“سُنّة” لبنان عند السعودية.. والبداية لقاء دار الفتوى

مدة القراءة 5 د

يكثر الحديث عن اللقاء الذي تنظّمه دار الفتوى برعاية المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان للنواب السُنّة. وما بات شبه مؤكد فإنّ السفير السعودي سيجمع النواب السُنّة لاحقاً ورعاية اتّفاقهم ولو على خطوط عريضة، أو جمع المنسجمين على رؤية سياسية واحدة.

يحتاج السُنّة في لبنان إلى إعداد مشروع استراتيجي قائم على منطق إعادة إحياء الأحزاب. ولا بدّ من الاستفادة من التجارب التاريخية التي حملت ازدهاراً في حقبة، وانهياراً في حقبات

هذا التوجه السعودي أكدته مصادر فرنسية لـ “أساس” مُشددة على أن المملكة أبلغت فرنسا أنها “مسؤولة عن الملف السُني في لبنان”.

في المقابل سعى خصوم السعودية إلى مواجهة السفير السعودي من خلال محاولات تفخيخ اللقاء وتضييع وجهته السياسية، خصوصاً في ظلّ وجود عدد من النواب السُنّة الذين يوالون حزب الله ويؤيّدون طروحاته. لا بأس بعقد اللقاء، لكن لا يمكن التعويل عليه إلا إذا تمّ العمل على جمع عدد من الشخصيّات المنضوية تحت سقف سياسي موحّد. وهذا يكون مرتبطاً بمدّة أو بمهلة، وأن يكون ذا بعد استراتيجي.

يحتاج السُنّة في لبنان إلى إعداد مشروع استراتيجي قائم على منطق إعادة إحياء الأحزاب. ولا بدّ من الاستفادة من التجارب التاريخية التي حملت ازدهاراً في حقبة، وانهياراً في حقبات. بدايةً استمدّت السنّيّة السياسية قوّتها في المنطقة من الدور الريادي الذي اضطلعت به المملكة العربية السعودية، وتعزّز في الثمانينيّات بعد قيادة حملة تحرير الكويت بتفاهم استراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ما كان له انعكاساته على التوازنات في المنطقة كلها، ومن ضمنها لبنان الذي حافظ على كيانه وريادته ودوره الذي فقده باغتيال رفيق الحريري.

في ما بعد انهمكت القوى العربية الكبرى بقيادة السعودية بمجموعة أولويّات، أبرزها مواجهة تداعيات الربيع العربي وتقدّم الإخوان في مصر، إضافة إلى البحرين، ووصولاً إلى أحداث اليمن. في هذه الملفّات أثبتت السعودية أنّها المرجعيّة في السياسة والحرب والاقتصاد.

السُنّة في لبنان، كما سُنّة المشرق، لديهم خيار واحد: اعتماد سياسة انتظاريّة إلى حين تصدّع النظام الإيراني وانكسار الهلال الشيعي. لكنّ المقصود هنا بالانتظار هو الصبر بناءً على مفهوم استراتيجي، لا أن يكون حالة سلبيّة قائمة على الحدّ من الخسائر فقط

الرهان على العرب

لا بدّ للبنان اليوم من الرهان على القوة العربية السنّيّة التي تتمثّل بمصر والمملكة العربية السعودية. وذلك من خلال العودة إلى المجال الرحب الأوسع، بدلاً من البقاء في الأفق الضيّق. كان خطأ السُنّة الاستراتيجي هو الموافقة على السير في تيّار جارف قدّم منطق الغلبة والتطييف والمذهبة على حساب كلّ ما له علاقة بالدولة الوطنية أو المشروع الوطني. أدّى ذلك إلى إضعاف الدور السُنّي. وهذا ما يتوجب مجابهته في هذه المرحلة، فهو أمر لا يحتمل التأجيل. ولذلك لا بدّ من مقاربات سياسية مختلفة عن تلك القائمة، تكون في متن اجتماع النواب السُنّة في دار الفتوى، ووراء ذلك أسباب كثيرة:

– أوّلاً، أسهم ابتعاد لبنان كثيراً عن عمقه العربي في إضعاف السُنّة، وأدّى إلى منعهم من القدرة على طرح الوجهة العربية أو تسويقها.

– ثانياً، اعتمد السُنّة في لبنان تاريخياً على توازنات وتفاهمات مع المسيحيين كانت تعطي للبنان مكانته ما بين الشرق والغرب، أو بين العرب والأوروبيّين، فيما لا يبدو أن المسيحيين اليوم يمثّلون توجّهاً غربيّاً، ولا يقدر السنّة على حمل التوجّه العربي والتواؤم معه.

– ثالثاً، اختلال موازين القوى بشكل حادّ لصالح حزب الله والشيعية السياسية، وهزيمة سُنّة المشرق العربي، وتحديداً في العراق وسوريا، وصولاً إلى محاولات إنهاء الحريرية السياسية في لبنان بالتوازي مع تلك الانكسارات السنّيّة التي بدأت مع اجتياح العراق واغتيال ياسر عرفات ثمّ رفيق الحريري. لم يعد السنّة قادرين على القيام بأيّ مهمّة أو طرح أيّ مشروع قابل للتحقّق حالياً ومن شأنه أن يضع ملامح مستقبل جديد على المديَيْن المتوسّط أو البعيد.

– رابعاً، السُنّة في لبنان، كما سُنّة المشرق، لديهم خيار واحد: اعتماد سياسة انتظاريّة إلى حين تصدّع النظام الإيراني وانكسار الهلال الشيعي. لكنّ المقصود هنا بالانتظار هو الصبر بناءً على مفهوم استراتيجي، لا أن يكون حالة سلبيّة قائمة على الحدّ من الخسائر فقط، بل ينطلق في البحث عمّا يمكن تحقيقه، سواء من خلال الحفاظ على الوجود، أو من خلال لعب دور قادر على استنهاض الهمم واستنباط رؤية استراتيجية لجماعة طالما رأت أنها “الأمّة – الدولة”، تمهيداً لحصول تغيّر جيوستراتيجي تشهده المنطقة.

– خامساً، لا بد للسُنّة في لبنان والمشرق من التعامل بواقعيّة وفق حجمهم ذي الامتداد البعيد مهما انطوى على ضعف في التأثير والأداء السياسي، ولكنّهم قادرون على الارتكاز على جملة نقاط من بينها:

– امتدادهم الواسع في المحيط الذي يبقيهم في الموقع المتقدّم على الآخرين، ولا سيّما في سياق تقديم رؤية وطنية غير طائفية ولا مذهبية.

– القدرات الماليّة لديهم ستكون وحدها كفيلة بإعادة رفد الاقتصاد اللبناني بأوكسيجين قادر على إنقاذه واستنهاضه.

إقرأ أيضاً: السعودية لفرنسا: لا مساعدات للبنانَ يحكُمُهُ الحزب

– تمتّعهم بمقوّمات العلاقة التاريخية مع العرب ومع الدولة برمزيّتها ومؤسّساتها الوطنية، وهي لا يمكنها أن تتعزّز بدون مشروع سياسي يقوم على إعادة الاعتبار لمفهوم الأحزاب والنظم السياسية، بدلاً من الغرق في مجموعات متناحرة لأسباب شخصية ومصلحية.

– هذه النظم السياسية التي لا بدّ من تأسيسها يُفترض بها أن تكون منطلقاً لمشاريع ذات أبعاد وطنية واسعة كفيلة وحدها بإعادة السنة إلى مسار العمل الوطني، بدلاً من الغرق في سياق لعبة الطوائف التي تؤدّي إلى تصغير حجمهم وإضعاف دورهم وتأثيرهم.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…