بول سالم – MEI
على الرغم من أنّ النتائج النهائية والرسمية لم تكن قد أُعلنت بعد (حين كتابة هذه السطور)، إلا أنّ النتائج المتقدّمة إلى حدّ ما أظهرت أنّ الناخبين وجّهوا ضربة خطيرة للحلفاء السياسيين لحزب الله، وفضّلوا انتخاب خصومهم، وجلبوا عدداً أكبر من المتوقّع من مرشّحي المجتمع المدني الجدد إلى البرلمان، وذلك مع انخفاض إقبال الناخبين، أي حوالى 41%، وهو أقلّ بكثير من الإقبال في الانتخابات الأخيرة عام 2018. وعلى الرغم من الانقسام الكبير بين صفوف المجتمع المدني الذي فشل في تشكيل حركة “ثورية” موحّدة أو قوائم وطنية، فإنّ المرشّحين الجدد من هذه اللوائح المتباينة حقّقوا اختراقات على حساب الأحزاب والسياسيين المتجذّرين في ما بين 10 أو 11 مقعداً.
ومع أنّ هذا الاختراق ما يزال يمثّل جزءاً صغيراً من البرلمان المكوّن من 128 مقعداً، إلا أنّه يكشف أنّ التغيير ممكن، وأنّ عدداً كبيراً من الناخبين سيصوّتون للتغيير إذا مُنحوا بديلاً مقبولاً، وتبيّن أيضاً أنّ الأحزاب والسياسيين الراسخين معرّضون للخطر.
من الإنصاف القول إنّ نتائج هذه الانتخابات فاجأت حتى المجتمع المدني والجماعات الإصلاحية التي بدأت تفقد الأمل في إمكانية التغيير
وفي أيّ حساب تقليدي، يمكن القول إنّ الانتخابات أضعفت التحالف الموالي لحزب الله وأفادت خصومه. في المجتمع المسيحي، شهد التيار الوطني الحر التابع للرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، المتحالف مع حزب الله، انكماش كتلته البرلمانية، التي حلّت الآن في المركز الثاني بعد كتلة حزب القوات اللبنانية المناهض بشدّة لحزب الله، التي أضحت أكبر. وشاهد الزعيم المسيحي الموالي للأسد والمتحالف مع الحزب في شمال لبنان، سليمان فرنجية، تقلّص نفوذه، وفشل في توفير أغلبية حتى في مسقط رأسه في زغرتا. لم يعد بإمكان كلّ من باسيل وفرنجية ادّعاء تمثيل تيار سياسي مهيمن في المجتمع المسيحي، ولم يعد لديهما حجّة قوية للاعتماد عليها في السباق إلى رئاسة الجمهورية.
في المجتمع الدرزي، خسر السياسيون الموالون لحزب الله وللأسد منذ مدّة طويلة أمام مرشّحي المجتمع المدني الإصلاحيين. وخسر الحزب عدداً من المرشّحين السُنّة والمسيحيين الموالين له، في معقله بجنوب لبنان. وفي المجتمع السنّيّ، خرج الزعيم المهيمن سابقاً سعد الحريري من هذه الانتخابات، وتوزّعت أصوات السُنّة على مجموعة واسعة من اللوائح المناهضة لحزب الله أو اللوائح التابعة للإصلاحيين. وكان أداء السُنّة حلفاء حزب الله والأسد سيّئاً جدّاً.
لقد حافظ حزب الله وحركة أمل على اكتساحهما لـ 27 مقعداً شيعياً في البرلمان. لكنّ زعيم الحزب، حسن نصر الله، أوضح في خطاباته الأخيرة أنّ هدف حزبه في هذه الانتخابات هو التأكّد من أنّ حلفاءه في الطوائف الأخرى قد قاموا بعمل جيّد. في هذا، لقد فشل. فَقَد الحزب غطاءه المسيحي الرئيسي، وخسر حلفاء رئيسيين في الطائفتين السنّية والدرزية، وفَقَد الأغلبية التي كان يعتمد عليها في السابق في البرلمان. وبالطبع، يبقى هو الحزب المهيمن في المجتمع الشيعي، والجماعة المسلّحة القويّة جدّاً، التي لا تتردّد في استخدام القوّة داخل البلاد وخارجها لتحقيق أهدافها أو أهداف إيران.
ومن الإنصاف القول إنّ نتائج هذه الانتخابات فاجأت حتى المجتمع المدني والجماعات الإصلاحية التي بدأت تفقد الأمل في إمكانية التغيير. إنّ ذلك يوضح مدى أهميّة الانتخابات، ومقدار التعبئة السياسية وحجم التصويت اللذين يمكن أن يحدثا التغيير حتى في بلد معطّل مثل لبنان وتهيمن عليه الميليشيات.
في الأسابيع المقبلة، يتعيّن على البرلمان أوّلاً أن ينتخب رئيساً له. زعيم حركة أمل نبيه برّي كان هو الرئيس على مدار الثلاثين عاماً الماضية، وقد يبقى كذلك مرّة أخرى، لكنّ نتائج الانتخابات تجعل طريقه إلى الفوز أكثر صعوبة. بعد ذلك، يجب على رئيس البرلمان الانخراط في مشاورات برلمانية لاختيار شخص لتشكيل الحكومة المقبلة. كان أداء رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي ضعيفاً في هذه الانتخابات، لكن لم يتّضح بعد مَن قد يظهر بديلاً له. المَعْلم السياسي الكبير التالي هو الانتخابات الرئاسية التي ينبغي أن تجري هذا الخريف. لم تعُد قابلةً للتطبيق خطّة حزب الله الأصليّة، وهي محاولة إيصال أحد حلفائه المقرّبين، جبران باسيل أو سليمان فرنجية، إلى هذا الموقع. ونظراً إلى أنّ انتخاب رئيس يتطلّب نصاباً بنسبة الثلثين في البرلمان، وهو نصاب لا يمتلكه أيّ تحالف سياسي، فقد تكون البلاد مقيّدة بفراغ رئاسي طويل الأمد.
إقرأ أيضاً: الانتخابات المريرة وبدايات التغيير
في غضون ذلك، البلاد في حاجة ماسّة إلى حكومة جديدة يمكنها العمل مع البرلمان الجديد لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لتوفير حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، والبدء بتبديل اتجاه الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. على الرغم من أنّ هذه الانتخابات قد أحدثت تغييراً سياسياً مهمّاً وإيجابياً، إلا أنّ الطريق السياسي أمامنا لا يزال محلّ نزاع شديد، ومن غير المرجّح أن ينتج إجماع سياسي كافٍ لتنفيذ الإصلاحات الرئيسية اللازمة. لكنّ الانتخابات تعطي الأمل في أنّ التغيير ممكن بالفعل في البلاد، وأنّ الجهود المبذولة لإحداث تغيير أكثر ديمومة وواسع النطاق تستحقّ أن تتضاعف.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا