هل طارت مفاوضات ترسيم الحدود؟

مدة القراءة 5 د

تداخلت الوقائع المتّصلة بملف ترسيم الحدود بعضها بالبعض الآخر، إلى حدّ تضييع الحقائق. لا شكّ أنّ كُثراً من اللبنانيين، ممّن يتابعون هذه القضية السيادية عن كثب، غرقوا في متاهة المواقف والتطوّرات التي تلاحقت الواحد تلو الآخر، والتي تناقضت في مضمونها إلى حدّ تبادل اتّهامات التخوين بين كبار المسؤولين.

تجلّى التضارب في المواقف خلال زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت، حين تبيّن للمعنيّين أنّ الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذين التقاهم الدبلوماسي الغربي، هم على الموجة نفسها، إذ اعتبروا ثلاثتهم أنّ الخطّ 23 هو خطّ التفاوض بعد التخلّي عن الخطّ 29، خلافاً لِما ورد في الرسالة التي أودعها لبنان في الأمم المتحدة والتي لم تذكر الخطّ 29 بالاسم، لكنّها طالبت بـ”الامتناع عن أيّ نشاط في المناطق المتنازع عليها”، محذّرةً “من رفع مطالب لاحقة ومراجعة حدود منطقته الاقتصادية الخالصة كما تنصّ المادة 3 من المرسوم 6433 إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق التسوية التفاوضية”. وهو الأمر الذي شرّع باب التساؤل عمّا إذا كانت جولة التفاوض الجديدة تخفي تسوية ما تمّ التوصل إليها ويُنتظر التوقيت المناسب للكشف عنها.

تقول المصادر المعنيّة إنّ هذا التطوّر مريب وغير مبرّر من جانب الأمم المتحدة لأنّها المسؤولة رسميّاً عن هذا الأمر، وإنّ الرسالة اللبنانية، ذات أهمية بالغة بدليل “إخراجها” من رقعة شطرنج التفاوض

ثم ارتفع منسوب التشكُّك في وجود صفقة ما، مع حصول تطوّرين أساسيّين:

– إعلان رئيس الجمهورية بشكل واضح لا لبس فيه أنّ “حقّ لبنان في ترسيم الحدود البحرية يتركّز على الخط 23″، وتأكيد وزير الخارجية عبد الله بو حبيب أنّ “الخط 29 لا يفيد… وبدنا ناكُل عنب”.

– اختفاء الرسالة المبعوثة إلى الأمم المتحدة على نحو أثار الالتباس حول حقيقة ما حصل في هذا الشأن. قبل أن تنفي وزارة الخارجية أن يكون قد “تمّ حذف الرسالة التي شكّلت ردّاً ملائماً على المزاعم الإسرائيلية ودفاعاً عن حقوق لبنان في حدوده البحرية وثروته النفطية، ولم يرِد في مضمون الرسالة، كما هو واضح، أيّ ذكر للخطوط التي تداولها الإعلام”. ونشرت رابطاً يبيّن الرسالة https://digitallibrary.un.org/record/3957927?ln=en

إلا أنّ التدقيق في هذا الرابط يظهر بوضوح أنّ الرسالة موجودة على موقع المكتبة الإلكترونية الخاصة بالأمم المتحدة، فيما تمّ حذفها أو سحبها من على الموقع الرسمي لقسم شؤون المحيطات وقانون البحار المعتمد من الدول للاعتراض بشأن النزاعات الحدودية. وهو الموقع الذي تلجأ إليه الشركات المهتمّة بهذا الشأن للتأكّد من احتمال وجود نزاعات حدودية أو عدمه. ويتبيّن وفق ما هو مرفق (صورتان) أنّ الرسالة، كما الرسالتين الإسرائيليّتين اللتين وُجِّهتا بتاريخ 23 تشرين الثاني 2021 و27 كانون الأول 2021 إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد حُذفت من الموقع بشكل نهائي.

[PHOTO]

ماذا فعلت الأمم المتحدة؟

تقول المصادر المعنيّة إنّ هذا التطوّر مريب وغير مبرّر من جانب الأمم المتحدة لأنّها المسؤولة رسميّاً عن هذا الأمر، وإنّ الرسالة اللبنانية، التي أعقبت الرسالتين الإسرائيليّتين، ذات أهمية بالغة بدليل “إخراجها” من رقعة شطرنج التفاوض.

وقد سبق لـ”أساس” أن سلّط الضوء على تأثيراتها القانونية، إذ إنّها نسخة مخفّفة من تعديل المرسوم 6433، لكنّ لها المفاعيل القانونية نفسها. وتتلخّص التأثيرات المباشرة بالآتي:

أوّلاً، تحمي المنطقة الواقعة بين الخطّين 23 و29 من أيّ أعمال استكشافية قد تقوم بها إسرائيل، لأنّ الشركات العالمية ستمتنع عن العمل في هذه المساحة المقدّرة بحوالي 1430 كلم مربّعاً لأنّها صارت بالمفهوم اللبناني، كما بالمفهوم الدولي، تحت خانة “المتنازع عليها”، ما دام لبنان قد ثبّت هذه الواقعة بإيداعه رسالة في الأمم المتحدة بهذا المعنى. لذلك يتوقّف العمل في البلوك الـ72 الإسرائيلي الذي سبق للحكومة الإسرائيلية أن أجرت مناقصة للعمل فيه شاركت فيها شركتان هما “شيفرون” و “اينيرجين”، وستكون وضعيّة البلوك بكامله معلّقة بانتظار معالجة النزاع.

ثانياً، تحمي حقل قانا اللبناني الموجود على أطراف الخطّ 23، لكن خارجه، فيما كان بإمكان السلطات الإسرائيلية السماح ببدء التنقيب فيه لأنّ لبنان رفض تثبيت حقّه خارج الخطّ 23، برفضه تعديل المرسوم 6433.

ثالثاً، يمكن للسلطات الإسرائيلية البدء بأعمال التنقيب في حقل كاريش الجنوبي، لكنّ الحقل الشمالي سيكون خاضعاً لقواعد التنازع، ويخرج من دائرة احتمالات إخضاعه للعمل الاستكشافي.

إقرأ أيضاً: “خطّ نار” بين بعبدا واليرزة: ترسيم الحدود البحرية…

هل طارت المفاوضات؟

وعليه، يقول المعنيّون إنّ الأمم المتحدة تقف أمام مسؤولية توضيح حقيقة ما حلّ بالرسالة، ذلك لأنّ حفظها في مكتبة الأمم المتحدة لا يعني أبداً أنّ للبنان الحقّ في حماية حقوقه التفاوضية. وهذا يعني أيضاً أنّ إسرائيل لم تعد تخشى استكمال عمليات التنقيب في المنطقة الواقعة بين الخطين 23 و29 بعدما أعلن لبنان رسميّاً على لسان مسؤوليه أنّ حدوده تقف عند الخطّ 23. وقد سقطت الحجّة القانونية (الرسالة) التي تحمي المنطقة بين 23 و29. لذلك لم تعد إسرائيل مستعجلة للعودة إلى طاولة المفاوضات من جديد ما دامت مصالحها في هذه المنطقة محفوظة، وبدأت أعمال الاستكشاف فيها (حقل كاريش).

هذا يقود إلى السؤال: هل طارت مفاوضات ترسيم الحدود؟

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…