيل ستردّ بشدّة على كلّ استفزاز، وهي جاهزة لـ”معركة” في لبنان. وقدّرت مصادر عسكرية رفيعة المستوى أنّ إسرائيل قد تجد نفسها في “أيّام قتالية”: تبادل ضربات محدودة بينها وبين حزب الله على طول الحدود.
وتحدّث الكاتب إيال زيسر عن أن “قتال بضعة أيام – يطلق نصر الله في أثنائها صليات صواريخ نحو مدن إسرائيل ويضرب أحياء سكنية وذخائر استراتيجية، لنردّ بهجمات على مواقع إطلاق الصواريخ ومخازن السلاح أو بتصفية واحد أو اثنين من قادة التنظيم العسكريين – يفضل تداركه وتغيير مخطّطاته. وإذا كان هذا هو مزاجنا وطريقة تفكيرنا، فيبدو أنّ إسرائيل لم تتعلّم شيئاً من أحداث 2006، التي بدأت كأيام قتال وانتهت بحرب شاملة فاجأت إسرائيل”.
نصرالله خارج مخبئه؟
يجمع قادة تل أبيب على أنّ اللهجة التي يتحدّث بها نصر الله غير مسبوقة منذ حرب لبنان الثانية، ورأى أنّه جادّ في الخروج من الخندق الذي يختبئ فيه منذ 16 سنة، غير أنّ هؤلاء يدركون أنّ نصر الله ليس مغامراً، وتجربته الطويلة علّمته أن يتحدّث عالياً، ويعمل بحذر ولا خوف من أن يفاجئ إسرائيل بإطلاق رشقات من الصواريخ تجرّ ردّاً قاسياً من جانبها. ويقدر قائد القطاع الشمالي أمير برعم أنّ حزب الله حذر من مغامرة تؤدّي به إلى مواجهة واسعة وضياع احتمال أن يتمتّع لبنان بمقدّرات الغاز. ويرى برعم أنّ حزب الله إذا ما تحرّك سيتحرّك بطريقة متوازنة ومقوننة مثلما تميّز عمله في السنوات الأخيرة، بحيث لا يتعرض لخطر مواجهة. ورغم من ذلك تبقى قيادة الشمال مثل سلاح الجوّ وباقي المنظومات في الجيش الإسرائيلي جاهزة للقتال.
أمل لبنان الوحيد
في سياق متّصل، كشف موقع “غلوبس” أنّ إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية مارستا ضغوطاً متزايدة في الأسابيع الماضية على شركة “إنرجيان” لتأجيل إنتاج الغاز حتى انتهاء المفاوضات حول الحدود البحرية. وأضاف الموقع أنّ “مصادر في إسرائيل تخشى أن ينفّذ حزب الله تهديداته بمهاجمة منصّات كاريش، ما يؤدّي إلى إفشال المفاوضات وتصعيد عسكري.
وتدرك إسرائيل أنّ حقل الغاز البحري هو الضوء الأخير في النفق المظلم لدولة لبنان، وإنتاجه هو أملها الوحيد والأخير لتعود دولة تؤدّي مهامّها، ولبنان مستعدّ للذهاب بعيداً من أجل الدفاع عن هذا الأمل. ويرى محلّل الشؤون العسكرية ألون بن دافيد أنّ “إسرائيل أظهرت مرونة في المفاوضات، ووضعت مقترحاً هو Win-Win (رابح – رابح). وحسب المقترح الإسرائيلي، فإنّ خطّ الحدود سيُعدّل بحيث يكون حقل الغاز كاريش وهوامشه الأمنيّة في الجانب الإسرائيلي، وكلّ حقل قانا سيكون في الجانب اللبناني”. ويضيف: “الفكرة هي إنتاج ميزان ردع مستقرّ: مقابل المنصّة الإسرائيلية تكون المنصة اللبنانية، ويعلم كلّ طرف أنّ استهداف منصّة الطرف الثاني يؤدّي إلى خسارته مورده من الغاز”.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تقوض “السلطة” وفلسطينيون يستعدون للمقاومة
وتبقى الخشية من حسابات مغلوطة لدى حزب الله وإسرائيل من الممكن أن تنتهي باشتباك قويّ جداً، حتى لو كان الطرفان لا يريدانه، إذ يقدّر كلّ طرف أنّ الطرف الآخر غير معنيّ بحرب. وهذا ما يُنتج وضعاً تكون الحسابات فيه مغلوطة، فيقوم أحدهما بخطوة أكبر من قدرة المنافس على الاحتواء.
*كاتبة فلسطينية