تتحدّث مصادر سياسية في بغداد عن اقتراب الحزبين الكرديَّين الرئيسين “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”، من نقطة الاتّفاق على مرشّح تسوية لمنصب رئيس الجمهورية، على حساب برهم صالح، مرشّح “الاتّحاد”، وريبر أحمد بارزاني، مرشّح “الديمقراطي”. وهذا المرشّح هو عبد اللطيف رشيد، الذي دخل السباق مستقلّاً، مخالفاً موقف قيادة حزب “الاتّحاد” الذي ينتمي إليه، وزعيمه بافل طالباني الذي تبنّى ترشيح صالح وتجديد ولايته في رئاسة الجمهورية.
تشير هذه المعلومات التي وصلت إلى بغداد، وتحديداً إلى قيادات “الإطار التنسيقي”، إلى أنّه على هذه القيادات البدء بالاستعدادات العمليّة لعقد جلسة برلمانية تكون مخصّصة لاستكمال الاستحقاقات الدستورية المتمثّلة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس للوزراء وتشكيل حكومة جديدة، مباشرة بعد الإعلان الكردي التوافق على مرشّح رئاسة الجمهورية.
دعا الحلبوسي في مبادرته إلى بحث “تعديل قانون انتخابات مجلس النواب، وتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا حسب المادّة 92 من الدستور”، أي إصدار القوانين التنظيمية لهذه المحكمة
يعني هذا التوافق الكردي أنّ كلا الحزبين ذهبا إلى تسوية تخرجهما من الدائرة المغلقة نتيجة تمسّك كلّ منهما بمرشّحه، خاصة بعد رسالة “الإطار التنسيقي” الواضحة والحاسمة قبل أسبوعين إلى القوى الكردية، حين أعلن موقفه من رئاسة الجمهورية، وأنّه سيذهب إلى عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للجمهورية من بين 14 مرشّحاً، في حال لم يحسما اسم مرشّحهما التوافقي.
تتحدّث قيادات في “الإطار التنسيقي” عن رسالة كردية تؤكّد اتفاق الحزبين مرشّح تسوية، وتوجُّه لتسهيل استكمال الاستحقاقات الدستورية لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها. في المقابل، تضيف هذه القيادات أنّ “الإطار التنسيقي” حسم موقفه بالدعوة إلى عقد جلسة برلمانية في الأيام المقبلة، مشيرة إلى أنّ عقد هذه الجلسة تمّ تأجيله إلى ما بعد تاريخ 18 أيلول الجاري، لتمرير مراسم زيارة أربعين الإمام الحسين، وحتى لا تلجأ الأطراف المعترضة إلى استخدام الشارع مع وجود أعداد كبيرة وغير مسبوقة من الزوّار.
عودة البرلمان إلى العمل
تنسجم هذه المؤشّرات الكردية مع المبادرة التي أطلقها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي حاول رسم خريطة طريق للخروج من الأزمة الدستورية والسياسية التي تعطّل العمل الحكومي. خاصّة أنّ “الإطار التنسيقي” حسم قراره بعقد الجلسة في المبنى الرئيسي للبرلمان بعد توفير الحماية الأمنيّة له والتصدّي لأيّ محاولة لاقتحامه أو تعطيله من جديد، وأنّ خيار البحث عن مكان بديل للبرلمان لعقد الجلسة لم يعُد مدرجاً على جدول أعمال “الإطار”.
تنسجم مبادرة الحلبوسي في أبرز نقاطها مع المبادرات التي تقدّم بها “الإطار التنسيقي” من حيث الآليّات الدستورية التي تسمح بالتوصّل إلى أرضيّة مشتركة لمعالجة الأزمة السياسية التي برزت بعد انتخابات تشرين الأوّل 2021، وأوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. وهي تتضمّن الدعوة إلى استكمال استحقاقَيْ “رئاسة الجمهورية واختيار حكومة كاملة الصلاحيّة متّفق عليها ومحلّ ثقة واطمئنان للشعب وقواه السياسية”، والانطلاق قبلها أو بعدها نحو البحث من أجل “تحديد موعد للانتخابات النيابية المبكرة وانتخابات مجالس المحافظات أقصاه نهاية العام المقبل” 2023.
دعا الحلبوسي في مبادرته إلى بحث “تعديل قانون انتخابات مجلس النواب، وتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا حسب المادّة 92 من الدستور”، أي إصدار القوانين التنظيمية لهذه المحكمة.
الصدر غير موافق
في قراءة سريعة لهذه البنود، وعلى الرغم من تأكيد الحلبوسي ومقرّبين منه أنّها جاءت بناء على تفاهم مع حليفَيه في التحالف الثلاثي “إنقاذ وطني”، التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أنّها تبدو أبعد ما يكون عمّا صدر من مواقف عن السيّد مقتدى الصدر وقيادات التيار الصدري، التي أعلنت تمسّكها بالقانون الانتخابي الحالي الذي لعب التيار الدور الأبرز في إقراره، فضلاً عن تمسّكه بالتركيبة الحالية للمفوضيّة المستقلّة للانتخابات التي تحكّم الصدر في اختيار أعضائها وانتخابهم. في حين أنّ التيار أعلن وتمسّك بمطلب حلّ البرلمان قبل بحث أيّ آليّة لإعادة الانتخابات ومواعيدها. وهو المطلب الذي ردّت عليه المحكمة الاتحادية برفض الدعوة التي تقدّم بها التيار الصدري لعدم الاختصاص، ثمّ أكّد رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان على الآليّات الدستورية لحلّ البرلمان، التي تنحصر في طلبٍ لحلّه يقدّمه نصف أعضائه زائداً واحداً، أو تصويت ثلثَيْ أعضاء البرلمان، أو بطلب من رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس الوزراء.
قد تكون هذه التطوّرات، وما تحمله من إمكانية تسليم القوى السياسية بضرورة البحث الجدّيّ عن مخارج حقيقية للأزمة السياسية، السبب الذي دفع الصدر عبر وزيره “وزير القائد محمد صالح العراقي” إلى طرح مبادرة جديدة تقوم على “التمديد لرئيسَيْ الجمهورية برهم صالح والحكومة مصطفى الكاظمي بحيث يعملان على تحديد موعد جديد للانتخابات البرلمانية بعد حلّ البرلمان الحالي”. وهي خطوة أو مبادرة تكشف عن إحساس الصدر بجدّية المساعي السياسية التي تدور لاستكمال العملية السياسية، وتضمّنت مواقف جديدة، أبرزها تخلّي الصدر عن مرشّحه لتولّي منصب رئاسة الوزراء جعفر الصدر، لصالح التمديد للكاظمي. فضلاً عن تغيير موقف الصدر الرافض لبقاء برهم صالح في موقع رئاسة الجمهورية واتّهامه بأنّه “تطبيعي” بعد تعطيل التوقيع على قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل الذي أقرّته الكتلة الصدرية في أولى جلسات البرلمان الحالي التشريعية.
جاء موقف الصدر من “التمديد لصالح والكاظمي” بعد الحديث عن خلاف بينه وبين الكاظمي أخيراً على خلفيّة عدم استجابة الأخير لمطلب الصدر إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض من منصبه وإعادة توزيع قوات الحشد وإخراجها من المنطقة الخضراء. وقد تكون مبادرة الحلبوسي أكثر دبلوماسية في التعامل مع هذا المطلب، وقد تشكّل المدخل لطرح هذا الملفّ على طاولة الحوارات والمفاوضات مستقبلاً في إطار تعزيز دور الدولة وسيطرتها على القوات المسلّحة ومكافحة السلاح المتفلّت، من خلال البند الذي تضمّنته والداعي إلى بحث موضوع “إعادة انتشار القوات العسكرية والأمنيّة بجميع صنوفها، وتتولّى وزارة الداخلية حصراً الانتشار وفرض الأمن في المدن كافّة، وتكون بقيّة القوات في مكانها الطبيعي في معسكرات التدريب والانتشار التي تحدّدها القيادة العسكرية والأمنيّة مع توفير كلّ ما يلزم لتكون على أهبة الاستعداد لأيّ طارئ”.
إقرأ أيضاً: انتكاسة الصدر: نار “الفوضى الأهلية” تحت الرماد؟
ستكون الأيام المقبلة مسرحاً يستخدم فيه طرفا الأزمة، “الإطار” والتيار، آخر ما يملكانه من أوراق، سواء في استكمال “الإطار” الخطوات الدستورية وتكليف محمد شياع السوداني برئاسة الوزراء، واستعداده للتصدّي لأيّ محاولة جديدة لتعطيل المؤسّسات واحتلالها (البرلمان أو المنطقة الخضراء)، أو في عودة الصدر وتيّاره إلى الشارع لتعطيل العملية السياسية، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية الذهاب إلى تصادم في الشارع وإدخال البلاد في دائرة الانهيار الأمنيّ.