شكراً سلطان القاسمي

مدة القراءة 3 د

نعى الأستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب.

مظفر.. مات !

بموته يوقظ في وجداننا جذوة ماضٍ كاد أن ينطفئ بفعل قسوة الحاضر وتجرده من كل قيمة تُعلي من شأن الانسان، بل تتفنن في الحط من بارقة أمل في عبور دنس الرثاثة وسقوط المعنى وانزياح الظلامية المستبدة!

مات مظفر..

لكنه بقي منزها عن كل عيبٍ إنتبذه في سيرته وابداعه وحسه بالعدالة..
لم يفقد، رغم قسوة ترحاله في أزمان ومقامات كانت موضع حفاوة به، ظل متشبثاً بحنين مولده الى الوطن. لكنه لم يكن اي وطن. بل فضاءً يتسع بالأمل في المرتجى بعالم الفضائل واحلام السعادة، دون ان يثنيه عن ذلك القهر والاستبداد والعهر السياسي واشباه الرجال وفضلات الجهالة والغباء ومتعهدي الاستباحات التي يأنف عنها العيب نفسه.

مات مظفر  …

لكنه موت الانبعاث للتبشير باستحالة دوام الضيم، واستمرار أسر الوطن، واسترقاق ارادة العراقيين، وهيمنة لصوص المقابر الملثمين بجبنهم واحساسهم بالهزيمة التي لا مفر منها، مهما تطاولوا، وباي وسيلة تشبثوا، وباي سلاح تفرعنوا..

منذ عقدين، بقي مظفر زائراً مقيماً في المشافي، يتوسد الامه بصمت. وبين رحلة استشفاء وترجل، بقي مقيماً على إرادة رفض “هبات رخيصة” لأشباه رجالات دولة، كما لو انه ليس مظفراً. وفي كل مرة كان يرفض بما يشبه طرد حامل “البريد”.

كان يقول: يا للوقاحة، وهو يرد مظروف احد لصوص المال العام، يريد ان ازكي وساخة ضميره …!
ويكرر القول مع كل موفد يحمل عار رئيس وزراء، او وزير ملوث…
ظل مظفر، رغم سماحته، يأنف عن استقبال وزير او موفد وزاري، خشية من شبهة تنال من براءته..
عاش مظفر متجنباً، على قدر حساسية اللحظة التي يواجه فيها مصيره كل ما يمكن ان يثلم ما اراد ان يشكل هويته الانسانية، دون أن ينكر او يتنكر لضعفه الانساني وهو يواجه صروف الحياة وتقلباتها ومساراتها التي قل مثيلها من العسف والاستلاب..

مات مظفر دون ان يخلف ولداً او متاعاً او عهدة تكون موضع نزاعٍ او تربص. فقد وزع كل ما كان يملك من مال قبل عقدين من رحيله على من اصطفاهم من اهله المقربين، دون ان يفكر بانه اولى بما يملك وهو يعاند المرض والمصير المجهول..

لكنه ترك اخاً وصديقاً ورفيقاً قلما يوجد له مثيل بالوفاء، والإيثار، والرعاية، والحب. ترك له حازم الذي لم يفارقه لحظة واحدة ملازماً سريره دون انقطاع طوال ثلاثة عقود. حازم الذي كان له اماً واباً واخاً واختاً..

لم اعرف في حياتي ” فضيلة ” مداحي الملوك والامراء وذوي الجاه! .. لكني سأفعل هذا الان، منزهاً من كل مصلحة، دون ان التقي او احادث من اوجه له التحية والتقدير وخالص العزاء ايضاً، لأنه ظل يحتضن مظفر طوال مرضه مكرما معززا بصمت.. أحيي دون تردد وأيا كان وراء كرمه واحتضانه الشيخ سلطان القاسمي.

مات مظفر وفي خاطره بعد ان فقد التعبير: يا سعود احنه عيب انهاب يا بيرغ الشرجية..
سلاماً مظفر ..والى الملتقى ..!

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…