أوكرانيا: بوتين يدافع.. أو يهاجم؟

مدة القراءة 5 د

خرجت الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان مثقلة بثلاثة أعباء:

1- 2 تريليون دولار صُرفت على الحرب.

2- أكثر من ألفيّ قتيل (وعشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين) سقطوا في الحرب.

3- هزيمة سياسية تكرّست مشهد الانسحاب العشوائي.

فهل الولايات المتحدة مستعدّة لخوض تجربة مماثلة في أوكرانيا؟

هذه المرة فإنّ العدو ليس حركة طالبان بعناصرها من الحفاة الانتحاريين. العدو هو الاتحاد الروسي بقواته الصاروخيّة العابرة للقارّات وبترسانته النوويّة المتطوّرة.

التهديد أو مجرد التلويح بالقوة العسكرية يمكن أن يؤدّي إلى خطأ في ردّ الفعل الروسيّ. وروسيا ليست أفغانستان. إنّها قوّة نووية

قبل انفجار الأزمة في أوكرانيا أو حول أوكرانيا، انفجرت أزمتان: الأولى في غرب روسيا وكان مسرحها بيلاروسيا. الثانية في شرق روسيا وكان مسرحها كازاخستان.

كان هدف الأزمتين واحداً، وهو الإطاحة بالنظام القائم في كل منهما والموالي لموسكو. لذلك كان من الطبيعي أن يشعر الكرملين وسيّده فلاديمير بوتين إنه (ونظامه) هو المستهدف. فكان الرّد الدفاعي إرسال قوات الى بيلاروسيا وإلى كازاخستان لقمع الانتفاضتيّن المعارضتيّن ولتثبيت أركان النظاميّن المتحالفين معه. بعد ذلك اتخذ خطوة ثالثة بالإنتقال من الدفاع إلى الهجوم. فكان قراره حشد حوالي مائة ألف جنديّ روسيّ على حدود أوكرانيا الشرقيّة محذّراً من ضمّها إلى حلف شمال الأطلسي. ويعتبر هذا الحشد، الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991 .

ثمّ إنّ أوكرانيا ليست مجرد زائد واحد إلى عدد الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي والمنضويّة تحت حلف وارسو. فالشعب الأوكراني هو شعب سلافي كالشعب الروسي. وهو يدين كذلك بالمسيحية الأرثوذكسيّة .

 

انفصالان أساسيان في أوكرانيا

كان انفصال أوكرانيا عن روسيا انفصالين:

– انفصال سياسيّ يتمثل بإرتماء “كييف” في أحضان الولايات المتحدة والحلف الأطلسي.

– وانفصال دينيّ يتمثل في انفصال الكنيسة الأوكرانيّة عن الكنيسة الروسيّة. وما كان لهذا الانفصال أن يتمّ وأن يتمتّع بالشرعيّة الكنسيّة لولا مباركة البطريرك بارثالوميوس بطريرك إسطنبول الذي يتمتّع بصفة “أول بين متساووين” في مجموعة بطاركة الأرثوذكس في العالم (لأنّه يمثّل كنيسة المدينة التي كانت عاصمة الامبراطورية البيزنطيّة – الأرثوذكسيّة).

حدث ذلك فيما أعاد الرئيس بوتين للكنيسة الروسيّة دورها المعنويّ وحريتها في الحركة في إطار السياسة العامة للدولة، وذلك بعد عقود طويلة من الإضطهاد والإلغاء استمرت طوال الحقبة السوفياتية السابقة.

بذلك تكون أوكرانيا السلافيّة قد فكّت ارتباطها سياسياً بالكرملين ودينياً ببطركية موسكو، ما شكّل ألماً معنوياً شديداً للروس. ومن هنا انطلقت الأزمة. فأوكرانيا لا تجاور روسيا فقط، بل تمتدّ عميقاً في أحشائها. وهو امتداد مشوب بالولاء للولايات المتحدة ولدول حلف شمال الأطلسي. من هنا كان ردّ الفعل الروسيّ الحادّ الذي بدا (مع الردّ على الردّ الذي أعربت عنه الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي). وكأنّه يجرّ العالم ليس إلى الحرب الباردة من جديد، بل ربما إلى حرب عالمية جديدة. حتى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه أعرب عن تخوّفه وعن حذره من خطورة انجرار العالم إليها. ذلك إنّ التهديد أو مجرد التلويح بالقوة العسكرية يمكن أن يؤدّي إلى خطأ في ردّ الفعل الروسيّ. وروسيا ليست أفغانستان. إنّها قوّة نووية.

قبل انفجار الأزمة في أوكرانيا أو حول أوكرانيا، انفجرت أزمتان: الأولى في غرب روسيا وكان مسرحها بيلاروسيا. الثانية في شرق روسيا وكان مسرحها كازاخستان

إرث غورباتشوف؟

مرّ أكثر من عقدين من الزمن على لقاء الرئيسين الأميركي رونالد ريغان والسوفياتي ميخائيل غورباتشوف. في ذلك اللقاء تعهدت الولايات المتحدة بعدم تمدّد حلف شمال الأطلسي شرقاً. غير أنّ التمدّد ضمّ دولاً كانت عضواً في حلف وارسو المناوئ في العهد السوفياتي للحلف الأطلسي مثل بولندة. والآن وصل التمدّد إلى أبواب أوكرانيا التي تقع في الخاصرة الروسية. وبدلاً من أن تكون أوكرانيا خط دفاع روسي متقدّم، أصبحت شوكة أميركية في الخاصرة الروسية. وإذا تكرّس ذلك فإنّ الكرملين قد يصبح مطوقاً وتحت رحمة حلف الأطلسي.

لا يستطيع الرئيس بوتين (الذي كان قد أعرب عن حزنه وأسفه لسقوط الاتحاد السوفياتي) أن يتحمّل نتائج وأعباء هذا التحوّل الاستراتيجي الخطير. لذلك شعر بأنّ عليه أن يردّ. فكان الحشد العسكري حول أوكرانيا من الشرق والشمال. ثم كان عليه أن يوحي للولايات المتحدة وحلفائها بأنّه جاد في معارضته وفي تصدّيه لتمدد حلف الأطلسي شرقاً.

قبل ذلك اثبت جديته في عام 2014 عندما احتلّ (أو استرجع) شبه جزيرة القرم بالقوة العسكرية من أوكرانيا. وكذلك عندما تبنّى انفصال شرق أوكرانيا (دونباس) ودعم الحركة الانفصالية بالسلاح وبالمظلة السياسية الوارفة. لا شكّ بأنّ الرئيس بوتين كان يتحسّب من ردّ فعل أميركي – أوروبي بوقف استيراد الغاز والنفط الروسيين. فكانت زيارته لبكين حيث عقد الرئيسان الروسي والصيني صفقة تعاون تمكّن روسيا من تصدير الغاز والنفط إلى الصين، وربما تشمل الصفقة قضايا لا تقلّ أهمية سياسياً وعسكرياً أيضاً. إلّا أنّ الطرفين لم يذكرا علناً شيئاً من ذلك.

خسرت أوكرانيا شبه جزيرة القرم. وخسرت منطقة دونباس التي هُجّر منها مليون ونصف المليون أوكراني. وخسرت دونيتسك ولوغانسك اللتين أعلنتا الاستقلال عنها يوم الإثنين. وهي الآن محاصرة من الشرق والشمال.

فما الحلّ؟.

جواباً على هذا السؤال بدأ حديث العودة إلى اتفاقيات “مِنسك” التي كان تمّ التوصّل إليها لتجنّب توسيع الانفجار الأوكراني حتّى لا يشمل القارة الأوروبية، وربما العالم كله.

إقرأ أيضاً: أوكرانيا: توحّد الغرب.. فهل يسقط بوتين؟

كانت الولايات المتحدة تشجع على تجاوز تلك الاتفاقيات لفرض أمر واقع جديد على الكرملي. لكنّ الرئيس بوتين قلب الطاولة وفرض بعرض عضلاته العسكرية أمراً واقعاً جديداً.

فلا أحد يريد الاصطدام بدولة نوويّة.

ومن هنا استرجعت اتفاقية “مِنسك” صدقيتها كمخرج للأزمة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…