“الحاصل” السياسيّ الجديد بين السنيورة والحريري

مدة القراءة 5 د

بعد إسدال الستارة على الانتخابات النيابية بإعلان نتائجها، تُفتح صفحة جديدة بين الرئيس فؤاد السنيورة والرئيس سعد الحريري، وستكون هناك إطلالة للسنيورة قريباً لكي يقرأ نتائج الاستحقاق البرلماني عموماً، وحصيلة تجربة العمل لسدّ فراغ انسحاب الحريري خصوصاً. وفي هذه الحصيلة ما يشير إلى أنّ كلّ المحاولات لإيجاد جوّ وئام بين الرجلَيْن لم تصل إلى غايتها المنشودة.

في جلسة بعد يوم الانتخابات في 15 أيار الجاري ضمّت السنيورة وعدداً من أعضاء لائحة “بيروت تواجه” التي عمل رئيس الحكومة السابق لكي تخوض السباق الانتخابي في بيروت الثانية، وضع الأخير يده على رأسه مندهشاً ممّا ورد في تغريدة الحريري في 16 الجاري التي جاء فيها: “قرارنا بالانسحاب كان صائباً”. هذه العبارة هي على نقيض ما ورد في التغريدة ذاتها: “انتهت الانتخابات ولبنان أمام منعطف جديد. الانتصار الحقيقي لدخول دم جديد إلى الحياة السياسية”. ومبعث دهشة السنيورة هو كيف كان يمكن لهذا “الانتصار الحقيقي” أن يتحقّق لو لم تكن هناك مشاركة من مئات الألوف من البيئة الحاضنة لتيار “المستقبل” في لبنان عموماً، وعشرات الألوف في بيروت الثانية خصوصاً؟

كثيرة هي التفاصيل عمّا جرى في أيار، وسيجري إعلانها قريباً. منها ما وصفه السنيورة بـ”الطعن بالخناجر” التي سُدّدت للماكينة الانتخابية للائحة “بيروت تواجه” يوم الاستحقاق

ماذا سيقول السنيورة عندما سيطلّ لاحقاً ليرسم صورة المرحلة المقبلة؟

من بواكير الكلام هو “الله يهديهم”، قاصداً كلّ الذين عملوا كي تخسر اللائحة التي شكّلها في بيروت الثانية. وهنا يقول له أحدهم إنّ هؤلاء الخصوم يستحقّون قولاً أشدّ من الدعوة إلى “هدايتهم”، فيجيب السنيورة مردّداً ما ورد في الآية القرآنية: } ويمدّهم في طغيانهم يعمهون{ (سورة البقرة، الآية 15). ولم يفُت مَن استمع إلى السنيورة إدراك أنّ هؤلاء المناهضين للائحته هم من كانوا “ملكيّين أكثر من الملك” في وسط الحريري البيروتي، وظهر أنّ “الملك” نفسه كان على الخطّ نفسه في بيروت.

كثيرة هي التفاصيل عمّا جرى في أيار، وسيجري إعلانها قريباً. منها ما وصفه السنيورة بـ”الطعن بالخناجر” التي سُدّدت للماكينة الانتخابية للائحة “بيروت تواجه” يوم الاستحقاق. لم يكتم السنيورة حزنه لهذا الاستهداف له شخصياً، وكأن لا أولوية أخرى عند هؤلاء الذين ناصبوه العداء غير محاربته. وهنا يكرّر ما دأب على قوله دوماً من أنّ “مكان الرئيس سعد الحريري محفوظ عندما يقرّر العودة إلى العمل السياسي، فإذا ما عاد فسأكون إلى جانبه فوراً”. وعندما يسأله أحد جلسائه عن بقائه على قوله هذا بعد ما جرى في 15 أيار، يُطرق مفكّراً، ويجيب أنّه عندما سيتكلّم سيكون صريحاً، ولا يعني ذلك أنّه يخوض حرباً، مكتفياً بعبارة: “لن أقبل بالابتزاز”.

 

رواية الحريري لـ15 أيّار

قد يكون مهمّاً جدّاً أن تكون هناك رواية يرويها الحريري بنفسه تتّصل بما جرى يوم الأحد الانتخابي الذي كانت وقائعه تتوالى أمامه مباشرة في مقرّ إقامته بدولة الإمارات العربية المتحدة. حتى الآن لم يظهر من هذه الرواية سوى هذا الجزء القليل الوارد في تغريدة زعيم تيار “المستقبل”.

من ناحيته، لا يغادر السنيورة “سكينته” التي تجعله ينظر إلى النتائج الإيجابية التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية، والتي أدّت إلى فوز باهر لعدد من المرشّحين الذين دعمهم شخصيّاً في الجنوب والبقاع والشمال، وعددهم خمسة ستتمّ تسميتهم في الوقت المناسب. ويضيف هنا أحد مساعدي السنيورة قائلاً إنّ الأصوات التي وفّرها مرشّح الأخير في صيدا يوسف النقيب هي التي قلبت المعادلات في جزّين وأدّت إلى فوز مرشّحَيْ “القوات اللبنانية” وسقوط منافسيْهما في “التيار الوطني الحر”.

ممّا يقوله السنيورة عن كلّ الجهد الانتخابي الذي قام به شخصياً، أنّه تحقّق فقط في 45 يوماً فقط، ابتداء من 23 شباط الماضي. ويكشف عن اتصالات مع أصدقاء قاموا بتمويل اللوائح التي سعى إلى تشكيلها، سواء بإقراض الدعم أو بوهبه. وقد جاء هذا الدعم بعدما اقتنع الأصدقاء بأنّ هذه اللوائح منخرطة في الانتخابات على أساس قضية هي “قيام الدولة وإسقاط الدويلة”. ويضيف السنيورة: “كلّ همّي انصبّ على قيام نموذج يطلّ من خلاله لبنان على العالم العربي الذي تتولّى زمامه أجيال لم يعد يعني لها لبنان شيئاً بعد جيل الآباء الشديد الارتباط بلبنان”. ويتابع كلامه: “سيكون نجاح هذا النموذج معبراً بين لبنان والدول العربية، وسيكون وسيلة كي يحظى لبنان بالدعم الذي يأمل الحصول عليه”.

إقرأ أيضاً: انتخابات لبنان بين التفاؤل والتشاؤم

في انتظار جلاء غبار نتائج الانتخابات النيابية النهائية، وفي انتظار قراءة السنيورة لها، لا ضير من استخدام كلمة “حاصل” المشهورة في القاموس الانتخابي، وهي كلمة بمعناها الحرفيّ تدلّ على حجم الأصوات التي تنجم عن قسمة عدد المقترعين في الدائرة على عدد اللوائح المتنافسة فيها، وبها يتحدّد مَن يفوز ومَن يخسر، للإشارة إلى أنّ هناك “حاصلاً” سياسياً سيظهر على سطح العلاقات بين السنيورة والحريري بعد الانتخابات. وفي انتظار ما سيعلنه السنيورة رسميّاً، كلّ الدلائل تشير إلى أنّ ما بين الرجليْن قبل 15 أيار لن يكون كما بعده.  

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…