في الجلسة التشريعية يوم الاثنين الماضي التي شهدت إعادة الرئيس نبيه بري قانون استقلالية القضاء إلى لجنة الإدارة والعدل، وجّه الأخير اتهاماً مبطّناً لوزير العدل هنري خوري بـ”التخاذل” في مواجهة مجلس القضاء الأعلى، ربطاً بأدائه في ما يتعلق بأزمة التحقيق العدلي بانفجار مرفأ بيروت.
أتت هذه “اللطشة” في سياق رصد “الثنائي الشيعي” مسار وزير العدل في تعاطيه مع تحقيقات القاضي طارق البيطار وإصراره على عدم التدخل كسلطة سياسية في تصويب مجرى التحقيق.
إذ بعد تأكيد خوري في الجلسة التشريعية على عدم اطّلاع مجلس القضاء الأعلى على صيغة القانون وعدم تمكنه شخصياً من قراءته “لأنه وصلني منذ ثلاثة أيام”، عاجله الرئيس بري بالقول: “لو إنّك قبضاي هيك أمام مجلس القضاء الأعلى”.
التحقيقات المتوقفة في انفجار مرفأ بيروت منذ 13 كانون الأول الماضي لا يبدو أنّها ستُستأنف قريباً
في اليوم نفسه ردّ وزير العدل على برّي عبر شاشة otv المحسوبة على التيار الوطني الحرّ، فسأل: “شو عرّفو (بري) شو عم بصير؟ القصة “مش رياضة”، ومين أقوى من مين. نحن نأخذ مواقف من كل شيء، لكن لا نستطيع الإعلان عنها. وسبق أن قلت إنّ نصف الحلول حلولاً، وهناك أمور ليست بيد وزير العدل”.
مصدر مطلع على موقف برّي يقول لـ”أساس” إنّ “المقصود في كلام رئيس مجلس النواب هو أنّ وزير العدل، وعملاً بتوازي الصيغ، وكونه الجهة التي توقّع مرسوم تعيين المحقق العدلي كان بإمكانه الرجوع عن هذا القرار واقتراح تعيين محقّق عدلي آخر حماية للسلم الأهلي ومنعاً من انحراف التحقيق عن مساره. وبالتالي وُجِبَ تدخله لدى مجلس القضاء الأعلى، كونه الجهة التي تقترح اسم المحقّق العدلي، وتنبيهه إلى خطورة أداء البيطار الذي يقود إلى انقسام القضاء وخراب البلد”.
أين أصبح تحقيق المرفأ؟
عملياً، التحقيقات المتوقفة في انفجار مرفأ بيروت منذ 13 كانون الأول الماضي لا يبدو أنّها ستُستأنف قريباً. القاضي طارق البيطار غير قادر على الاستمرار في النظر بالملف، ولا العودة إلى متابعة ملفات “جنايات بيروت” بعدما تمّ تعيين قاضي التحقيق في بيروت فؤاد مراد بالانتداب في رئاسة المحكمة.
عوامل عدّة دخلت على خط التحقيقات لتُجمّدها، على رأسها الفيتو المرفوع من فريق حركة أمل وحزب الله بوجه المسار الذي انتهجه البيطار. ومن نتائجه المباشرة: جلسات بجدول أعمال محدّد لمجلس الوزراء، وتطويق المحقّق العدلي بالدعاوى منعاً لاسترساله في منحى انعكس انقساماً على مستوى أهالي ضحايا المرفأ والجسم القضائي والرأي العام.
يتزامن ذلك مع اعتكاف مفتوح ينفّذه قضاة لبنان، وإضراب المساعدين القضائيين. وهو واقع يُرجّح أن يطول بسبب الوضع المزري لأحوال القضاة وقصور العدل، وإحالة قانون استقلالية القضاء مجدداً إلى لجنة الإدارة والعدل إفساحاُ في المجال أمام إعادة درسه وإطلاع مجلس القضاء الأعلى عليه.
دعوى مخاصمة جديدة
بعد أسبوع من ردّ رئيسة الغرفة الثانية في محكمة التمييز القاضية رولا المصري طلب الردّ المقدّم من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر ضد رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز القاضي ناجي عيد، الناظر في طلب ردّ القاضي البيطار، تقدّم النائبان خليل وزعيتر أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بدعوى مخاصمة الدولة ضدّ القاضي عيد.
هي دعوى تُضاف إلى دعوى مخاصمة الدولة عن أخطاء قضاة المقدّمة من وكيل الوزير السابق يوسف فنينانوس المحامي نزيه خوري، أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضد البيطار، والتي لم تبتّ فيها حتّى الآن.
عملياً، دعوى خليل وزعيتر ستؤدي مرة جديدة إلى تجميد عمل القاضي عيد المكلّف النظر في طلب ردّ القاضي البيطار ومتابعة التحقيق بالملفّ إلى حين الفصل بالدعوى.
مصادر قضائية تقول لـ”أساس” إنّه “على أعضاء مجلس القضاء الأعلى الطلب من رئيسه اللجوء إلى التصويت ما يسهّل اتّخاذ القرار، منعاً لبقاء الأمور معلّقة بهذا الشكل
هيئة معطلة
لكنّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز “معطلة” حالياً بسبب فقدانها النصاب. مع ذلك، تؤكد مصادر قانونية لـ”أساس” إنّ “تقديم دعوى أمام محكمة كأنّها غير موجودة لا يلغي مفاعليه. إذ يتوقف القاضي عيد عن النظر في ملفّ البيطار إلى حين إصدار الهيئة العامة قرارها في دعوى المخاصمة، وهو الأمر الذي لن يحصل قبل ملء الشغور فيها”.
تفيد معلومات في هذا السياق أنّ مجلس القضاء الأعلى اجتمع ظهر الاثنين لدراسة قضية اعتكاف القضاة طالباً منهم العودة عن هذا القرار، ولم يتمكن من حسم مسألة التشكيلات الجزئية لتعيين قضاة أصيلين في رئاسة غرف التمييز تتألف منهم الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
هو واقع يستكمل الاجتماع الأخير لمجلس القضاء الأعلى في 15 شباط حين عجز أعضاء المجلس، بعد نقاش طويل، عن تعيين وتثبيت ستة قضاة في رئاسة غرف محكمة التمييز، وهي إما شاغرة أو منتدب اليها قضاة لا يحقّ لهم المشاركة في اجتماعات الهيئة العامة لمحكمة التمييز ما أفقد الهيئة نصابها.
جوهر الخلاف
الخلاف الأساس بين رئيس مجلس القضاء الأعلى وبعض أعضاء المجلس، على رأسهم مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، هو حول تثبيت القضاة: رندة كفوري (الغرفة السادسة) وجانيت حنّا (لغرفة الخامسة) وناجي عيد (الغرفة الأولى)، في مواقعهم التي يشغلونها حالياً بالانتداب.
وفق المعلومات يطرح القاضي عويدات اسم النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات رئيساً للغرفة السادسة في محاكم التمييز فيما يصرّ القاضي عبود على اسم القاضية كفوري، مع العلم أنّ بركات أعلى درجة منها.
مصادر قضائية تقول لـ”أساس” إنّه “على أعضاء مجلس القضاء الأعلى الطلب من رئيسه اللجوء إلى التصويت ما يسهّل اتّخاذ القرار، منعاً لبقاء الأمور معلّقة بهذا الشكل. ويبدو أنّ هؤلاء ينتظرون من القاضي عبود الذهاب إلى خيار التصويت. وهو لن يبادر إلى ذلك لأنّه سيخسر”!
عيد باقٍ؟
بات محسوماً أنّ القاضية حنا لن تثبّت في موقعها كرئيسة الغرفة الخامسة في محكمة التمييز بعد تقديم استقالتها ثم العودة عنها. إلا أنّ القاضي عيد الذي كفّت يده مجدداً بفعل دعوى المخاصمة ضدّه سيثبّت على الأرجح في رئاسة الغرفة الأولى لمحكمة التمييز.
يذكر أنّ مجلس القضاء الأعلى كان وافق على استقالة القاضيات كارلا قسيس وجانيت حنّا ورولا الحسيني. وبعد عودة القاضيتين قسيس وحنّا عن استقالتيهما، طالب القاضي عبود مجلس القضاء الأعلى بإصدار قرار قبول العودة عن الاستقالة، لكنّ المجلس رفض ذلك مؤكّداً أنّ الملف بات بعهدة وزير العدل.
إذا، منذ أسابيع يعجز مجلس القضاء الأعلى عن فكفكة عقدة الأسماء بينها عقدة رندى كفوري ومنيف بركات. القاضي عبود يتمسّك بكفوري في رئاسة الغرفة السادسة وأغلبية مجلس القضاء الأعلى ترفض ذلك، مع العلم بأن القاضيّين من الطائفة الكاثوليكية المُطوّبة حالياً لهذا الموقع.
إقرأ أيضاً: الثنائيّ الشيعيّ يُهدّد: لن نسمح بالخروج على الاتّفاق
القاضية كفوري كانت ردّت دعوى فنيانوس ضدّ البيطار بسبب الارتياب المشروع، وقبلت دعوى نقابة المحامين ضدّ القاضي غسان خوري بكفّ يده عن النظر في دعوى المرفأ بسبب الارتياب المشروع.
وبالنسبة لعدد من أعضاء مجلس القضاء الأعلى خالف كلٌّ من القاضيين جانيت حنّا وناجي عيد نصوصاً قانونية مُلزِمة لهما بتبليغ أطراف الدعوى بالدعوى قبل النظر في طلب ردّ القاضي البيطار.